نتيح المساحة اليوم، لقلم الأستاذ عمر الجزلي، ليردّ على ما ورد في مقالٍ لي. أسأل وأتساءل، بالله ما الذي فعلته بربّكم، غير طلبي من رأس الدولة الذي ظلّ وسيظلّ يحترمنا، ويوقرنا، كلما التقينا به في المناسبات الرسمية والاجتماعية، التي جمعتنا به، وذلك لمزيد من الاهتمام بالبقية الباقية من زملاء المهنة الذين أعطوا ولم يستبقوا شيئاً.. لننصفهم في ضعفهم وفي مرضهم، وأيامهم الأخيرة!.. أنا شخصيّاً لم أطلب لنفسي الفقيرة للّه شيئاً، فقط أردت أن أسهم في إنصاف هؤلاء الذين بذلوا العمر من أجل الإبداع، ولم يجنوا إلاّ العدم. إنّه بعض الوفاء ظللت أسهم به من أجل زملاء العمر.. ومن أجل أمّنا الإذاعة، التي عشقناها وأخلصنا وأوفينا لها.. وأذكر أنّني عندما طلبت من شقيقي الراحل صلاح الجزلي (طيّب الله ثراه) أن يشيد جامعاً للإذاعة السودانية، على أيام الرجل العاشق للوفاء.. المخلص لزملائه، الدكتور صلاح الدين الفاضل، وقد كان ذلك -شكراً لله- ووفاءً مني لأجمل أيّام قضيناها بالإذاعة.. وبعد أن شيد شقيقي، صلاح الجزلي، جامع الإذاعة الحالي على نفقته الخاصة، أحسست أن بعض دين عليّ قد أوفيته لأمّنا الإذاعة.. راجياً الثواب من عند الله رب العالمين، وليس من أحد غيره. والله.. والله لقد ظللت أسائل نفسي: ما الذي فعلته؟ ليكيل لي هذا المتكبر سيلاً متتالياً من السباب والشتائم.. متنفساً في مقاله: (سيّء الذكر) وفي اليوم التالي مباشرة لرحيل (ذو النون) (وما زالت طوبته لينة) وفي صدر مقاله: ذاكراً (إنّ الرجل (ذو النون) طلب سحب قصيدة كتبها مستبشراً بالإنقاذ) سبحان الله!! يا أخي هذا كذب وتلفيق.. فما هكذا وما بهذا نذكر موتانا!! وأعلم، والله يعلم، ما نقصده بحديثكم هذا عن الراحل الحبيب الذي لا حول ولا قوة له الآن!! ليردّ عليك، وعلى اتّهاماتك التي تقذف بها الآخرين قذفاً!! وحتى وهم تحت التراب!! بعد ذلك عرّج بقلمه الأسود، في مقاله (سيّء الذكر) على عمر الجزلي، الّذي ظل باذلاً عمره وأيامه في مواقف صعبة، مرّت بها الإنقاذ، أيّام (صيف العبور) ومصنع الشفاء.. أيام الرجل المحترم العادل، والمهذب الذي عرف ويعرف أقدار الرجال والناس.. الأستاذ الطيب مصطفى (حفظه الله وأبقاه) حيث ظلّ يعاملنا بتقدير فائق، وبصدق وشفافية، وباحترام بالغ.. مقدراً ومثمناً خبراتنا وأمكاناتنا، وبذلنا، وسنوات عملنا في مجال المسموع والمرئي والمقروء التي قاربت نصف قرن من الزمان، وإن أنس لا أنسى الضابط الشجاع.. الهمام (الضكر) محمود جمال، الذي تولى قيادة التلفزيون في مرحلة مهمة من مراحله المتتالية، والذي كان في منتهى الحسم والحزم والعدل. فكان رجل الجيش الحر والمنضبط!! كما أيّام رجل الجيش الوزير المبدع، سليمان محمد سليمان!! وأعود وأسأل وأتساءل بالله: ما الّذي دعا هذا المدعوّ لكيل سبابه ومكايداته التي عرفناها وعشناها (نعلمها، ويعلمها، ويعلمها القوي الجبار الشديد) أيام كان في حراسة التلفزيون.. وكيف أيامها تذوقنا، وعشنا حنظلها، وسمها الزعاف!! لكنا كنا نحتمل ونتحمّل ونصبر ونكابد، من أجل رموز بعينها، ظلت تحيطنا وتحترمنا وتحيطنا باهتمامها وتقديرها، لخبرتنا ولشخوصنا الفانية الذاهبة ذات يوم!! (يعلمه الله ولا يعلمه هو). سألني صديق أقدره وأجله.. قائلاً: (يا عمر هل أنت رئيس حزب معارض؟ وكمان شرس، فنحن حقيقة لا نعرف ذلك؟! حتى تتعرّض لهذا الهجوم، وتلكم الشتائم المقذعة، من هذا الذي يدعي فهماً ومعرفة، وهو أبعد ما يكون عن ذلك!!). قلت له: يا صديقي ربما أكون رئيس حزب معارض، وأنا لا أعلم ذلك. لأن الذي أصابني من سباب متصل، وسيل من التهكم والازدراء، لا يمكن أن يكون إلاّ لعدو شرس، ينافح الدولة ويكايدها، وأنا ليس بذلك الشخص الذي صوره كاتب ذلك المقال الاستعلائي، لكنه الجحود يا صديقي!! وهو موجود في الناس منذ الأزل.. فهناك نفوس ودواخل معقدة، لا تعرف إلاّ التشفي، والنيل من الآخرين لتكون في الصورة التي تعتقد أنها تقربهم من أهل القرار!! واستمر صديقي يقول: لا عليك والله، لقد أوصلت الرسالة التي كنت صادقاً فيها.. ولم تكن (تمثل) كما ادّعى ذلك المدعوّ؛ لأنّ الذي طلبته من الدولة لم تطلبه لنفسك، وإنّما لزملاء المهنة والعمل، وأنا أعلم تماماً كيف أنك عانيت وكابدت عند سفرك للولايات المتحدةالأمريكية مستشفياً، ولم تدفع أو تتحمل عنك الدولة فلساً واحداً يومها من نفقات علاجك، لقد آلى أبناؤك، الذي يتعلمون ويكدحون هناك من أجل العلم، وهم الذين تكفّلوا بعلاجك (حفظهم الله) الذي بلغ أكثر من ثمانين ألف دولار، مازالوا يسدّدونها حتى الآن!! وأضاف: وحتى هنا في الخرطوم، عندما دخلت غرفة العمليات، بمستشفى فضيل، ذات يوم، لم تدفع الدولة لك مليماً واحداً، فعلام هذا الحقد؟ وهذا الهجوم؟ وهذا الجحود؟ إذن كيف يكون بالله من صرف على نفسه وصرف أبناؤه عليه (حفظهم الله) وقاموا باللازم، وبما كان يجب أن تتكفّل به الدولة لمن بذل وقدم وأفنى العمر في خدمة الوطن (كما تمتّع بذلك كثيرون أقل عطاءً وبذلاً لوطنهم) حتى يستحق هذا الهجوم الحاقد!! وقلت لصديقي: يا هداك الله، صدّقني، هذا ليس بجديد على هذا الذي تخصّص في المكايدة لي ولزملائي القدامى، وأنا صامت، أمسك عن الحديث، مجاراة للباطل، وقد آثرت هذا الصمت زمناً طويلاً، مترفعاً عن الزّلل، وعن الصغائر، وعن الولوج في وحل القيل والقال، والشتائم والسباب، لكن التجني والكيد والكيل، فاض وتدفق!! فزاد عن الحدّ، وأنا ألزم الصمت!! فظنه جبناً وخوفاً، وما أنا الذي يتصوره هذا الذي عوّد نفسه على مهاجمة الآخرين، والتقليل من مكانتهم تهكماً وتنكيتاً وازدراءً وتصغيراً!! يا سبحان الله!! وأقول له وللجميع: والله، والله لقد أفنينا هذا العمر المتقاصر، يوماً بعد يوم، في عمل مرهق ومضنٍ، أكل العمر ويأكله، وسنظلّ هكذا من أجل هذا الوطن العظيم، وطن الآباء والأجداد، وسنظل نعطي ونعطي، ولن نستبقي شيئاً، كتبنا ونكتب بأعمالنا وإبداعنا في سفر هذا الوطن، أعمالاً ستتذكرها وتذكرها الأجيال من بعد الأجيال، يوم أن تضمّنا اللحود، حيث تستوي كل القامات، فلا متكبر ولا متهكم، ولا مستعلٍ على الآخرين!! وسنصبر على هذا الجحود، وهذا النكران الذي ظنّ كاتب المقال (سيّء الذكر) أنّه يمكنه أن يهدم ويشوّه مسيرة عمر في درب الإعلام والشقاء (خاب فأله). والله لن يتمكّن من الكيد والعداء لرموز لا تعرف التملّق، ولا الخنوع، فالأتقياء الأنقياء يقفون له ولأمثاله بالمرصاد!! (والله غالب على أمره ولو كره الكافرون!!). لقد طفح مقاله (سيء الذكر) باستعداء واضح وبيّن، عندما صدره بأن الراحل المقيم (ذو النون بشرى) كتب نشيداً للإنقاذ، وأراد بعد ذلك سحبه (كما قال) حتى لو اضطرّه ذلك لدفع المقابل المالي.. أورد ذلك (وطبعاً) في إشارات واضحة (فهمناها جميعاً).. كل ذلك ليؤلّب رأياً عاماً حتى بعد وفاة الرجل!! والغريب في الأمر أن هذا الهجوم، وهذا الاستعداء الواضح، الذي طفح بالحقد والتعالي والكيد، كان مباشرة في صباح اليوم الثاني لرحيل الغالي العزيز، (وطوبته) في قبره لم تجف بعد!! (يا سبحان الله) والأدهى والأمرّ، أنّه نسب زوراً وبهتاناً حديثاً مختلقاً، للراحل العظيم بروفيسور/ عبد الله الطيب، في حقي وحقه، مما لم يحدث إطلاقاً!! فالبروفيسور عبد الله تربطه بي وبأسرتي صلات وثيقة أيام كنا حضوراً معه، وهو يسجل برنامجه المبارك (دراسات في القرآن) ومعه الراحل المقرئ الشيخ، صديق أحمد حمدون. وزميلنا الراحل المذيع الدكتور/ أبو بكر عوض، طيّب الله ثراه، والذي كان يقوم بالتقديم والتعقيب على حلقات البرنامج، وذلك بالإذاعة السودانية وباستديو (F) بالإذاعة وقتها. حيث كنا نتابع تسجيل هذا البرنامج الخالد والمبارك. أضف إلى كل ذلك الصلة والمعرفة القديمة ببروفيسور عبد الله الطيب مع أسرتي، إذ إنّ البروفيسور عبد الله الطيب كانت تربطه علاقة صداقة أسرية بوالدي الحاج محمد عثمان الجزلي (طيب الله ثراهم) وقد كان ذلك بمدينة بربر العريقة، هذه العلاقة وهذه الصلة التي ظلت قوية وباقية، إلى أن رحل العلامة البروفيسور عبد الله الطيب عن هذه الفانية. وأذكر أنّني عندما التقيته أول مرة لتسجيل أسماء في حياتنا، قال لي، وبالحرف الواحد: أهلاً بابننا عمر، أهلاً بابن الصديق الحاج محمد الجزلي، وبابن بربر الحبيبة!!- وأقول الآن: يا سبحان الله من هذا الزمن الصعب، الذي اختلط فيه الحابل بالنابل، يرمونك ويلصقون بك الأحاديث والأقاويل الكاذبة.. وأنت تتعجّب وتستغرب وتشكو لله الذي لا بدّ أنّه سينصف المفترى عليهم كذباً وإفكاً وبهتاناً!! يوم لا ينفع مال ولا بنون. ولقد شهد على حديث ولقاء البروفيسور هذا، زملاء السنوات الأربعين، الذين لايعرفون الكذب والخداع ولا النفاق ولا التدليس!! سنوات عمر قضيناها في مهنة أحببناها، فأورثتنا الهموم والأمراض، في أجسامنا الفانية الذاوية.. وفي الوقت ذاته أكسبتنا حبّ الملايين من أبناء هذا الشعب السوداني العظيم، الذي أجلّه وأقدّره، وهو يقول كلمته دوماً في حقي عند إجراء استطلاعات الرأي المتواصلة، التي تكون نتيجتها أن احتفظ لي هذا الشعب العظيم بقدري ومكانتي، فجعلني دوماً في مقدمة الذين يحبّهم ويفضلهم (والحمد لله).. وقد رفضت لذلك عشرات العروض المغرية بآلاف الدولارات التي قدمتها مؤسسات كثيرة، داخل وخارج العالم العربي، وآخرها مؤسسة معروفة بالولايات المتحدةالأمريكية!! وبعد كل ذلك أردّد، وأقول، مع نفسي: ولكن ما العمل؟ وكيف التصرف مع الذين ينضحون حقداً وحسداً (وهم لحسن الحظ) فئة قليلة يبخسون الناس أشياءهم.. يتهكّمون، ويغمزون، ويلمزون، وينفقون مما عندهم من سقط القول، وشائه الحديث. أسطّر كلماتي هذه مختتماً حديثي مردداً: (حسبي الله ونعم الوكيل.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.. لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم). وإذا عدت عدنا.. ولكن بعد رحلتي العلاجيّة إذا ما عدت بإذنه تعالى.. فلا شيء يتم إلاّ بإذنه.. (نصيحة أخيرة) أرجو أن يقوم كاتب المقال المتجنّي، ويقنع نفسه (بفكّ ماكينة الرولز رويس، التي يتحرّك بها بين عباد الله المسكين.. ويستبدلها بماكينة (مورس ماينر) فهي الآن تناسبه تماما!! تعليق: أرجو أن يكون الأستاذ قد اتفشّى من غضبته، الّتي امتدّت لثلاثة أسابيع، وهو بذلك لن يستفيد من مادة «الاستفزاز الشديد المفاجئ».. أمّا سحب نشيد «هبّت ثورة الإنقاذ» فقد صحّحت ذلك: أنّ «الضمير» لا يعود إلى الراحل ذو النون بشرى.. وقد عفوت عنك، فأرجو أن تعفو عنّي.. وهذا هو المفروض