إنها ليلة حزينة مبكية مفجعة.. تلك التي نعى فيها الناعي أستاذنا سيد احمد خليفة الذي لم يجد المرض موضعاً أنسب لينقله به الى الرفيق الأعلى، من قلبه الكبير الذي كان يمتليء بحب الناس.. رحل الكبير المنحاز للجماهير وغيّب الموت صاحب المدرسة الصحفية المتفردة، رحل من بمقدوره أن يصنع الخبر من كل حركة وسكون.. فالرجل الذي ينسبني كثيرون اليه في اعتقاد أنني ابنه ربط بيني وبينه ود لم ينقطع، وأذكر أنه عندما أصدرت مجلة الصباح الجديد التي رأست تحريرها لمدة عامين، كان هو أول من رحب بها وكتب في صحيفته مشيداً بالتجربة واختتم حديثه بالقول إن آلاف القراء يظنون أن عابد هو ابني شقيق عادل وإخوته، ولكنني أقول مع ترباس يا ريت.. هكذا كان أبونا سيد احمد خليفة، فعندما دعاني صديقنا عادل سيد احمد للعمل معهم في الوطن «الصحيفة»، عقب عودة والده سيد احمد من المهجر، جلس معي أستاذنا بحضرة الصديق عادل للترحيب بي، بل دعاني لاختيار موقعي في الصحيفة.. وعندما طلبت منه أن يحدد ذلك هو، قال لي سنكتب من الغد في الترويسة أنك مساعد لرئيس التحرير، وقد عملت معه عامين من أجمل الأعوام.. تعلمت منه الكثير الكثير ونهلت من خبرته التي اكتسبها بالخارج ونال على إثرها أضخم الجوائز العالمية.. وأستاذنا سيد احمد له الرحمة، كان يهتم حتى بشؤوننا الخاصة، وقال لي إن كثيراً من الصحفيين يحرصون على الكتابة بعناوين غير مباشرة، فاجعل لعمودك «داخل الموضوع» عنواناً.. وكان معنا في تلك الأيام كمال خشم الموس مديراً للتحرير، والذي رحل العام الماضي، ثم لحقه رئيس التحرير قبل أيام لهما الرحمة، واذكر عندما توفيّ والدي ودفن في مقابر احمد شرفي، سارع سيد احمد خليفة الى مخاطبة المشيعين في المقابر قائلاً إن سيد احمد والد عابد قد رحل، لكنني خليفة والده وهذا التشابه في الأسماء ما يزال الناس يظنون أنه والدي وهو شرف لي، فقد ظل في مقام الوالد حتى رحيله.. وأستاذنا كما عرفته، ودود لا تمل مجالسته، متواضع لا يعرف التعالي، فقد كان كلما زادت نجاحاته ازداد تواضعاً، محباً للخير للآخرين واذكر عندما كنت أعمل معه ووجدت عرضاً مالياً أفضل من أخبار اليوم للعمل بها، دخلت عليه ووجدته كعادته في معنويات عالية لا يهزها شيء، وهو قاريء فطن للآخرين، فاجأني بالقول «الليلة عندك راي»، فقلت له فعلاً ولكنني محرج.. فسارع يرفع الحرج عني ووافق على الانتقال قائلاً: لكن فليكن الوعد بيننا أن تعود لصحيفتك فور قرارك بترك الصحيفة التي ستنتقل اليها.. فهكذا كان سيد احمد خليفة، إنساناً لماحاً وذكياً وصاحب قدرات متعددة، يعطي المؤتمرات واللقاءات الصحفية التي يشارك فيها، طلاوة وحيوية وقد اختار أن ينهي حياته مستقلاً سياسياً، منحازاً للحق والناس والخير والجمال. أخيراً: إن فاجعة رحيل سيد احمد خليفة كبيرة لا نملك إلا أن نقول هكذا حياة كل منا الى منتهى، اللهم ألزمنا الصبر في فقدنا الكبير.. وارحمه واحسن العزاء في فقدنا الكبير وارحمه واحسن العزاء لنا في فقده.