كانت منظومة المنتديات التي عقدت حول العمالة الاجنبية بالبلاد والتي كانت موضع اهتمام المجلس الوطني عبر لجنة الحسبة العامة والعمل، وجهاز الأمن والمخابرات الوطني، ووزارة الداخلية وإدارة شؤون الأجانب وغيرها من المنتديات مثل منتدى روان والحلقات التلفازية والإذاعيّة والتحقيقات .. كلها بمثابة استكشاف لأسباب ومستقبل هذه الظاهرة المتنامية. لقد برزت العديد من الملاحظات والافكار من خلال أوراق العمل والتحليلات التي تتناول ظاهرة العمالة الأجنبيّة، حيث برزت ممارسات الاستقدام العشوائي للعمالة الآسيويّة متدنية القدرات، التي تُخزن بحيشان ومزارع ويتم تسريبها خلسة الى سوق العمل في الوظائف الهامشية بما يُعد مزاحمة حقيقية للعمالة الوطنية من فئة الفاقد التربوي. كما أوضحت التجارب كذلك عدم الالتزام بتدريب الكوادر الوطنيّة على يد العمالة الأجنبيّة وفقاً لنص قانون استخدام غير السودانيين لعام 2001م، إضافة إلى قيام وحدات القطاع الخاص بالتعيين المباشر للعمالة الأجنبيّة دون حضور فعلي لممثل مكتب العمل، وهذا قصور يتطلب تعديل قانون العمل وقانون استخدام غير السودانيين لعام 2001م الذي ينص صراحة على وجود ممثل مكتب العمل ضمن لجان المعاينات حفظاً لحقوق الكوادر الوطنيّة في ذات التخصصات المطلوبة. لقد وضح كذلك التضارب بين قانون استخدام غير السودانيين لعام 2001م وقانون الاستثمار في ما يتعلق بنسبة العمالة الأجنبيّة بالمؤسّسات الاستثمارية، الأمر الذي يجعل أجهزة الدولة متناقضة وغير متّسقة وهذا أمر معيب يتطلّب المراجعة الفورية والعاجلة. غير أن الجانب الهجري المتعلِّق بتسجيل الأجانب بمحطات الوصول بالموانئ الجويّة والبحريّة ومن ثم المتابعة بعد نهاية فترة الزيارة المسموح بها واتخاذ اجراءات رسميّة مع المخالفين من الأجانب إنما تُعد خطوة متقدمة تضبط حركة الأجانب الذين يتسربون إلى سوق العمل الوطني خلسة دون الاجراءات المنصوص عليها قانوناً. لعلنا هنا نحتاج لتضافر الجهود وإعمال المؤسسيّة واعتماد قاعدة التبادل المعلوماتي بين منظومات الإدارات الرسمية العاملة في مجال تنظيم استقدام العمالة الاجنبية.. فوزارة العمل والخدمة العامة وتنمية الموارد البشرية، ووزارة الداخلية، وجهاز الأمن العام والمخابرات الوطني، ووزارة الاستثمار .. كل هذه الوزارات والأجهزة ينبغي ان يتناغم اداؤها فعلياً لأن مستويات الضبط الإجرائي بكل منها يؤدي الى تحسين كفاءة الأداء بالجهاز الآخر ومن ثم يمكن إحكام عمليات الضبط والسيطرة والتوجيه للعمالة الأجنبية بسوق العمل. ولعلنا نتساءل حتى متى سنكون في حاجة لاستقدام العمالة الأجنبية؟ ونقول إن هناك فجوة حقيقية في الكوادر التقنية والفنية والمهنية بسوق العمل، وأن قطاعات الانتاج ومطلوبات التنمية المستدامة لا يمكن أن تنتظر نتائج المخططات والبرامج الرامية لتحسين كفاءة المناهج بمؤسسات التعليم الفني والتقني.