1 تاريخ السودان - (حسب إفادات آثاره)- ماظهر منها.. وما بطن.. ( يتوغل إلى مائتي ألف سنة...) وليس لسبعة آلاف.. كما يزعم الزاعمون!.. ما عرف عنه شحيح وبخيل وهزيل.. ولا يملأ الكف..! لأنه ضارب في تيه ممدود بلا حدود...!! ... ومخبوء عنا.. في بيداء.. دونها بيد.. من الأقربين والأبعدين.!. وتلك قصة كتاريخ الأفاعي طويلة.. وتطول...! فنحن (السودانيين).. مسؤولون أمام الله ( والتاريخ والجغرافيا والمجتمع والحلم) عن كل ذلك! لكنني أستثنى حفنة من المؤرخين والعلماء السودانيين الذين حاولوا ويحاولون- قدر المتاح أمامهم من إمكانات- نبش ذلك المطمور من تاريخنا.. وأتوقف بالاجلال أمام الأستاذ جعفر ميرغني الذي مافتئ يسعى ويكد.. ومازلت أتمنى عليه نشر ذلك المخزون المسجون الذي جمعه ويجمعه في مجلدات مرقمة.. بدعم مالي مستحق من جهات الاختصاص!!. فالسودان جدير بذلك.. وتاريخه جدير بالاحترام!. -2- وأستاذن لأضرب بعض الأمثلة.. فهناك من يقولون- وأنا الفقير الضعيف منهم- أن سيدنا موسى (الكليم) عليه السلام- مثلاً- ولد في( ناوى) على ضفاف (مجمع البحرين)( حيث كان يلتقي فيها بحران قبل أكثر من ثلاثة آلاف سنة!). وأن النبي (الخضر) (أعلم علماء زمانه) ولد في (ناوى). وكذلك سيدنا لقمان الحكيم ( أحكم حكماء زمانه)، وأن عدداً من السحرة الذين استعان بهم الفرعون، (رمسيس الثاني) أمام سيدنا (الكليم) هم أيضاً من (ناوى) التي اشتهرت بالسحرة، وليس (السحاحير!!) كما يقول العامة! بل أن مستر قريفس (مؤسس معهد بخت الرضا الشهير) قال في كتابه (نقوش مروية) أن( معبد وتمثال الملك ترهاقا) وجدا مطمورين تحت رمال( ناوى) ونقلا إلى مركز مروي(وقد شاهدتهما في طفولتي أمام مركز مروي!) وتلك جميعها شواهد على أن (ناوى) أو (ناوا) التي جنيت) على اسمها التاريخي لدواعي الشعر!! كانت بلدة تاريخية هامة لأنها أنجبت رجالاً عظماء منذ آلاف السنين. وأكرمها الله بموقع فريد على ضفاف مجمع البحرين! وكنت ومازلت أقول إن (مرج البحرين) هو مقرن النيلين، وقد أيد قولي هذا السفير اليمني الشاعر والمؤرخ د. صلاح علي أحمد العنسي، في قصيدة له نشرتها صحيفة (آخر لحظة)، فهو إلى جانب تخصصه في الاقتصاد والعلوم السياسية، دارس تاريخ خاصة التاريخ اليمني- السوداني. وكتب قصيدة عن السودان أسماها (السودان.. هبة الله!) و(أعجب كيف غابت عني هذه الصفة الصادقة والصدوقة) و(أنا الزاعم أن لا أحد يماثلني أو حتى يجاريني في عشق هذا السودان!!!) وقد يكون زعمي مردوداً!. فالسودان - إذن- جدير.. وتاريخه جدير بالاحترام!! -3- أما النوبيون (أو النوبة) فقد شيدوا الحضارة الأولى في الدنيا على ضفاف (نيل السودان).. وملوكهم كثر.. وأستاذن لأضرب مثلاً ببعضهم:- فمنهم (كاتشا) و( بعانخي الفاتح) والكنداكة( وترهاقا). امتدت امبراطوريتهم من تخوم الشام وحفافي البحر الأبيض.. إلى الصومال و(بحر القلزم) شرقاً.. وإلى غانا وغينيا.. والسنغال على (بحر الظلمات) غرباً!. .. وهو جدير.. وهم جديرون بالاحترام!!. -4- شهدت سبعينات وثمانينات القرن العشرين ما كان يسمى ب الاشتراكية الافريقية) التي كان يتزعمها الشاعر والرئيس السنغالي ليوبولد سنغور، وكانت تلتئم منتدياتها كل عام في عاصمة أفريقية، وكنت حينها منقطعاً في السفارة بتونس، وكان الدور عليها.. بينما الصديق (الراحل المقيم) أبو القاسم هاشم ذلك الإنسان النبيل( عليه رضوان الله) كان يمثل السودان في تلك اللقاءات لكنه- ربما بسبب مشاغله- أرسل برقية لاسلكية يكلفني فيها بأن أنوب عنه في ذلك اللقاء. كان ذلك في النصف الأول من ثمانينات القرن الماضي. اقترحت تونس أن يكون المنتدى في مدينة (سوسة) الساحلية السياحية الجميلة، وهي على مرمى ساعة بالسيارة من العاصمة. كانت الاجتماعات صباحية ونهارية، وكانت المساءات حرة. كنا نلتقي كل مساء(سنغور وشخصي الضعيف ونسهر في حوارات تطول عن الاشتراكية الافريقية والشعر حتى بعد منتصف الليل). (لم يكن- يومها- رئيساً للسنغال. كان قد استقال كأول رئيس أفريقي، وسار مساره- بعد حين- المعلم نيريري!). استنشدته شعراً ذات مساء. كان يجيد الفرنسية التي يكتب بها شعره، ويحسن الانجليزية. وكنت (ركيك) الفرنسية، وأحسن الانجليزية. كنت أسأله عن بعض التعابير الفرنسية ، التي كانت تغيب عني فيشرحها لي بالانجليزية، ثم استنشدني شعراً، فأنشدته بعضاً من قصيدتي المطولة (نحن) وكنت قد كتبتها بالعامية في كنشاسا بزائير عام 1975م ولاحظت أنه طرب حين ترجمت له: نحن الساس ونحن الرأس ونحن الدنيا جبناها وبنياها بويت في بويت وأسال جدي ترهاقا وخلي الفاقة والقاقا).. الخ وحين قلت له(إن هنالك من اتهمني بالنرجسية) وكنت أعني أبن أختي مولانا أبو الحسن مالك- احتد صوته وهو يقول (إنك قلت الحقيقة. إن الحضارة الأولى في الدنيا أقامها جدودكم النوبة وهم سادة الصناعة الأولى ، والزراعة الأولى والمعرفة والشعر والفنون.. والفخاريات والأهرامات.. الخ.. بل إن هذه الحضارة انتقلت إلى السنغال.. وأن هنالك أعداداً كبيرة من النوبة والدينكا والشلك والنوير يعيشون في السنغال ويتحدثون بلغاتهم الأصلية.. الخ) سألته.. إن كان مستعداً أن يقول كل هذا في محاضرة في الخرطوم .. فعبر عن سعادته بذلك. فأرسلت تقريراً بذلك لرئاسة الخارجية، وجاءني رد إيجابي ومعه رسالة من الرئيس نميري عليه رضوان الله) موجهة للرئيس سنغور، قمت بتسليمها لسفير السنغال بتونس ليرسلها عبر خارجيتهم لسنغور.. وعلمت.. فيما بعد أن الرئيس سنغور قد جاء للخرطوم وقدم محاضرة بذات المعنى في قاعة الامتحانات بجامعة الخرطوم!