أنفقت الماليّة الاتحاديّة بسخاء على مشروعات تنمويّة في ولاية جنوب كردفان التي يتم إدراجها في منظومة التهميش أحياناً وفي حيّز المناطق الأقل نموّاً أحايين أخرى .. والمناطق المتأثِّرة بالحرب في مكاتبات ووثائق الدولة الرسميّة، وفي كل الحالات الولاية من المناطق التي صمتت فيها أصوات الذخائر بعد اتفاق هدنة سويسرا التجريبي واتّفاق السلام في نيفاشا عام 2005م، ولكنّها لم تتعافَ من آثار (أنفلونزا) النزاعات إلا قُبيْل بضعة أشهر حينما أدرك شريكا السلطة حصريّاً «المؤتمر الوطني والحركة الشعبيّة» أن ديمومة النزاع السياسي والتشاكس بينهما يكتب شهادة لتوطين التخلُّف التنموي والتقهقر لأسفل بوتيرة متسارعة.. عندما أُبرمت اتفاقيّة السلام انقسمت الولاية لثلاث رقعات جغرافيّة وإداريّة لا يجمع بينها سوى الاسم غير المتّفق عليه حتى في اتفاقيّة حسم النزاع، فكتب الشريكان في الوثيقة الرسميّة «ولاية جنوب كردفان- جبال النوبة» كأنّهما يوطِّنان للثنائيّة خلوداً في الأرض، فأصبح قائد المنطقة السياسي والتنفيذي يحمل أيضاً وصفيْن مختلفيْن مضموناً: «الوالي- الحاكم». فلا عجب إن أصبحت الجغرافيا ثنائيّة «أرض محرّرة وأخرى لا صفة لها» فالمناطق المحرّرة كانت تحتلها الحركة الشعبيّة بوضع اليد التي تحمل البندقيّة، والأرض الأخرى هي التي تبسط الحكومة سيطرتها عليها، وعندما عُيِّن الجنرال جلاب والياً أو حاكماً من قبل الحركة الشعبية كان يدير الولاية من العاصمة كادقلي التي في تقدير حركته غير محرّرة ! فكيف ارتضى الثوّار لأنفسهم البقاء في منطقة (محتلة) لإدارتها ومعها المنطقة (المحرّرة)، وصفة الاحتلال مقابلها التحرُّر.. وقد أدرك عبد العزيز الحلو ومولانا أحمد هارون قبل مغادرتهما الخرطوم لتسنُّم مهامهما إن أولويات الحكومة الجديدة توحيد الولاية، وربما ساعد عامل الجغرافيا (هارون والحلو) في التفاهم والانسجام وكلاهما من منطقة أبو كرشولا من حيث المولد والنشأة ولكن فرّقت بينهما المذاهب السياسيّة والتوجُّهات الفكريّة حتى جمعتهما مرة أخرى كراسي السلطة بعد تجربتيْن مختلفتيْن «الأول في السلطة والثاني في المعارضة المسلحة» ولكن إرادة التغيير تغلبت على الاختلافات فبدأت المنطقة تحصد ثمار التفاهم بين الشريكين.. كادقلي الجديدة مدينة رياضية بتكلفة «14» مليار جنيه بدأ تشييدها في كادقلي تضم ملعباً لكرة القدم يسع «40» ألف متفرِّج ينتهي العمل فيه في غضون ثمانية أشهر في منطقة تُعتبر منجماً طبيعيّاً لمواهب كرة القدم في السودان، و«491» مليون دولار من مال التنمية والقرض الصيني الذي يسدّد خلال «20» عاماً تم تخصيصها للطريق الدائري وطريق الدبيبات الفولة، و«536» كلم طرقاً ترابيّة و«51» كلم طرقاً زراعيّة لربط أطراف الولاية المتناثرة والمتباعدة، لتبلغ جملة الاعتمادات الماليّة التي دفعت بها الحكومة الاتحاديّة للولاية «65» مليار جنيه سوداني لإنفاذ خطّة تنموية لم تشهدها المنطقة منذ رحيل الاستعمار عنها عام 1956م، الشئ الذي دفعها لقيادة الحركات المطلبيّة الاقليميّة التي أصبحت من بعد تمرُّدات وحركات مسلحة اقترنت بالجنوب ودارفور!! أول مشروع خدمي كبير وضعته الحكومة الاتحاديّة في أولوياتها .. مستشفى مرجعي في كادقلي يسع «200» سرير يتم إنفاذه حاليّاً بقدرات وطنيّة، تبلغ تكلفة المستشفى «23» مليار جنيه ويتألّف من طابقيْن بمساحة «35» ألف متر مربع، يدخله أوّل مريض بعد «10» أشهر من الآن، أي قبل إجراء المشاورة السياسيّة لمستقبل الاتفاقيّة، فهل تسبق العمليّات الجراحيّة بالمستشفى الجديد العمليّة السياسيّة الغامضة؟ .. وهناك ميناء بري يسع «160» سيارة في الساعة بتكلفة «10» مليارات جنيه يتم تشييده في غضون «5» أشهر من الآن و«33» كلم طرقاً داخليّة في العاصمتيْن «كادقلي والفولة» .. ألم نقل لكم هذه ولاية مسكونة بالثنائيّة رغم إعلان الحكومة عن ترفيع كاودة عاصمة الحركة الشعبيّة ومقرُّها العسكري لعاصمة ثالثة، وأبوجبيهة كعاصمة اقتصادية رابعة.. الجاز يحرق أوراق التهميش صُبغت صورة الدكتور عوض أحمد الجاز وزير الماليّة بالصرامة الشديدة، لكنّها صرامة بدأت البلاد تحصد ثمراتها بترشيده المال العام وتوظيف نفوذه السياسي في تقسيم الثروة والمال بيْن المستحقين بعدالة، لينفق على جنوب كردفان خلال ستة أشهر فقط ما لم ينفق على الولاية مدة «10» سنوات، فما هي دواعي وأسباب هذا الإنفاق التنموي غير المعهود من قبل الحكومة المركزيّة على جنوب كردفان؟ الأجابة على السؤال عند البعض يعتريها تفسير متربِّص للاشياء .. (قد) يقول قائل لوجود (مولانا) أحمد هارون في السلطة .. لكن السؤال هل مولانا ابن عم لعوض الجاز أو صهر للرئيس البشير .. في دولة يتم اتهامها جهراً بالتحيُّز للسوداني النيلي.. «ولايات الشمالية»؟ ثمة أسباب موضوعيّة لإنفاق المالية الاتحاديّة على ولاية جنوب كردفان.. وبقراءة كتاب وزير المالية د. عوض الجاز فقد بدأ مهامه في الوزارة بسداد ديون التجّار على الحكومة وأطلق سراح السجناء من أم درمان وكوبر، أو ضحايا (شيكات) الحكومة، وضيّق الخناق المالي على الدستوريين وموظفي الحكومة حتى يمنح المواطنين الأمل في التغيير، وأخذت المالية على عاتقها تقسيم النفط بعدالة، فذهبت «600» مليون دولار لطريق الإنقاذ الغربي قطاع النهود ام كدادة و«400» مليون دولار لطريق زالنجيالجنينة و«400» مليون دولار لتعلية خزان الرصيرص و«600» مليون دولار للطريق الدائري، ولم يعترف بذلك الذين حملوا قميص التهميش ورفعوه على أسنة البنادق وفي صفحات (الجرائد). الانسجام السياسي بين الشريكيْن وكفكفة النزاعات القبلية وتوحيد أطراف الولاية وإدماج مناطق الحركة الشعبية السابقة وإطلاق صفة المناطق المختارة عليها ودمج القطاع الغربي من الولاية في بقية مكون جنوب كردفان جعل القيادة السياسيّة تضع أولويات تنموية لمنطقة عاد إليها الاستقرار وأضحى المال يُنفق في مشروعات لها علاقة برفاهيّة الإنسان وتقدُّمه بدلاً عن إهدار الوقت والمال في منازعات لا طائل منها!! ثانياً الرؤية التنفيذية لحكومة الولاية من حيث تحديد الأولويات وتنفيذ برامج الإصلاح المؤسس التي بدأت بخفض رواتب ومخصّصات الدستوريين من الوالي حتى أعضاء المجلس التشريعي والمعتمدين والوزراء وإيقاف التعيين العشوائي وتحديد أولويات الصرف.. وداعاً للمتأخرات الاحتفالية التي أقامها اتحاد عمال ولاية جنوب كردفان بمقره كانت صغيرة في محتواها من حيث الحضور الجماهيري ولكنها (كبرت) بالمعاني حيث سدّدت حكومة الولاية لأول مرة متأخرات رواتب العاملين، وتعهد د. عوض أحمد الجاز بسد الفجوة بين الاعتمادات المركزية للفصل الأول وبين حجم الفصل الأول البالغة 5.4 مليارات جنيه يتم في السابق سدادها من عائدات البترول التي خُصِّصت للولاية من أجل التنمية الاجتماعية لكل المواطنين فأحالتها ضغوط المال لتصرف مرتبات لموظفي الحكومة!! وبعد انقضاء شهر ديسمبر القادم فإن حكومة الشريكين في جنوب كردفان تحظى بأريحية مال البترول ليتم توظيفه في المشروعات التنموية، ولكن هل تعصف رياح السياسة والازمة الخانقة في الخرطوم بمكاسب (هارون والحلو)؟ أجاب هارون والحلو أكثر من مرة بأن الشريكيْن تحصّنا في كادقلي بمضادات حيويّة تجعلهما في منأى عن الإصابة (بأنفلونزا) و(قحّة) الخرطوم التي تضرّرت منها حكومة الشراكة والمواطنون؟ غندور يقود التمرُّد في منطقة لا ينقصها إلا التعافي من آثار التمرُّد أطلق البروفيسور ابراهيم غندور، رئيس الإتحاد العام لنقابات العمال في السودان، دعوة تمرُّد صريحة قد تضعه تحت طائلة التحريض ضد الحكومة، حينما قال للعمال في كادقلي إن الولاة العاجزين والمتباطئين في دفع استحقاقات العمال والموظفين لا يستحقون أن يُصوّت لهم في الانتخابات التي أصبحت على الأبواب. وقال غندور إن أجور العاملين حقوق لا تنازل عنها ولا مساومة، والحكومة التي لا تفي برواتب العاملين في الدولة هي حكومة فاشلة، لذلك ظل اتحاد العمال يقود التفاوض مع الماليّة ورئاسة الجمهوريّة من أجل الوفاء بمرتبات العمال ودفع الفروقات. وتعالت الهتافات والزغاريد لمواقف رئيس اتحاد العمال الذي قال إن الولاة أمثال أحمد هارون هم من يستحقون التصويت لهم لمواقفهم المشرِّفة من قطاعات العمال. وانتقل حديث غندور للقرى والفرقان وأضحى مادة تتوسط موائد السياسيين الذين يتنافسون من أجل الظفر بالأميرة الغالية «كرسي الولاية». بيد أن هارون درج على وضع «البطيخ الصيفي» في بطون منافسيه بأنّ أيّامه في كرسي الولاية تتناقص كل يوم وتنتهي بقيام الانتخابات القادمة، ليعود لحي الناظر في الأبيض مواطناً يتبضّع من السوق ويجلس في الأمسيات أمام منزله يجتر الذكريات، إن لم يكن للبشير رأي آخر!! أقلام الخرطوم في الحجارة منذ سنوات طويلة لم تشهد مدن كردفان وجنوبها بصفة خاصة حضوراً إعلامياً كبيراً مثلما شهدته كادقلي الاثنين الماضي، حيث لبى دعوة د. عوض أحمد الجاز رؤساء تحرير: «آخر لحظة» .. «مصطفى أبو العزائم، الرائد «عبد المحمود الكرنكي»، الصحافة «النور أحمد النور»، الأخبار «محمد لطيف» السوداني ممثلة في مدير تحريرها «نور الدين مدني»، الحرة بمدير تحريرها «جمال علي حسن » أجراس الحرية بكبير المحررين «قمر دلمان» الرأي العام بالاستاذ «فتح الرحمن شبارقة» سونا ب «عبدالله»، والتلفزيون و إذاعة ام درمان وقناة الشروق والوجود الإعلامي في كادقلي .. نقل الحدث لحيِّز القوميّة باعتباره واحداً من إشراقات حكومة الوحدة الوطنيّة!!