لن أقحم السادة القراء في أحزاننا الشخصية أو الأسرية لكن هناك نماذج في مجتمعنا جديرة بالتوثيق والذكر، لم يسمع كثيرون بها ولم تشغل منصباً في دوائر القرار.. ولم تهتم بتكوين جمعية نسائية.. لكنها كرّست كل عمرها لخدمة أسرتها الصغيرة بتفانٍ ولمساعدة أهل قريتها بلا منٍّ ولا أذى.. ولإكرام ضيوفها بطلاقة الوجه واليد واللسان. ü فاطمة الزهراء البتول هكذا أسماها أبوها وكنت طالباً عندما جاء البريد بخطاب قرأته على الأسرة.. رزقنا بنتاً وأطلقنا عليها اسم فاطمة الزهراء تيمناً بالسيدة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. عاشت الزهراء حياة البساطة إذ أن أباها كان قد تقاعد بالمعاش من خدمة السكة الحديد ولم يرزق بذرية طيلة مدة خدمته وتزوج بثانية بعد المعاش تحت إصرار الزوجة الأولى الحاجة حرم محمد أحمد تلك المرأة الوفية والتي تركت أهلها بالأبيض لتقيم مع زوجها وضرتها وأولادهما في مروي بعد أن نقلت سجل كل أملاكها لأبناء زوجها فضربت مثالاً في الوفاء قليل. ü تزوجت الزهراء من قريبها الأستاذ هاشم عبيدالله علي إدريس والشهير بهاشم النصري نسبة لأهل والدته. فجده لأمه محمد محمد صالح النصري استاذ هاشم يقود التعليم بالولاية الشمالية من منصب الأمين العام لوزارة التربية والتعليم منذ سنوات طويلة ولا يزال وزهراء تعمل موظفة في إدارة المحاكم وتربي أبناءها وتكرم ضيوفها إلى هنا والأمر عادي بل وأقل من العادي، وفجأة توفيت الزهراء وكانت تتلقى العلاج وهي في منزل شقيقتها، وانتقلنا ومعنا الجثمان للشمالية، فإذا بأمواج وأفواج من البشر لم أشهد لها مثيلاً في المنطقة طيلة حياتي ومعرفتي لمروي.. وتباري المتحدثون في ذكر مناقبها وأياديها وكرمها وفضلها بمختلف التكوينات السياسية والاجتماعية في الولاية الشمالية وما حولها.. وكانت ليالي المأتم قد تحولت إلى ملتقيات فكرية وثقافية وجاء الناس من كل مكان في الولاية الشمالية بلاد استثناء يتحدثون عن «الزهراء» فكم لله من لطف خفي.. فالزهراء كانت «تدي اللقيمة.. وتطيِّب الكليمة وفي جوف الليل تأخذ لها قويمة». وقد صلّت فجر الجمعة وأدت أورادها. وفاضت روحها وهي بعد في ريعان الشباب وأبناؤها وبناتها في مختلف مراحل التعليم لم يتخرج منهم أحد بعد. وأذهلهم النبأ لكنهم تماسكوا وأسعدهم أن تكون للفقيدة تلك المكانة الرفيعة في نفوس أهل الولاية.. وقد جاء وفد رفيع من جماعة أنصار السنة بدنقلا ليذكروا أفضالها ولم تكن منهم وقد عجب الناس للفقيدة كيف اخترقت بكرمها وبساطتها وطيبتها كل عناصر ومكونات مجتمعها دون المرور بالأجهزة التنظيمية والالتزامات الحزبية.. وقصدت أن اسجل هذه اللفتة الكريمة لأن الزهراء قدمت نموذجاً «للقبول» والقبول من الله بأدائها المخلص لواجباتها الدينية والاجتماعية والأسرية فأسرت قلوب الناس من حولها ونالت تلك المكانة السامية وقد وجبت لها الجنة إن شاء الله كما جاء في الحديث الشريف. ü يا زهراء من فضلك.. كان النداء المفضل لها.. وكانت تحنو على الصغار وتسبق تحيتها وبشاشتها بكلمة «واحلاتي دي» حتى صارت ملازمة لها. وفي ليالي المأتم عرفت أن محلية مروي تعاني!! فالكهرباء المولَّدة من السد نصيب مروي منها «سبعة ميقاواط» فقط يذهب منها 82% للقطاع السكني و18% للانتاج ومازالت معظم المشاريع الزراعية تُروى بالجازولين تصوروا!! ومروي تستورد من الخرطوم حتى العجور والجرجير ولم يتبق إلا أن تستورد البلح... ومدارس محلية مروي مكتملة البنيات ولكن لم يحرز الطلاب في الشهادة السودانية أكثر من 90% سوى ثلاثة عشر طالباً فقط من سبعمائة ممتحن!! فالعجز في الأساتذة كبير والإحلال لمن تقاعدوا بالمعاش لم يحدث.. ومطار مروي الدولي بلا تشغيل لا طائرة تهبط ولا أخرى تقلع واذا استمر الحال كذلك فلا بد أن تسحب أجهزة المطار لمطارات أخرى!! والمستوصفات في محلية مروي معظمها لايوجد فيه مساعد طبي!! وليس طبيباً وشارع الأسفلت لا ينقل سوى الركاب لا بضائع ولا منتجات!! والأمر يحتاج لوقفة ومراجعة وبالتأكيد فإن نائب الدائرة القوى الأمين صلاح قوش في ذهنه خطة متكاملة لإعادة الأمور إلى نصابها خاصة وأن المعتمد علي عبدالله بندق أحد ضباطه العظام. ü كلما نظرت في وجوه أبناء الزهراء ووالدهم هاشم اتذكر حكمة كتبها عبدالماجد عبدالحميد الوزير بالنيل الأبيض عند وفاة أحد أقاربه وكان يربي أسرته وأسرة شقيقة المتوفي فقالت حبوبته وهي تخاطب اليتامى تبكي وتقول «أحي يا وليداتي بقيتو مقشاشة بلا حبل». وهذا هو المفروض