منذ إعلان مجلس وزراء دولة جنوب السودان إيقاف تصدير نفطه عبر الشمال في شهر يناير الماضي وتمترس الطرفان خلف مواقفهما حول رسوم عبور النفط فإن الموقف التفاوضي جعل حالة الحرب سيدة الموقف بين السودان وجنوب السودان وصار الجميع يتحسس أدواتها ويسترجعون ذكريات الأدغال وأحراش الجنوب وأعاد التلفزيون القومي برنامج ساحات الفداء الأكثر شهرة في أيام الحرب بين الشمال والجنوب ونأى الكثيرون عن الاكتراس من عودة الحرب في حال أضحت واقعاً بين الدولتين. والتوتر السياسي بين الدولتين في أديس أبابا أزكي رائحة بارود الحرب في الخرطوم وجوبا بعد أن فشلت كل جهود الوساطة الإفريقية برئاسة الرئيس الإفريقي سامبو امبيكي في الوصول الى حل في أديس أبابا، إلا أن الجولة الأخيرة التي وقَّع فيها الطرفان على اتفاق الحريات الأربع ساعدت في جلاء الأجواء المشحونة بين الدولتين بعد أن كان أقرب لحالة الحرب من السلام خاصة بعد أن أعلن رئيس الجمهورية المشير عمر البشير في مطلع الشهر الجاري عند مخاطبته احتفالات رفع التمام لقوات الدفاع الشعبي باستاد الخرطوم حالة الاستنفار وطالب الولايات بفتح معسكرات الدفاع الشعبي بالاستعداد للحرب وبنفس الطريق سار فيها نظيره رئيس دولة جنوب السودان الفريق سلفا كير ميارديت عندما كان يمشي مثل الطاؤوس على أنغام المارشات العسكرية بين قوات الجيش الشعبي في قاعدة «بلفام» العسكرية التي لها مكانة خاصة عند وحدات الجيش الشعبي. وجدد سلفا الاتهامات للشمال بسرقة بترول دولته وطالبهم الاستعداد للحرب مع الشمال لأن كل التوقعات باندلاع الحرب مع الشمال واردة وعليهم أن يعوا حديثه وأن يضعونه في موضع الجد وأمس الأول وافق رئيس الجمهورية عمر البشير على القمة مع نظيره الجنوبي سلفا كير ميارديت في الثالث من الشهر المقبل بجوبا للتوقيع على الاتفاق الإطاري المحتوى على الحريات الأربع بعد أن أحدثت الوساطة اختراقاً في مسار المفاوضات بعد أن أرجعت مناقشة ملف النفط وأبيي للتعقيدات التي تصاحب الملفان. وتأتي قمة الجنرالين في ظروف أكثر اختلافاً عن سابقاتها بعد أن أكد الطرفان في الجولة الماضية على ضرورة تغيير منهج التفاوض والتركيز على القضايا التي تهم المواطنين في الدولتين. والأمر الثاني أن بعض الجهات لفتت انتباه سلفا لضرورة الوصول الى اتفاق مع الشمال نظراً لأن الأوضاع في المنطقة لا تحتمل أي حروب جديدة بعد أن أصبح هناك سعي كبير لإنهاء الحرب التي تدور في الصومال وبنفس القدر المجتمع الدولي يمارس ضغطاً على الخرطوم مستخدماً كرت الأوضاع الإنسانية في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان وضرورة أن تسعى الحكومة لإحلال السلام في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق والسماح للمنظمات الإنسانية بالدخول في المنطقتين فضلاً عن الحملة التي تقودها منظمات المجتمع المدني الدولية ضد السودان ومناقشة الكونغرس الأمريكي لمشروع قانون محاسبة السودان.. كل هذه العوامل الخارجية تجعل الدولتان تتجهان في طريق السلام وتحقيق المصالح المشتركة وعدم العودة للحرب. ويرى المحلل السياسي آدم محمد أن قمة البشير وسلفا هذه المرة ستأتي بنتائج عكس التي خرجت من القمم السابقة خاصة وأن المجتمع الدولي أصبح أكثر تركيز على العلاقة بين الدولتين بعد أن شهدت تدهوراً طوال الفترة الماضية. وأضاف في حديثه ل(الأحداث) أمس إن الحكومة حالياً تركز على الجانب الأمني دون ملفي البترول وأبيي لأنهما في غاية التعقيد وسبق لسلفا أن أظهر قلقاً كبيراً بشأن العقبات التي تعترض سير التفاوض مع الشمال وطلب من دول الإيقاد التدخل لتجاوز أزمة الدولتين، وكثفت الدول من تحركاتها في المنطقة لإنجاح ختام اتفاقية السلام الشامل التي وقعها الطرفان في عام 2005م وعقدت قمة رباعية في أديس ابابا بمشاركة البشير وسلفا، رفض سلفا التوقيع على الاتفاقية بحجة أن الأولوية ليس البترول وإنما لقضيتي أبيي وترسيم الحدود فهما أهم من تصدير البترول. وذهب سلفا أكثر من ذلك، حين طالب الشمال بضرورة أن يعلن تنازله عن أبيي للجنوب، بالإضافة الى أن ضرورة إعلان الخرطوم التنازل عن أبيي لصالح الجنوب وأن تسرع في ترسيم الحدود بين الشمال حتى يتجنب البلدان الحرب الا أن البعض يرى أن الحكومة ترفض أن تذهب للتفاوض مع الجنوب حول أبيي في أديس أبابا باعتبار أن الملف حسم عبر الاتفاقية السابقة التي عبرها دخلت القوات الاثيوبية الى أبيي لحفظ الأمن والاستقرار في المنطقة. وذهب المحلل السياسي حمد حاوي في نفس توقعات سابقة وقال ل(الأحداث) أمس إن سير المفاوضات في أديس أبابا نحو الانفراج يبشر بمزيد من الأجواء الودية بين الدولتين، منوهاً الى أن القمة ستأتي في طريق سالك دون أي عقبات في طريقها مما يجعلنا نتوقع مزيداً من الاتفاقيات بين الشمال والجنوب، وأضاف الحاوي أن القمة بين الرئيس البشير وسلفا كير ليست معنية بالتفاصيل الدقيقة بينما تتحدث عن الأطر العامة التي تفسرها لجان التفاوض، مشيراً الى أن الأجواء الودية الحالية ستنعكس على قمة البشير وسلفا.