غريب أن تتغير حتى الثوابت الاجتماعية في السودان، فالمتغيرات الحاصلة عندنا وصلت إلى قلب المجتمع ووحدته أو خليته الرئيسة وهي الأسرة، فما نراه الآن على صعيد الأسر السودانية لا يشي بخير ولا يطمئن أحدا، ولا يقتصر الأمر هنا على المنازعات الأسرية على صعيد المحاكم ولا الجرائم الأخلاقية المرتكبة على عينك يا تاجر. في السابق كان الإطار الأسري هو الوحيد الذي يحظى باحترام من قبل الجميع. فالذي لم يتزوج ولم يكوّن أسرة يظل معزولا نوعا ما عن بقية المجتمع لكونه مجتمعا مكونا بالأساس من أسر ترتبط ضمنيا برابط قيمي وأخلاقي يجعلها تتفاعل معا وتشكل جدار حولها. أما الآن فلم يعد عند البعض لهذه الأسرة من قيمة. فالكل يلهث من وراء تحقيق رغباته وطموحاته الشخصية باعتبارها هدفا في حد ذاتها وربما هدفا بديلا لا وسيلة كالسابق من أجل إنشاء أسرة والاندماج في الحياة الاجتماعية. وربما يقول قال إن المشهد الاجتماعي في السودان لا يشجع أحدا على ذلك وأن الظروف الاقتصادية والمعيشية جعلت الجميع يهرب من التزامات قد لا يستطيع تحقيقها، وربما لا يتمكن حتى من الايفاء بها في المستقبل. لكن التاريخ عندنا أثبت أن الظروف كانت في السابق ربما أسوأ من الآن لكنها لم تدفع الشباب إلى الهروب من هذا الالتزام، صحيح أن المادة عامل أساسي في استمرار الحياة الأسرية، ولكن العامل الأخلاقي كان الأهم في طريق صمودها ومكافحتها لمعوقات الحياة. والانفراط الاخلاقي الذي نعيشه لا يدع مجالا للشك أنه العامل المعزز للتصدعات الأسرية القائمة في المجتمع. فالسلوكيات المتبعة للتعامل مع معوقات الحياة المختلفة هى المسئولة عن ذلك، بجانب أن المؤثرات المختلفة التي تضرب جدار الأسرة السودانية لا تترك لها فرصة للنجاة خصوصا وإن وقع أحد أقطابها فريسة لها. واقع الأسرة السودانية في ظل المتغيرات التي نعيشها يدعو للتأمل والتفكير في فرص نجاتها، والمعادلات المطروحة تشير أن المادة والحياة الضاغطة هي المهدد الرئيس، وقد تكون صحيحة لكنها تغفل أن الانسان هو من كان بداية، وأن جوهر هذا الانسان وحده بما يملك من نوازع من يحدد ماذا سيحدث لا المتغيرات والمعادلات الحسابية.