بايدن يؤكد استعداده لمناظرة ترامب    الأهلي يهزم مازيمبي بثلاثية نظيفة ويصعد لنهائي الأبطال    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    أرنج عين الحسود أم التهور اللا محسوب؟؟؟    الصناعة.. قَدَر الخليج ومستقبله    وصول طائرة للقوات المسلّحة القطرية إلى مطار بورتسودان    شاهد بالفيديو.. ناشط سوداني يهاجم الفنانة عشة الجبل ويثبت غيرتها من زميلتها الفنانة مروة الدولية: (عرس الدولية حارقك وقاطع قلبك والغيرة دي ما حلوة)    السودان..تحذير خطير للأمم المتحدة    شاهد بالفيديو.. ناشط سوداني يهاجم الفنانة عشة الجبل ويثبت غيرتها من زميلتها الفنانة مروة الدولية: (عرس الدولية حارقك وقاطع قلبك والغيرة دي ما حلوة)    شاهد بالفيديو.. حكم كرة قدم سعودي يدندن مع إبنته بأغنية للفنان السوداني جمال فرفور    شاهد بالصور.. رصد عربة حكومية سودانية قامت بنهبها قوات الدعم السريع معروضة للبيع في دولة النيجر والجمهور يسخر: (على الأقل كان تفكوا اللوحات)    هل فشل مشروع السوباط..!؟    مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية    سوق العبيد الرقمية!    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    أمس حبيت راسك!    راشد عبد الرحيم: وسقطت ورقة التوت    وزير سابق: 3 أهداف وراء الحرب في السودان    معتصم اقرع: لو لم يوجد كيزان لاخترعوهم    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إقصاء الزعيم!    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محركات بحث لمؤشرات وعى مدنى مستقبلي(2-2)

مدخل تأسيس أولى :دعونا اولاً نتفق حول الطبيعة السجالية المفتوحة لهذه المحركات التي سنتناولها في اطار حلقة تحاورية لمؤشرات ثلاث لقياس درجة الوعي المدني من ضمن عوامل اخريات في اي من المجتمعات ، والمقصود تحديداً هنا : الصحافة وقوى ومؤسسات المجتمع المدني بمختلف اشكالها السياسية والنقابية والطوعية ثم من بعدهما الراي العام .. والهدف ان تتحرك مفاعلة بعد سكون ، نقاط أولية كبرى لنقاش مرسل حول هذه المؤشرات الثلاث ، ليس على النسق الاكاديمي التاريخي الصارم لطبيعة هذه المفهومات من حيث نشاتها التاريخية ومدارسها النظرية بل بالدرجة الاولى من خلال ما تثيره من تحديات معاصرة تواجه الفعل السياسي والاجتماعي الراهن وتطبع مساره العام .. فهذه الثلاثية ( صحافة ، مجتمع مدني ، رأي عام ) تتسم بالتشابك والتلازم العضوي والموضوعي الذي تعرفه دالة المؤشرات التي يستبان على ضوئها مستوى الوعي المدني بعاملي ارتباطهما العضوي والموضوعي .
وعوداً لبدء دعونا نُعيد التاكيد بالرهان على مصطلح لتوصيف هذه الانساق الثلاث يطمح لنقل بنائها وواقعها الى رحاب يجتاز بها ما اوضحنا من عوائق وإشكالات لنشهد ولادة ما يمكن ان نبرر بصدق وصفه ب : صحافة معرفية ورأى عام ذو نزوع معرفى ومجتمع مدني فى فضاء معرفى ....
مضامين معرفية أولية للأنساق الثلاث: دعونا نقترح مضامين معرفية أولية جامعة لهذه الأنساق الثلاث يشكل أقترابنا منها تحقيقاً للمقاصد الأصولية الإنسانية المتوفاة منها فهى : مضامين لأنساق فاعلية ثقافية (بعنوان تغييرى شامل) بمختلف اشكالها وفى اطار غائي بهدف الإحتواء والمصالحة والاستيعاب والتجاوز لمجموعات المفاهيم التقليدية والأنماط الثقافية السياسية السائدة . وهذه الفاعلية ليست على إرتباط بدور (صفوى ، جماهيرى) فقط بل توحيدى فى ظل مركب إجتماعي إثنى و رأس مال رمزي واشكال تضامن عضوى ولكن بمعايير جديدة لمحددات هذه الفاعلية متجاوزة للمجتمع التقليدي وبمؤشرات وعى مدني بالمقاييس العلمية التى تقول بها نظريات الإجتماع المعاصر دون أن تقود الى قراءات مغلوطة أو نتائج مشوة فى حال إعتمادها حرفياً . وذلك لن يتم إلا إذا اجرينا عليها مقتضيات المعالجة والتكييف لتصلح لتحديدات أسئلة وأجوبة واقعها الراهن المختل بدور وظيفى يُحشد هذه الفاعلية فى إتجاه لبناء هذه الانساق الثلاث بانظومات حركية ثقافية وسياسية مستقلة لتقديم بدائل شاملة وجماعات تضاغط ثقافى وسياسي ومدني بمشروع للتأثير الإيجابي على الرأى العام يُعدل مواقعة الفردية والمؤسسية حواراً وتلاقحاً مع قضايا مفصلية لصالح قوى إجتماعية وأفكار جديدة تصحح المشهد الوطنى بإعادته إلى وضع التعادل الطبيعى وقابلياته الطوعية لإنجاز التساوم التاريخي الذى يخرجها بالحلول المستدامة من أزماتها المتطاولة . ومضامين هذه الانساق الثلاث ايضاً معززة : لمفاهيم الحرية والمساواة فهى أصول وقيم مطلقة يتم التاكيد عليها والسعى لضمان تمثلها برحابه لامتناهية ، دون أى قيد معرفى أو ايدولجي سالب للفاعلية الثقافية بدورها الإنساني المجتمعي الفردي والجماعي ومن ثم البحث عن الحقيقة فهى القيم المتنزلة أو (النسبية) لمجموع الأصول والقيم المطلقة بالفعل الثقافى التاريخي الذى هو نسبية الكسب المعرفى فى مجالى تمظهر سلطة الإحتكار المعرفى التى تُبددهما : الحرية الإبداعية التقنية والجمالية ، والحرية الدينية الإعتقادية . وهى أنساق لمضامين ذات أبعاد إنسانية ، فالإنسان عندها هو الهدف والوسيلة والغاية الكلية باعادة تأكيدها على البعد الإنساني الذى حطمته (اليوتوبيا) الثورية و(الثيوقراطية) الدينية سواء كانت تحت عناوين الأخلاق أو (الميتافيزيقا) والتى تدعو الفرد للتماهى مع كل جماعي (تنظيمي ، حركى) يدعى الوصاية والتعالى وتحت ستار الأهداف الكبرى تضيع الأفعال الإنسانية الثقافية التاريخية : كالشفافية والمؤسسية والديمقراطية والحق الفردي غير القابل للتصرف فى القيام بها لتحقيق إنسانية: الفاعل والمجتمع والنظرية والتاريخ . وهى بهذا الوجه تحفظ الحرمة الإنسانية كحق طبيعى (بالفطرة المطلقة) يكتسبة الإنسان كذات ثقافية فاعلة (بالوعى والضمان الإجتماعي) الحصين على كل إنتهاك أو تعدى على هذا الحق : سواء: بالتهميش الثقافى الإستعلائى أو القهر الايدلوجي الإستلابي أو الإذلال المادي والمعنوى الإرتهاني ، والذى لاتكتمل حلقات الخروج من دوائره إلا بتعظيم البعد الإنساني بكل مستوياته : فهو بعد إنساني على مستوى الذات الفردية والجماعية الذهنية والنفسية اولاً ثم المجتمعية ثانياً بتمثلاته الإقتصادية والسياسية . الإنسان بهذه المعنى هو هدف وغاية التحول والتغيير الذى تتوخاه مضامين هذه الإنساق الثلاث ، والأخلاق الإنسانية هى الروح الدافع والطاقة المجددة لحافزات ووازعات المشاريع التى تتضمنها هذه الإنساق ، ولكن فى افق اخلاق إنسانية شاملة تتعامل مع المكونات الطبيعية الإنسانية دون تمييز ايدلوجي أو إثنى أو دينى بازاحتها لكل الفواصل والحواجز المصطنعة أو بمعنى أخر بمناقشة الازمة الأخلاقية لمشكلات الفكر السياسي المدني المعاصر بانجاز القطيعة مع بعض تطبيقات هذه النظريات التى توقعها احياناً فى مشكلات خطيرة عندما يتم اكتشاف أن بعض هذه القيم الأخلاقية وكأنها قد صُممت لأطر عرقية ودينية وحضارية نسبية على الرغم من ادعاءاتها التعميمية الإنسانية ، فهى على الاقل فى شكلها التطبيقى لاتعترف بعالمية هذه القيم وما يترتب عليها من حقوق وواجبات فهى مكفولة فقط داخل إطارها الحضاري الثقافي التاريخي أما خارجها فهو مجرد موضوعات للتجربة السياسية والإقتصادية والإنتهاك الأخلاقي المادي والمعنوي .
ومن المضامين التى ينبغى أن تحترمها هذه الإنساق الثلاث بذات المستوى مبدئي الديمقراطية السياسية والتعددية الثقافية والإجتماعية ، فهما ضرورة حيوية داخل انساقها وخارجها والمناداة بهما شرط مطلب عاصب لكل مكونات مضامين هذه الانساق ولعلاقتها بمحيطها باعتبارهما الآليتان اللتان سيتم بهما تحقيق حرمة الذات الثقافية الإنسانية والسياج الموضوعى الذى ستتخطى به الأنحراف عن الأهداف التثورية لمجتمع تاريخي ما بكل محمول خصوصية تجاربه المستقلة. وبحسبانهما ايضا ظاهرة إنسانية مدنية تُكفل باحترام الحق فى التنوع والتعددية المدنية وبالأنفتاح الايجابي وقبول الاخر تأسيساً على قاعدة الحق المتساوي فى الإمتلال المعلوماتي الذى يتيح الإدارة الرشيدة لهذه الظاهرة بالانتقال بها من الإعلام (المؤدلج) الى المعلوماتية (المعرفية) ومن الثقافة (المهيمنة) الى المثاقفة(التشاركية) إستبصاراً لحقائق التعدد على صعيديه المحلى والعالمي وإستدراكاً لإستحقاقات القيام بتبعاته دون إنجاس لما تمتع به أطرافه من مزايا تعبر بها عن ما تريد الوصول اليه من غايات . والوسائل الانجع لإحترام هذين المبدئين ، والتى يمكن أن تأخذ بها مضامين الأنساق الثلاث تتحدد من ضمن حزمة من الوسائل المتعددة والتى يتمثل أبرزهما : فى المدخل للتعامل مع مركزية مسألة التداول الثقافى والسياسي السلمي الحر فهو السبيل الموضوعي المنشئ للإرادة والصانع للتغيير: فالتبادل الحر الطليق هو الذى يميز إرادات صنع النموذج لإفراد ومجتمعات الفاعلية الثقافية فى إطار المفاعلة الثقافية داخل المجتمعات الواحدة التى تعيش فيها هذه الأنساق ، وفى إطار المثاقفة الحضارية داخل التجربة الإنسانية المتعددة التى تتعايش فيها هذه الأنساق مع محيطها العالمي. وهو سبيل نافى لمناهج التغيير القسرى السلطوى بالمجتمعات الوطنية والعالمية (عبر الوطنية) ولكل ادواته : المحلية التى تقوم على عناصر القهر السياسي والإستعلاء الايدلوجي الثقافى والمجتمعي ، والدولية التى تقوم على مقومات الهيمنة الإستراتيجية السياسية والإقتصادية والعسكرية . وفى المدخل للتعامل مع التنوع والاختلاف الثقافى الإنساني ايضاً ، فهو سنة كونية تتطلب تحديد موقف هذه الانساق الثلاث من ظاهرتى العنف والإحتراب الوطني وعبر الوطن ، هل هى ظواهر مجردة ومتعالية وموضوعية ؟ أم لها اساس دينى واخلاقي تمييزي يقود اليها !! وهل هنالك حرب وعنف عادلين ؟ والمقصود هنا تحديداً ، العنف والإحتراب الوطني وعبر الوطني لحسم الصراع حول إكتساب العقول والثروات والمصالح .
والمدخل للتعامل مع الإختلاف الثقافى الإنساني بمضامين هذه الانساق الثلاث ينبغى له ان لايتم قطعاً بالتعانف بل بالتسالم التدافعى :الذى هو حركة المدافعة الإنسانية التى تجد جذرها فى التباين فى الاراء والاختلاف فى المواقف والتى هى فى حدها الاقصى تتم عبر المجاهدة التدافعية التى لاتتجاوز مقاديرها لدفع الضرر الذى لايمكن مقابلته بالحوار والحُسنى . والمجاهدة التدافعية لاتقوم ابداً اما الخطر المشكوك فيه أو الذى لايتناسب حجمه مع حجم ما وقع من ضرر إجتماعي بسببه ، وهو لايقوم ابداً بدافعات الوقاية الظنية أو التآويل الإستباقى . ويسقط مبرره (الاخلاقى والموضوعى) أمام التعانف العدواني العدمى أو التدميرى الذى يهدف الإقصاء المادي والمعنوي للفردية والجماعية الثقافية كما تسقط حُجيته (المعنوية والشرعية) تماماً امام دعوات المجادلة والمحاورة بالحُسنى . وبالتالى فإن المجاهدة التدافعية لايمكن تصورها الا فى إطار سلطة شرعية إجتماعية ديمقراطية تحترم الحق فى الإختلاف الإنساني وتنزع عنه قداسة الوصاية الايدلوجية (الثيوقراطية واللائكية) على حد سواء والتى تتم تحت عناوينها مصادرة الحق فى الإختلاف الإنساني . الدعوات والاراء والمشاريع بمضامين هذه الانساق الثلاث إذن ينبغى لها أن تؤسس الإختلاف الإنساني فى داخلها وخارجها الوطني والعالمي على قاعدة التدافع التسالمي الإنساني. هذا التدافع التسالمي هو الذى يحاصر ظاهرات التعانف العدواني ويعطي مضامين وشروط المجاهدة التدافعية الإنسانية جوهرها (الأصولى) التى : يقام قسطاسها فى محتوى ومضمون التسالم التدافعي بإستصحاب خلاق لقدر ما يقتضيه كل حال وزمان من تصريف وقياس ...
إذا ما أردنا شهادة إنبعاث مدني لمجتمع ورأى عام وصحافة (ديمقراطية) مستدامة غير مفروضة بصناعة بنية سياسية (فوقية) لا تسندها قاعدة معرفية اجتماعية ، فلا بد لمضامين أنظوماتها من أن تُمعن النظر لكل مستويات بناء الذات المجتمعية حتى تضمن مشاركة شعبية حرة فى تشكيلاتها لينبثق عنها إنموذج سياسي غير مشوه : فعلي مستوي الذات الإنسانية الفردية، فإن مضامين هذه الأنساق ينبغي أن يُصوب نحو خلق شروط الوعي الثقافي بمفاهيم : الحرية الإنسانية الاعتقادية والإبداعية والحرمة الإنسانية والديمقراطية والمشاركة الإنسانية بتجذير أفكار (الحرية ، الحرمة ، المشاركة) ليس في إطارها الأخلاقي والقانوني فقط بل بمحتواها الثقافي باعتبارها حقوقاً ثقافية (مطلقة) غير قابلة للتصرف في المقام الأول .وعلي المستوي المتجاوز للذات، فان هذه الأنساق الثلاث ينبغي لها أن تأخذ بعين اعتبارها تعميق مضامين لايمكن إغفالها ، ولا يتصور قيام نهوض تنموي شامل دون مراعاة استحقاقاتها( اهدافاً نهائية ، وسياسات مرحلية) وذلك: بإعتبار الكيان الاسروي ،وحدة إنتاج ثقافي تأسيسي للقيم التثويرية كبنية مادية (فيزيقيه) تقوم علي الثنائي الزوجي الخلاق وكتوصيف بنيوي قد يعتمد علي مفهومي الأسرة النووية او الامتدادية ولكن بأفق الدعوة لتبني ثقافة اسروية قائمه علي الوعي التاريخي بتراث اسروي حواري (ديمقراطي) يعتمد أعباء الشراكة المتكافئة في الحقوق والواجبات وليس فقط علي سلطة القداسة الذكورية والابوية (البطاريكية) . وبالتجاوز البناء للكيانات الثقافية ماقبل الدولة، فمضامين هذه الأنساق الثلاث ينبغي لها أن تكون طرح غير مساوم في نفيه للرهان القبلي والطائفي لصالح ثقافة مجتمع مدني تعمل علي المصادرة والتفكيك الثقافي لهذه الكيانات دون تكريس اوتكليس لدولة مركزية ولكن بتعامل مع الواقع المعاش بهدف إيجاد البدائل التي تحافظ علي توازن الهيكل الاجتماعي عوضاً عن تحطيم قواعده التقليدية دفعه واحدة : بإعادة تعريف (تأسيسي) لثقافة دولة جديدة لا تكون تعزيزاً (مجانياً) لسلطة دولة (وهمية ، قامعة ، مركزية) تحت أي باب من الشعارات او العناوين، فمضامين هذه الأنساق الثلاث ينبغى أن تكون طرح غير مساوم في نفيها للدولة الدينية او ألائكيه(التي قد لا تعبر عنها بالضرورة حرفية الاصطلاح العلماني) فهما اختيارين ايدولوجيين غير محايدين في مقابلهما تتأكد الحاجة الموضوعية لتوسيع الفهم الثقافي لمدلول الدولة المدنية القائمة علي جذر المواطنة الإنسانية التي تؤمن بقيم الحداثة والتداول السلمي وحقوق الإنسان .وبإعادة نظر (شاملة) في مؤسسات صناعة الثقافة التابعة للدولة الرسمية او ما يسمي (بوزارة الثقافة والإعلام وملحقاتها من التوابع الصحفية والفنية والأدبية ومراكز البحوث والتأصيل والتفقه ومن علي شاكلتها من مستحدثات أجهزة حماية ثقافة السلطة) او التابعة للمجتمع التقليدي (الشعبية والعرفية) التي أصبحت ظلاً خاضعاً لها، فلقد أضحي دورها لايكاد يبارح الترويج للسياسات الراهنة وليس النقد الاستراتيجي والتأمل المستقبلي ، فالمضامين هذه الأنساق ينبغي لها أن تكون طرح غير مساوم في التبشير بحيوية الانتقال من حراسة الثقافة إلي طلاقة الثقافة بمعني ايجابيتها وعفويتها وحراكها المجتمعي وتمنعها عن اختراقات كل الأشكال القانونية لحراسة التعبير الثقافي بسلطات غير قابلة للمراجعة او لتزوير الوعي الجماهيري بأدوات تعبير إعلامي تفتقر المصداقية .... لقد تمت هزيمة المشروع (الإسلاموي) ليس بفعل قوة الحداثة او مؤسسات التنوير بل بمؤسسات حراسة الثقافة (الخاصة) بمختلف أنماطها التي جعلت غاية طموحها الحفاظ علي المصالح غير المشروعة لفئات تحتكر فهم (متاسلم) لا يصلح إلا لتبرير أفعالها تلبيساً بعباءة تدينيه (خرقاء) او تدليساً علي عاطفة تدينيه (صادقة) وفي أحيان كثيرة تهديداً معنوياً ومادياً مباشراً باستخدام غطاء ماتملكه هذه المؤسسات من احتياطي مشروعيات (زائفة). وبالمراجعة التنويرية الجريئة والجهيرة : للانظومات التربوية والإعلامية والتوجيهية دون إبطاء لاستدراك عجزها التام عن تلبية المتطلبات الثقافية الإستراتجية ، بصورة تخرج مواطنيها عن نمط تعليم (المقهورين) بأشكال وعيه الاستلابي .ولاوعية المشاركة السياسية المدنية والتقليدية (أحزاباً وجمعيات ونقابات وكيانات أهلية) لتعبر مؤسسياً ومفاهيمياً عن مقتضي شعبيتها لا صفويتها اتساقاً مع وظيفتها الاجتماعية التاريخية ، بصورة تدخل نشطائها في دائرة الفاعلية الجماهيرية.
ولكي تلعب مضامين هذه الأنساق الثلاث ما هو مناط بها من دور (تحرري) معرفي فلا بد لها من :أن تمتلك سلطة تأسيس جديد للعلاقة بالثقافي : إعادة توصيف العلاقة بالثقافي ليس كملحق أو تابع هامش ، فالمطلوب ليس تسييس الثقافة بل تثقيف السياسية ولكن بإستراتيجية للنهوض الثقافي أو خطة لتفعيل وظائفه ومؤسساته لتستكمل بها المضامين المعرفية لهذه الأنساق الثلاث . وأن تمتلك سلطة تأسيس جديد للعلاقة بالإعلامي : بتحريره من وطء سياسة التلقين (المؤدلج) الذي لا يعمل إلا علي إعادة إنتاج (تخيلي) لعلاقات الواقع الحقيقي ، ومن ثم الانتقال به نحو إعلام أكثر معرفية وحوارية تُحل فيه إشكاليه التداول الحر للمعلومات وحريات التعبير الإعلامي والثقافي بحسبانهما آلالية الرئيسة لبناء منظومة التواصل الاجتماعي التي ستكون هذه المرة أساس المشروع الثقافي ألتغييري ، فالبعد المعرفي الحواري للوظيفة الإعلامية والثقافية هو نفسه الأداة السلمية التواصلية التي تشع أفكارها عبر التقنيات الاتصالية المختلفة : المعلومة ، الفكرة (كمضون ثقافي لبناء النسيج الوطني الاجتماعي)، والتبادل التكاملي للسلع والخدمات (الذي سيتيح البناء الثقافي للسوق الوطني) . ومن أن يقوم أيضاً قبل ذلك بتقييم جذري للمسلمات القيمية والسلوكية لمنظومات الثقافة الإعلامية والسياسية في اتجاه تجاوزي (نقدي) لمركبات ثقافة سلطة الاستبداد السياسي ولمجموعة العناصر الثقافية المتكاملة التي تنتظم حول موضوع معين داخل ثقافة عامة أو فرعية لها لتعطي هذه المركبات صورة عن طرائق السلطة وأساليبها في التفكير والعمل والتنفيذ : الذي تشهده مراتع ساحاتها الخصيب بوسائل التغييب وفرض أنماط ألامبالاة التي تحول مواطنيها الي جمهور من بلهاء المنتفعين : مابين نزوع إلي التسلط منشئه سوء استخدام السلطة ونزوع ألي التوريط في الأفعال دافعه الاحتواء السالب وتحطيم المثال الثقافي للبديل السياسي ثم تعلق بطقوسية (وثنية) سياسية تعتمد علي الشكلانية الثقافية والإعلامية التي تروج لأوهام المحافظة علي المصالح (العليا) التي يتم باسمها الحرمان الأبدي والنسبي كاداة للفرز السياسي وتنمية المصالح (الخاصة) حتي يكاد يصبح الولاء والفساد وجهان لعملة واحدة تروج فيها لبضاعة الإسفاف الأخلاقي والتشاكس ألشقاقي وصناعة التخاصم لكسب الانتماء التبريري والاستعطاف ألاجتراري وممارسة العنف والتهديد الثقافيين في مواجهة الآخر انتهاءاً بفرض الجمود الإعلامي والسياسي والخوف من التجديد الفكري.
ومضامين هذه الأنساق لا بد من أن تحمل ملامح تغيير في البنية الثقافية والإعلامية للأطر الوطنية بأبعادها النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، التغيير في هذه البني سيطال بصورة مزدوجة ومتكاملة : البني والعلاقات الداخلية (لكل العناصر المكونة للمجتمع المدني والرأى العام والصحافة)والبني والعلاقات الخارجية( فى الفضاء المجتمعي العام):
فبالمحتوي النفسي الاجتماعي الذى ستؤشر علية هذه الأنساق ، فان أزمة الاحتراب الأهلي تعود بالأساس ألي غياب ثقافة السلام بأبعاده الحوارية القابلة للآخر والي ضعف التأسيس الأصولي التوحيدي السياسي لها ، وأزمة مشروع السلام الاجتماعي المستدام تعود ألي قصور في إدراك أن السلام حالة نفسية واجتماعية وليست شكلاً سياسياً إجرائياً ، فلابد من أعادة تفكيك أصول السلام الاجتماعي المنشود (= لإتاحة فرص التعامل العلمي معه) ، ولابد من ارتباطه المحوري هذه المرة بانجاز وثيقة الأوبة الإنسانية الوطنية التي تعني بالمراجعة التاريخية للمسار (=لإتاحة فرص التعامل الأخلاقي معه) اعترافاً بالأخطاء التاريخية والاعتذار عنها، ليس بالمعني السالب ولكن الايجابي الذي يتحمل النتائج والتبعات السياسية: بجدلية العدالة والمساواة التى تتيحها هذه الأنساق ببعدها الإنساني لإزالة التشوهات النفسية ، وببعدها المجتمعي لإزالة التظالم الاجتماعي ، وببعدها الاقتصادي والسياسي لإزالة الاقتسام غير العادل للثروة والسلطة .وبجدلية المحاسبة والمسامحة التى تتيحها هذه الأنساق ، فحماية حقوق الإنسان المدنية والسياسية لن تترك هذه المرة لوازعات الأخلاق وكريمات المثل وعسف التأويل الايدولجي،بل ستحاط بتدابير مادية تقودها ثقافة ومؤسسات المجتمع المدني ومراصده السياسية بحزم صارم وشفافية مطلقة.
وبالمحتوي الاقتصادي والسياسي الذى ستنادي به هذه الأنساق ، لابد من إعادة تركيب المفهوم السياسي من خلال ربطه بالقاعدة الاجتماعية وليس الاكتفاء بإنزاله من علِ لإصحاح المعادلة ليكون أساس المشروعية هي السلطة القاعدية السياسية للمؤسسة المدنية المحلية : سواء كانت حزباً أو تنظيماً أو مؤسسة نفعية عامه ، بل انه ينبغي التعامل مع هذه الكيانات بحسبانها تملك حقاً مشروعاً في الوجود والنماء الحر وفي الامتلاك (المستقل) لمشاريعها الثقافية والسياسية في وجه الاستعلاء السلطاني الذي لا يري فيها إلا مشاريع للهندسة (الوراثية) الأمنية ولتجريب تقنيات المناورة وهوامش المزايدة فيما يعرف بديمقراطية الحصص (الزائفة) والخطوط (الايدولوجية)الحمراء والامتيازات (المحفوظة) . وإتساقاً مع هذه القرأة فإن الأزمة الدستورية التى تهدد هذه الأنساق ليست في الانقلاب الشكلاني علي منطوقاته وأحكامه الإجرائية ، بل في غياب الثقافة المدنية في مجتمع تقليدي يعيش ظاهرة ما قبل الدولة التي تسودها علاقات البداوة والمشافهة من جهة، والي غياب التمييز الثقافي من جهة أخري بين مفهومي (الوطن ? الدولة ،السلطة ? النظام) الذي يتيح التفريق بين إستراتيجية (بقاء أو استمرارية) المشروع ، ومرحلية (فناء أو تداول) السلطة. أن التحديد السياسي والدستوري لهذين المجالين سيحافظ علي علاقة الوحدة داخل النسق السياسي للمشروع الوطني كله : بين مجال سيادي (تبايعي) محفوظ يستمد سلطته من الإجماع الشعبي المباشر بثوابته الإنسانية ومرجعيته الوطنية بعنصريها: الجغرافي (التراب الوطني) والاجتماعي (كل عناصر البناء الاجتماعي) تعبر عن تناقضه وضامنة لتوازنه وإستمراريته الوظيفية. وبين مجال سياسي (تعاقدي) متغير يخضع لسلطة قابلة للتعديل أو الإطاحة،تنزيلاً سياسياً، وكسباً واقعياً للمثالات الإنسانية والمرجعيات الوطنية مُعبراً عنها في شكل سياسيات تراعي خصوصيات محلية وعالمية وتخاطب قضايا معينة .
وعلي ذات المنوال فإن أزمة الديمقراطية التي تعيشها هذه الأنساق ليست في ترتيباتها النمطية والشكلية ولكن في غياب ثقافة الديمقراطية في مجتمع سلطوي مازال يعيش نمط الاستبداد العائلي والقبلي والطائفي والديني ، فالسؤال هو كيف الوصول ألي نمط ديمقراطي (وطني مستقل) يعين علي أصالة ممارسة التعبد السياسي ،غير مرتبط بوهم مركزية ثقافية أوربيه (عبر وطنية مفروضة) ... فالمعايير الثقافية المتوخاة للعملية الديمقراطية هي في مقدار مايتيحه نظامها من هيكل مؤسسي ومفاهيمي لممارسة الكسب التاريخي لمجتمع ما وتمثله لقيم تاليات ينبغى لأنساق المجتمع المدني والصحافة والرأي العام أن تأخذ مؤشراتها من معاني : تكون ممارسة الحرية فى هذه الأنساق وخارجها مغزى أصولي توحيدي ، وليست حاصلاً لتجميع حسابي (ميكانيكي) للاغلبيات فهي ليست مجرد معطي إحصائي مادي بل هي قيمة ثقافية وأخلاقية وسلوك إنساني . ويكون التداول الاجتماعي والسياسي داخل هذه الأنساق وخارجها ، محققاً لمقتضي الاستخلاف الإلهي والعمران الإنساني: للسلطة السياسية فهي ليست عصبية وراثية أو طائفية دينية أو جهوية ، وللثروة المادية فهي ليست دولة بين الأغنياء ، وللثروة المعرفية فهي ليست احتكاراً كهنوتياً. وتكون إمكانة المحاسبة والمراقبة المستمرة للسلطات داخل أنساقها وفي محيطها الخارجي (السياسي) حتي لا تنحرف بالفتنة عن الأهداف الأصولية الكلية بمرجعياتها الثقافية الإنسانية ، فهي محاسبة تقوم بترتيبات مادية وأخلاقية معنوية بذات القدر. استبعاد العناصر الايدولوجية والنفسية التي تطبع الممارسة الديمقراطية وتؤثر علي قناعات المخاطبين بالعملية الديمقراطية : استخداماً غير مشروع لسلطة المال بتضخيمه النوازع الذاتية المنفعيه (المصلحة ألعامه ماهي الا مجوع المصالح الاقتصادية المتنفذة) ثم استخداماً غير مشروع لسلطة الأعلام بتضخيمه النوازع النفسية الغرائزية وإعلاء شهوات الانتصار والهزيمة لتضحي العملية الديمقراطية: إعادة الإنتاج المعرفي المشوه لحقائق المجتمع بتقدمتها في صورة سيناريوية مغايرة تماماً . وتكون المناداة والعمل فيها بمبادئ حقوق الإنسان (أغلبية وأقلية) داخل أنساقها الهيكلية والبرامجية وفى بئتها الوطنية ، ليست فهماً انتقائياً يتحدد داخل حظيرةً حضارية دون سواها بل حقوقاً طبيعية (بالفطرة الامحدودة) تحافظ علي الكليات الإنسانية التي ولد عليها الناس أحراراً ، وحقوقاً نسبية منتزعة في إطار اجتماعي وتاريخي (بالجهد المحدود) أمانة أخلاقية إنسانية علي البشرية وشهادة علي الناس والتاريخ.
* كاتب صحفي وباحث في مجال دراسات السلام و التنمية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.