كان مشروع التمويل الأصغر من بنات أفكار الحكومة لمكافحة الفقر والبطالة والمساهمة في تخفيف الضائقة المعيشية التي يعاني منها غالبية الشعب السوداني والتمويل في الأصل من أعمال البنوك الثابتة التي تمنحها لمن تريد من عملائها وفق شروط محددة واتفاق مكتوب يراعي حجم المبلغ الممنوح والفوائد المترتبة عليه والاقصاد والضمانات، ولما كان غالبية الناس في السودان لا يملكون من الضمانات ما يمكنهم من الحصول على البنوك فقد اقتصرت عملية التمويل طيلة العقدين الماضيين على فئة محددة من الناس أما تملكه من الضمانات العقارية وخلافه ما يدفع البنوك لتمنحك ما تريد أو تحظى من الصلات والعلاقات مع الدوائر النافذة ما يجبر البنوك على أن تمنحها كل ما تريد بلا ضمانات أو «وجع راس». لا ينكر واحداً أن توجه الدولة في توفير التمويل الأصغر لكل من يريد من الشعب أمراً إيجابياً ولكن تطبيق هذا التوجه لازال محفوفاً بالمتاعب والمصاعب فلا يملك أحداً أن ينكر ما عاناه الذين دخلوا في هذه التجربة وما يقوله الذين يرغبون في دخولها، فحكايات الباحثين عن التمويل بلا جدوى كثيرة والذين يجأرون بالشكوى من عنت الإجراءات أكثر من أؤلئك إذ لا يوجد صيغة تمويلية ملائمة في الظروف التي نعيشها ولا تتوافر فرص واعدة في ذات الوقت لنجاح مشاريع في ظل الكساد في الأسواق الذي يتحدث عنه المسوقون والتجار. أغلب الانتقادات التي توجه لمشروع التمويل الأصغر تنحصر في ضيق الفرص المتاحة لاستثمار ذي عوائد مضمونة وقلة وضآلة المبلغ الممنوح من البنوك بخاصة وأن ارتفاع أسعار الدولار وتدني العملة المحلية أدى الى مزيد من تآكله. وهذا علاوة على طبيعة العلاقة بين الناس والبنوك، فرغم أن مثل هذه المشاريع تتطلب نوعاً من الشراكة بين البنك والممول فإن هاجس الملاحقات القانونية والفشل في سداد القرض يظل يطارد الطرفين، فكثير من المستهدفين بحق وحقيقة من هذا التوجه من قبل الدولة يخشون خوض التجربة، ويقولون أنه لا ضمان لنجاح مشروع تجاري بمنطق السوق فلماذا يتكبدون المتاعب ويخاطرون بمواجهة سيف القانون خاصة وأن البنوك لا تترك جنيهاً واحداً لأحد من هذه الفئة. والجدير بالإشارة أن هنالك الكثير من الأسر في القطاعات المنتجة الزراعية والرعوية تبحث عن من يأخذ بيدها ويقودها لأن تطور من أساليبها وأدواتها الإنتاجية والتسويقية منذ عقود، ولا تجد اهتماما، ومن باب أولى أن يتجه بعض هذا المال الموفر للتمويل الأصغر الى هؤلاء لأنهم الأكثر حاجة اليه والأقدر على استثماره بالشكل المطلوب.