الدكتورة شيرين أبوالنجا أكاديمية وكاتبة وناقدة مصرية لها سهم وافر في الحقل الثقافي داخل بلدها وخارجه. من أشهر مؤلفاتها (عاطفة الاختلاف) و(الوطن في فكر الكاتبة العربية). زارت السودان للمرة الأولى هذا العام ضمن فعاليات جائزة الطيب صالح للإبداع الكتابي في دورتها الثانية. شاركت بورقة تحت عنوان (باب للقمع.. باب للمستقبل). التقتها «الأحداث» على هامش الفعاليات الثقافية الخاصة بالجائزة، وكان هذا ما عبَّرت عنه.. - في ورقتك المقدمة بفعاليات جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي تحدثتِ عن القمع في الرواية العربية من فترة زمنية قريبة، واستعنتِ ب»الكواكبي»، وهنالك تاريخ للقمع أبعد من «الكرنك»، لماذا بدأتِ ب»الكرنك»؟ هنالك أمران يمكنني قولهما، أولاً أنا لا أستطيع القول إن رواية القمع تكلمت عن (تاريخ)، وبالتالي لا أستطيع أن أقول متى بدأنا من رواية كذا.... لم يكن هذا مغزى الورقة، أي أن الورقة لا تتبَّع تاريخ رواية القمع. لذلك فإن سؤال متى بدأت رواية القمع لا ينطبق على الورقة. الأمر الثاني وهو ليس متعلقاً بالأمر الأول، وهو لماذا كلما جئنا لنتحدث عن شيء ما لابد أن نبدأ من التاريخ؟ لماذا نحاول أن نعمل لأي شيء شرعية من القديم؟ الأدب متجدد دائماً، وهنا تكمن الفكرة. - ألم يساهم الأدب في الثورة؟ الآداب والفنون تصنع تراكماً يشكل بداخلك ضميراً ثورياً بامتياز. وقد قلت في ورقتي أن هذا التراكم يشكل فارقاً ثورياً بامتياز. -أشرتِ في ورقتك ل(فؤاد حداد) صاحب رواية (المترجم الخائن)؟ فؤاد حداد هائل. والأمر الذي أثار إعجابي أكثر في (خطوط النار) هو أن موهبته جعلته يكتب عن شيء حادث داخل العراق، و(خطوط النار) يعني العراق. ولو عدنا ل(المترجم الخائن) فهو يتحدث عن الاحتلال الأمريكي والفتاة التي تم اغتصابها، وموقع المترجم في الوسط وهو يترجم لها، ويحاول الأمريكي أن يقنع الفتاة، وهو حوار بين ثلاثة عقول (ثلاث ثقافات)، وفي النهاية يُتقل المترجم. - هل هنالك مقارنة بين الصوت العالي للرواية في سوريا والصوت المنخفض للرواية بمصر؟ عندما تكون لديه تصورات للانفجار الثوري الذي حدث في الشارع هذه واحدة. أما الثانية فإن الكتابة تستدعي أن تكتب عن هذا الحدث الضخم الذي وقع. مثلاً الحرب الأهلية اللبنانية تُكتب عنها روايات إلى يومنا هذا، ويستعدونها ويقدمون فيها الجديد. وكمصرية يجب أن أقول الجملة الشهيرة التي نقولها وهي (إن الثورة لازالت مستمرة). - أريد أن أرجع لفترة قبل هذه التي تحدثي عنها، مثلاً في البوكر دخل محمد المنسي قنديل ب»الشاطئ الغربي»؟ هنالك روايات عديدة تصدر في مصر، والبوكر ليست معياراً، لا البوكر ولا أية جائزة أخرى يمكن أن أستخدمها كمعيار لقياس حجم الإبداع في مصر. وإذا استخدمها الجوائز – مثلاً – فإن عدد الأعمال التي قدمت لجائزة الطيب صالح لهذه الدورة كثيرة. وفي مصر وسط العدد الهائلة للمنشور ستجد (10) مواهب. لذلك فإن المواهب الحقيقية في العالم العربي نكتشفها بالصدفة. - أدهشتيني باكتشافك لحمور زيادة؟ أنا أتابع الكتب التي تصدر من دور نشر معينة، وأعرف أن دار «ميريت» تنشر للشباب. وبدأت أبحث... ووجدت أن هذا الشخص لديه مدونة، فكتبت عنه وأنا لا أعرفه. وبعد ذلك حادثني، ثم تقابلنا. - ما رأيك في الرواية السودانية على وجه العموم؟ يجب أن يكون لديكم توزيع... ونفس الأمر قلته لأحد الزملاء من تونس، قلت له أنتم تحصلون على المطبوعات التي تصدر من مصر، قال لي نعم.. قلت له إننا لا نحصل على المطبوعات الصادرة من تونس. ذات الأمر هو ما يعاني منه السودان.. أنا لا أعرف ما الذي يصدر من مطبوعات في السودان، أعتمد فقط على الأصدقاء.. فالأصدقاء هم الذين يجلبون لي مطبوعات على ذوقهم.. يجب أن يكون هنالك توزيعاً ولقاءات مكررة، شبيهة بهذا اللقاء.. ومعارض الكتاب تابعة للمؤسسة الرسمية.. مثلاً إذا تحدثنا عن معرض الكتاب في مصر، فإن ما يبعثه السودان يبعثه على نحو رسمي.. وأنا لا أريد أن أرى من خلال عين الدولة.. أريد أن أرى السودان الحقيقي على الأرض.. فعندما جئت إلى السودان، كنت في غاية السعادة لأنني اجتمعت بلجنة القصة وتعرفت على الأدباء السودانيين من قرب.. هذه كلها علاقات تكشف لك الصورة بالتدريج... وهذا هو الفرق بين أن تبحث عن كتب وتشتريها، وبين أن تنتظر الأديب ليخرج روايته ويدور بها (زي الغلبان).. ليوزع النسخ على الذين يعتقد أنهم سيكتبون عنها. - هل أنتِ متفائلة بالمشهد الروائي بعد الثورة؟ لست متفائلة ولست متشائمة.. ولكن كل ما يصدر الآن يجب أن نضعه تحت عين التفاؤل.. والسؤال المعتاد الذي لم تسأله (أنت) هو: ما رأيك في أدب الثورة؟ أدب الثورة لم يحن أوانه بعد، وما يصدر من أشياء بين الحين والآخر، بعض الأشياء الجميلة، فأحمد صبري أبوالفتوح، كتب «أجندة سيد الأهل»، وكان من الذكاء بحيث أنه كتبها عن الثورة المضادة.. كيف تتشكل الثورة المضادة؟.. وهناك مجموعة قصصية لشاب اسمه هيثم الورداني، ممتاز، اسمها «حلم اليقظة». - بالمناسبة من يرأس أخبار الأدب بعد ذهاب عزت القمحاوي؟ عبلة الرويني... زوجة أمل دنقل رحمه الله. - في زمان مضى كانت هنالك ملاحق «ملفات» ثقافية.. واليوم صارت هنالك صحيفة «أخبار الأدب».. ماذا تقولين؟ هنالك بعض الصحف، نجدها تشتمل على صفحة ثقافية واحدة. أما فيما يخص الصحف المصرية، فإن الثقافة لم تعد مكوناً أساسيا في الصحيفة، وأصبح هنالك تفضيل للسياسي المباشر على الثقافي، على الرغم من أن الثقافي هو السياسي، ولكن السياسي مباشر. وأعتقد أن هذا له علاقة بوطأة الأحداث. وأحياناً إذا جاء إعلان لناشر الصحيفة، فسيضحي بالصفحة الثقافية وهي أول شيء يمكن أن يتم التضحية به. وفي نفس الوقت أصبحت الملاحق والصفحات الثقافية في العالم العربي تعتمد على فكرة العلاقات، والجملة التي قالها الطيب صالح (أحسن النقد ما كُتب عن محبة)، تستخدم الآن من منطلق مغاير تماما.. هذه مجاملات.. فوضى وصلت إلى حد أن كل جريدة تكتب في صفحة «أعلى المبيعات هذا الأسبوع»! والذي حل محل الصفحات الثقافية في الوقت الراهن هي فكرة الندوات وحفلات التوقيع. فكل كتاب يصدر تُجرى له حفلة توقيع.. تذهب إلى حفلة التوقيع، فتكتشف أنها ندوة وليست حفلاً للتوقيع فحسب! ولكن لا أستطيع أن أنكر أن في القاهرة كثيراً من المساحات البديلة التي تقام فيها الندوات الأدبية، وخارج القاهرة تقل المسألة لكنها موجودة. أما الصحف العربية، فملاحقها الثقافية أقوى، لأنهم يضعون في بالهم كيف يصنعون ملحقاً ثقافيا. لذلك فالملاحق في الصحف العربية أفضل حالاً، لأنهم واعون بأنهم يحررون ملحقاً ثقافياً لصحيفة يقرأه العالم العربي، فتجد العديد من المثقفين يحفظون تواريخ نشر تلك الملاحق، بأن ملحق الصحيفة الفلانية يوم كذا وكذا... لذلك فإن الصحافة الثقافية في الصحف اللبنانية جيدة جداً، وتساهم في تشكيل رأي ثقافي المجتمع اللبناني، فهم يقرأون ماذا كتبت «الحياة»، و»السفير»... يقرأون ويناقشون... أما نحن فلا نعلم شيئاً عن الصحافة الثقافية السودان وتونس. فالملاحق الثقافية تلقي بالضوء على الكثير من الأشياء. - رواية القمع بها جانب اجتماعي ونفسي، أرى أنكِ لم تتطرقي له في ورقتك؟ في ورقتي فقرة تتحدث عن أن شكل القمع ليس بالضرورة أن يكون القمع السياسي المباشر، ولكن هو قمع خارج من أرضية اجتماعية. وأخذت من ذلك أمثلة كالرواية النسائية من ناحية ورواية القرية. وفي هذا السياق ضربت مثالاً بحمور زيادة، لكن لوطأة ما يحدث في العالم العربي، فإننا نركز اهتمامنا على رواية القمع السياسي.