في موسم «قَلت» الشيوعية وتقييمها الجاري بعد وفاة زعيمها نقد أنشر كلمة من أرشيف الباب لعام 2012 عن شاغل وبصمة جيل كان نقد بعضه أو انقص منه قليلا. ذهبت إلى الأستاذ هاشم السعيد، النقابي الشيوعي، في نحو عام 2007 لأعرف عنه تاريخ الحركة النقابية واليسارية. وما استمتعت إليه حتى تأكد لي من جديد زعمي أن جيل هاشم اليساري هو الذي «اخترع» الشعب الذي كان قبله شيعاً وطوائف... وأحزاباً. فالجيل كان زبدة المدينة الاستعمارية الجديدة التي نضجت خلال أربعة عقود منذ 1898 ليس فوق نار الوطنية فحسب بل والنهضة الوطنية من موقع المستضعفين. اقرأ لكامل محجوب «تلك الأيام، أو كتاب علي محمد بشير عن الحركة النقابية أو ذكريات مصطفى السيد، وستقف على الزخم العمالي الاجتماعي الجديد الذي كان يشق مجراه للوطن. ولذا استغرب لمن يقول كيف بالشيوعيين يقيمون حزباً شيوعياً على «بروليتاريا» غائبة. ولم أجد من يسأل بالمقابل كيف للخريجين يقيمون حركة تنازع لقيادة البلد وهم فئة متناهية الصغر. كلما قلبت صفحات حياة قادة العمال والشيوعيين عجبت لحصيلتهم الثقافية وذوقهم العصامي. كان ميلاد هاشم في البركل، وقرأ في كتاب مروي، ولم يواصل في الوسطى. فأخذه خاله إلى بورتسودان وعمل فيها براداً بالسكة حديد، وكانت بورتسودان في خفض من الثقافة، عاش في بيت خاله خليفة خلفاء الميرغني واستغرقته أجواء ليالي مولدهم التي كان حامل رتينتها. ثم صار يغشى الجامع لدروس الفقه من الشناقيط الذين يلبثون بالمدينة حتى يغادرونها للحج. وكان يخشع لصوت الشيخ محمد ساتي إمام جامع بورتسودان الجميل الجهير بالقرآن. وكان العالم محمد الشنقيطيي يقول إن ساتي قرأ القرآن كما أُنزل. وكتب هاشم فيه قصيدة. ثم انفتح على القراءة في الشعر وغيره. ونشأت حلقة أدبية في نادي المستخدمين ضمته ومحمد بشير عتيق (من ورشة السكة حديد)، وكان يغشاها الهادي العمرابي. وراسل هاشم «صوت السودان»، ثم انضم لمؤتمر الخريجين في 1938 وزكاه أمين التوم لتفوق معرفته حتى على الخريجين من الوسطى فما فوق الذين اقتصرت عضوية المؤتمر عليهم، وصار سكرتيراً لدعاية فرعية المؤتمر ببورتسودان. ولم يقبل بشعار الاتحاديين عن الوحدة مع مصر تحت التاج المصري، فانسحب من المؤتمر. فجاء القاضي محمد صالح الشنقيطي وسأله أن ينتقل إلى حزب الأمة. فأجابه بأنه ليس بأنصاري. فقال له الشنقيطي أنا ذاتي ما أنصاري. وانضم هاشم بعد الاستيضاح وراسل جريدتي الحزب: الأمة والنيل. وكان وثيق الصلة بحامد حمداي الذي تعلق بالشيوعية خلال دراسته في مصر. وأمده بكتب قرأها فأعجبته وجاء بها بعد نقله لعطبرة باختياره. وظل على ولائه لحزب الأمة. ولكن هذا الولاء بدأ في التصدع. فمن جهة وجد هاشم نفسه مٌستوعباً في جبهات الشيوعيين مثل الجبهة المتحدة لتحرير السودان بفضل العلاقة الوثيقة مع قاسم أمين. فيبدو أن الرجل سحره منذ موكب 1947 لانتزاع الاعتراف بهيئة شؤون العمال. وكانا قل أن يفترقا حتى وصفهما إبراهيم المحلاوي ب»العشرة» لطول قاسم الفارع المعروف وقصر هاشم وأمتلائه. ومن جهة لم يعجب هاشم ارتباط حزب الأمة بالإنجليز ودخولهم الجمعية التشريعية وقولهم المشهور إنهم لن يتخلوا عن الإنجليز. وأخرج في عطبرة كتب حمداي، وفيها «الاقتصاد محرك التاريخ» وغيرها. وراح يطلع عليها زملاء ميزه وهم محمد عثمان جمعة والجزولي سعيد. وكان قد عرف جمعة في بورتسودان والجزولي في عطبرة. وكان الجزولي يصحبه إلى دار حزب الأمة. وأصبح الميز عبارة عن حلقة لقراءة الماركسية. وإلى الغد إن شاء الله