أُفتتح بالمركز الثقافي الفرنسي يوم الأربعاء الماضي معرض «تحدي الرؤية» للفنانة التشكيلية منى قاسم. تنوع المعرض بين التلوين والنحت وأعمال الطباعة، إلا أن جميع اللوحات والمنحوتات المعروضة البالغة عددها 37 عملاً، اتسمت بكثافة الألوان، والتجريب. ومنى قاسم تشكيلية درست التصميم الداخلي والديكور في دولة الميجر، وأقامت العديد من المعارض الفردية والجماعية بعد عودتها إلى السودان، كان أولها معرض فردي في العام 2005م بالنادي العالمي، ثم معرض جماعي في ذات العام بالنادي الدبوماسي نُظِّم من أجل دعم إنسان دارفور. ثم معارض فردية في الأردن وليبيا والميجر. بالاضافة إلى مشاركتها في عدد من الورش التقت بها (تخوم) للوقوف على تجربة معرضها الحالي والذي يستمر حتى نهاية الشهر الجاري، إضافة إلى تجربتها ورؤاها حول الفنون التشكيلية، وكيف تراها تسير في السودان. * احكي لنا عن معرضك الحالي، وماهي الرسائل التي تودين قولها من خلاله؟ أعتقد أن اسم المعرض يُعبر عن ما أرده؛ أعني التلوين بطريقة غير مألوفة على خامات مختلفة ومتنوعة مثل الحديد والخشب والجبص. أحاول أن أجد نفسي من خلال هذه الأعمال، كما إنني أحاول أن أخططُ لنفسي أسلوباً أتميز به عن الآخرين، والابتعاد عن التقليد الذي درجت عليه العادة في المعارض التشكيلية، نجاح الفنان يحكيه تفرد أعماله، وقدرته على عكس هويته الخاصة. حرصت على أن تنوع أعمال المعرض، يحتوي على سبع منحوتات، وستة أعمال طباعة «مولوبرين»، بالإضافة إلى سبع وثلاثين لوحة. أعمل من خلالها على دمج عراقة الماضي بالحداثة، كما إنني أُجرب نفسي على طريقة جديدة لا تشبه معارضي السابقة، وقد نجت في هذه التجربة بدرجة كبيرة. * ألا تعتقدين أن الخشب طغى على بقية الخامات المستخدمة في المعرض؟ أُفضِّل دائماً أن أعتمد على الخامات الطبيعية، لا أحبذ الخامات المُصنعة، أشعر بأنها تُفسد العمل الفني بإبعاده عن الطبيعة، طغى الخشب لأنه الأعرق في تاريخ الاستخدام البشري، يعتقد البعض أن الحداثة أبعدت الخامات الطبيعة عن الأعمال الفينة، لكنني أرى أن الاستفادة من هذه الخامات لا تنقص العمل من كونه مرتبطاً بالحداثة. * لماذا اتجهت إلى النحت والتلوين بعد أن درستي الديكور والتصميم الداخلي؟ على الرغم من تخصصي في الديكور والتصميم الداخلي، إلا أن علاقتي لم تنقطع بالرسم منذ أن كنت طفلة. وبعد تخرجي التحقت بكلية الفنون، لكن ظروفي منعتني من إكمالها، فتوجهت إلى الرسم الحر. إن صناعة الفنون غير مشروطة بدارستها داخل القاعات الأكاديمية، إذا كان الدارس تنقصه الموهبة فإن أعماله بكل تأكيد ستفتقد إلى الروح المطلوبة في العمل الفني. أعتقد أن التصميم الداخلي والديكور ليس ببعيد عن الفنون التشكيلية، في الحالة الأولى أتعامل مع الألوان والقطع وتوزيعها على مساحات واسعة، وهذا ما ينطبق أيضاً على اللوحة، مع مراعاة حجمها ومساحتها. لذلك لا أشعر بفرق كبير بين العمل التشكيلي والتصميم والديكور، يسيران جنباً إلى جنب وكلاهما يُعبران عني بطرق مختلفة * هل تعتقدين أن دراستك للديكور أثرت في اختيارك لدرجات الألوان التي تستخدمينها؟ لا أعتقد ذلك، لقد تأثرت بهويتي؛ تنقلت كثيراً بين البلدان والمدن الأفريقية، بهرتني الألوان الطبيعية للشارع الأفريقي وتناغمها، وبسببها تنامت خبرتي البصرية. كما أنني زرت متاحف وغالريهات فنانين أفارقة كُثر، لم أتأثر بعمل فنان بعينه، لكنني تعلقت بالفن الأفريقي لفترة من الزمن، وأخذت منه ألوانه الحادة، وتكنيكاته في العمل الفني، إلا أنه ومع مرور الوقت قلَّ هذا التأثير مقابل رغبتي في صناعة أعمال أُعبر فيها عن ذاتي. * كيف تنظرين إلى مشهد الحقل التشكيلي في السودان؟ كغيرها في دول العالم الثالث، تُعاني الحركة التشكيلية في السودان من التهميش والفقر المدقع، ليس من أولويات الدولة الاهتمام بالفنون، بل على العكس تماماً هي في آخر أجندتها، هذا إذا لم تكن مُضمنة أصلاً. قلة من الفنانين التشكيليين لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة يستأثرون برعاية من الدولة، ويحدثون زخماً إعلامياً لمعارضهم ومشاركتهم لدرجة تشعرك أن الحركة التشكيلية في السودان بخير؛ في حين يأكل الآخرون الصبر. علمت أن هذه الوضعية مستمرة منذ استقلال السودان، وأنها ليست وليدة اليوم، كيف يتسنى للفنان التفرغ الكامل لعمله وهو مشغول بتأمين حياته اليومية. إذا لم تنظر الدولة للفنون بعين الإعتبار، فإنها حتماً ستخسر قطاعاً مُهمّاً في بناء وتوعية الشعوب. كل الفنانيين السودانيين المعروفين على المستوى العالمي، اهتم بهم الآخرون وأتاحوا لهم فرصة أن تنتشر أعمالهم وتُعرف، وبدل أن نُظهرهم نحن للعالم، صرنا نجمع أخبارهم من الخارج. لذلك أعتقد أن الفنان السوادني تنقصه الرعاية والاهتمام من الدولة أكثر من أي شيء آخر، وذلك ما لن يتحقق بالسهولة؛ في ظل تغيرات تجتاح كل أركان المجتمع السوداني. * إلى ماذا تُعزين نُدرة النساء في الحقل التشكيلي السوداني؟ نُدرة النساء ليست مقتصرة على الحقل التشكيلي فقط؛ هي مشكلة تشترك فيها كل الحقول الأُخرى تقريباً. فمهما قال السودانيون بتمدن وتطور مجتمعهم؛ إلا أن قيوداً كثيرة مرئية وغير مرئية لايزال يتحكم ويفرضها على المرأة؛ لذلك فإن حركتها محدودة للغاية، ودائماً ما تُقصى من أجل مصلحة المُجتمع الذكوري. هذه المشكلة مرتبطة في الأساس بضحالة الأٌفق والثقافة العامة عن الأدوار التي يُمكن أن تلعبها المرأة في حركة المجتمع ونماءه. لكن بكل تأكيد هي قادرة على تغيير هذه الوضعية عبر الفنون، متى ما تأتت لها رؤية قوية متمردة، وتوفرت لديها العزيمة المطلوبة في مواجهة هذا التحدي. * ماهي طبيعة علاقتك بالمتلقي؟ قبل كل شيء، أنا أرسم من أجل مُتعتي الشخصية، أنغمس في ذاتي، ولا أهتم كثيراً بمن سيرى اللوحة، سواء كان ناقداً أو متلقياً. لفترة طويلة كُنت منغلقة على نفسي، لا أعرض أعمالي على أحد، إلا أنني لاحظت أن تكديس الأعمال تحرمني من التطور، وتحد من خيالي وقدراتي، الأعمال التشكيلية إذا تكدست تصير مثل المياه الراكدة لا فائدة من تخزينها، لذلك اتجهت إلى عرض أعمالي وبيعها ومفارقتها من أجل مصلحتي الذاتية أيضاً. * ظهرت في السودان مدارس تشكيلية عدة، ما هو رأيك في تلك المدارس؟ انتهى عصر المدارس التشكيلية، وما عادت تصلح لهذا الزمن. أنا لا ولن أنتمي لأي مدرسة تُعبر عن اتجاه فكري أو ثقافي مُحدد، الفنون أرحب من أن تُحصر في مدارس مُعينة تتميز بالإنغلاق. لكن في ذات الوقت يجب على التشكيل مناقشة قضايا مجتمعه ومعالجتها، وهو بكل تأكيد قادر على ذلك، إذ أنه لغته نافذة ويُمكنها تقريب وجهات النظر بين الثقافات المختلفة، دون حاجتها لمترجم مثله مثل الموسيقى وبقية الفنون، زائداً على ذلك فإن الفنون لم تسبغها الصبغة السيئة التي انصبت على السياسي، هي أقرب إلى طبيعة النفس البشرية. كما أن انفتاح العالم على بعضه، وسهولة وسرعة تبادل المعلومات والخبرات بين أفراده، فتحت آفاقاً جديدة لحلحلة المشاكل العالمية باعتبارها تخص جميع البشر، وليس أفراداً أو منطقة بعينها، كما كان في السابق. أنا أنتمي لكل مكان وكل زمان.