بدأ الصباح هذا اليوم (مشتعلا) من أطرافه... أوقد أحد الرجال المتمثلين بأبطال الفيلم الأجنبي (سيجارته) من فوهة مسدسه... وآخر كان لا يحتاج لهذه الخطوة (البطولية)... فقد أوقد سيجارته من (درجة الحرارة). يبدو أن اليوم في السودان يبدأ من منتصفه.. يبدأ من (منتصف النهار).. وكذا يكون الشهر يكمل (ثلاثينيته) بعد الخمسين يوما. صفوف البنزين في هذا اليوم... زادت من المخاوف... هل عدنا إلى زمن (دجاجي يلقط الحب ويجري وهو فرحان)؟. فتحت التلفزيون اتسعت مخاوفي أكتر.. (الأناشيد) أعادتنا إلى (البزة العسكرية). في المساء طرق الباب... حسبت الطارق (الحركة الشعبية).. وجدته (سيد اللبن) بابتسامته التي لا تكتمل إلا أول الشهر. (2) رسميّا أعلنت الحكومة دخول قوات الحركة الشعبية لمدينة هجليج.. لتصبح (هجليج) أقرب للاستراحة.. يدخلونها ويخرجون منها متى ما شاءوا. ثم أعلنوا عودة (هجليج) إلى حضن الوطن بإحساس (طفلة وسط اللمة منسية). قبل هذا السقوط كان البرلمان السوداني يناقش حفل (شيرين عبدالوهاب) في استاد الخرطوم. البرلمان السودانى المعني بالقضايا الجوهرية والمفصلية.. يناقش حفل شيرين عبدالوهاب في استاد الخرطوم. تركوا زيادة المحروقات التي كلما ضاقت عليهم لجأوا إلى (المحروقات) لتعوضهم عن الفروقات والشروخات التي تحدث في الميزانية العامة. نحن نملك وزير مالية تتمثل كل الحلول عنده في (زيادة المحروقات). تركوا الحروبات التي تشتعل في أطراف البلاد... وتحيط به إحاطة السوّار بالمعصم. تركوا هموم المواطن العادي... وذهبوا في رفاهية نقاشية يتحدثون عن حفل شيرين عبدالوهاب. ذلك ما كان في أخبار الأمس. (طالب عضو في البرلمان، بإصدار قرار يقضي بمنع دخول المطربة شيرين عبدالوهاب إلى السودان، وقال النائب دفع الله حسب الرسول الشيخ، وسط تكبيرات النواب أنه سيستجوب الوزير المسؤول لمعرفة سبب دعوة المطربة للغناء في الخرطوم). الوزير في السودان يمكن ألا يستجوب إذا سقطت طائرة... أو عمارة.. أو دخلت قوات متمردة مدينة سودانية واحتلتها. يمكن هنا ألا يستجوب. ويمكن أن يمر في البرلمان حدثٌ مثل الأحداث التي أدت إلى تأجيل افتتاح مصنع سكر النيل الأبيض.. مرور الكرام. قرابة ال (354) عضوا في البرلمان السوداني لم يطالب عضو واحد منهم باستدعاء وزير الصناعة... ولم يفتح الله بتكبيرة واحدة من أي عضو في كل قضايا الفساد التي تثيرها الصحف. لكن إذا حضرت شيرين عبدالوهاب... قامت ثورة البرلمان السوداني وضجت أطرافه بتكبير نوابه... وطالبوا باستجواب الوزير. والخبر يقول: (وشن حسب الرسول هجوما قاسيا على الفنانة المصرية التي من المقرر أن تحيي حفلا خيريا في استاد الخرطوم ليلة الجمعة، وطالب بإرجاعها من مطار الخرطوم). عزيزي النائب الهجوم القاسي لا يكون على (فنانة)... كان أجدى أن نرى هجومك القاسي هذا على قوات تحتل مدينة (هجليج)... كان أشرف أن ترجعوا تلك القوات من مداخل هجليج... بدلا أن تفعّلوا هذه (الفراسة) مع شيرين لترجع من مطار الخرطوم. نواب البرلمان لا يشنّون هجوما قاسيا إلا على (مطربة) لا حول لها ولا قوة. (3) أظن أن السودان يعاني من تآكل الأطراف... وتفكك المراكز. ثلث الوطن خرج بعد (الاستفتاء). وسقطت (حلايب) عن خريطة النشرة الجوية في قناة الجزيرة. وعندما أصبحت (هجليج) في منطقة طرفية.. أصبحت تخرج وتدخل مثل (أم العروس). حافظوا على (أطرافكم) حتى لو كان ذلك بقفل التلفون. (4) بدءا. كانت (الممنوعات) محدودة. كان فقط ممنوع التحدث مع السائق. ثم أصبح ممنوع التحدث مع السائق والكمساري. ثم أصبح ممنوع التحدث مع السائق والكمساري والركاب. هكذا تمضي الصحافة السودانية. ولا تعليق. غير أن (الجُبن) الذي تصنعه الصحافة السودانية أصبح أكثر (فسادا).