تناولت أغلب مساجد الخرطوم في خطبة الجمعة الماضية، الحديث عن احتلال الحركة الشعبية لمنطقة هجليج، وانصبّت خطب أئمتها في إدانة الحدث ولم يستثن الحدث حتى المعارضين للحكومة فالسيد الصادق المهدي زعيم الأنصار هو الآخر انضم لكتيبة الشجب والإدانة من خلال خطبة الجمعة بمسجد الإمام عبد الرحمن المهدي بودنوباوي.. وأصبحت القضية قضية رأي عام حتى في أوساط الدعاة والأئمة بمختلف اتجاهاتهم ومدارسهم الفكرية والمذهبية والفقهية... هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن وزيرة التوجيه بولاية الخرطوم مشاعر الدولب سارت في ذات الخط حينما اجتمعت بأئمة مساجد الخرطوم وقدمت لهم تنويراً فيما يتعلق بأحداث هجليج وجنوب كردفان، لكن الأمر المهم هو ما أعلن عنه وزير الإرشاد والأوقاف الدكتور خليل عبد الله بأن رئيس الجمهورية المشير عمر البشير سيلتقي قريبا بالدعاة والأئمة وقادة العمل الإسلامي لإطلاعهم على تطورات الأوضاع والدور الذي ينبغي أن يقوموا به ويلعبوه في ظل هذا الواقع سبق ذلك دعوة الأئمة لإعلان الجهاد والتعبئة العامة واستنفار المقاتلين استعداداً للذهاب لمناطق العمليات... حسناً.. هذه الخطوات تدعونا أن نطرح قضية المنابر والمساجد ودورها في الحياة العامة والعمل السياسي على وجه الخصوص. فمن الواضح أن أغلب مساجد الخرطوم حاليا تسير في اتجاه تقوية النظام ومناصرته ودعمه سواء في المسائل الداخلية أم مساندته معنويا في المحافل الخارجية عكس ما يجري في دول أخرى حيث تكون المنابر ضد الحكام والسلاطين. فمن مصر انطلقت الثورة الشعبية الشبابية من المساجد التي لعبت دوراً كبيراً لجهة حشد الشعب المصري تجاه قضيته التي انتهت بإزاحة الرئيس السابق محمد حسني مبارك عن مؤسسة الرئاسة. بينما انقسمت المساجد في اليمن بين مؤيد ومعارض للرئيس على عبد الله صالح ثم انحيازها بالكامل لصالح الثورة. أما في ليبيا فإن الرئيس المقتول معمر القذافي قد أحكم قبضته على المساجد ونأى برسالتها منذ وقت مبكر عن الخوض في السياسة والاكتفاء بدور الوعظ والإرشاد، وحتى هذا الدور انحصر داخل أسوار المساجد دون أن يجد له تأثيرا خارج بيوت الله تعالى... أما حالة السودان فإن المنابر عدا القليل منها يعمل باتساق مع حركة النظام الحاكم، في وقت تدعو فيه المعارضة بكافة أطيافها وألوانها السياسية لإسقاط النظام .. لكن السؤال هو : هل سيسقط النظام من غير أن تكون المساجد جزءاً من عملية التغيير أو على الأقل تبعاً لبرنامج الثورة الشعبية التي تدعو لها أحزاب المعارضة ؟!! هل ستكون المنابر ورغم تأثيرها خارج دائرة مساندة الثورة السودانية لو قدر لها أن تقوم؟ هذا سؤال يصعب الإجابة عليه الأن، لكن من الواضح أن الوضع في السودان لا يسير كما تشتهي سفن المعارضة لأن كثيراً من البواخر ستكون خالية من الركاب والمسافرين خاصة قادة الرأي العام ومن يشكلونه عبر خطب الجمعة أو من خلال المنابر بل على العكس تماماً فإن الأئمة اليوم يقفون ضد خط المعارضة، ومع النظام الحاكم. وحتى المنابر المعارضة هي اليوم متعاطفة مع أجهزة الحكم والسلطة خاصة في الأحداث الأخيرة المتعلقة بالهجوم على جنوب كردفان وهجليج، بل وبدا واضحا أن الأئمة ساندوا خط الإنقاذ عبر الخطب المنبرية بالدعوة للجهاد وإعلان التعبئة والاستنفار ودعوة المصلين للانخراط في معسكرات التدريب والانضمام للواء الردع ومناصرة قوات الدفاع الشعبي والقوات المسلحة والأجهزة النظامية الأخرى. وأعلن بعضهم استعداده للبس ( الكاكي ) دفاعاً عن أراضي التماس الحدودوية مع دولة الجنوب في اتجاه مغاير لأجندة وأهداف المعارضين مما يعني أن المساجد وبكثرتها هي أقرب للحكومة وليس لها أدنى علاقة بالمعارضة، بل والمنابر التي ينتظر أن تدعو لجمعة التغيير والإصلاح خارج السودان توضح صورة أخرى مفادها أن المساجد ضد تغيير النظام الحالي رغم ان بعض أئمتها قد لا يكون متفقا مع الانقاذ جملة وتفصيلا كمساجد هيئة شئون الأنصار أو هيئة الختمية للإرشاد والدعوة أو الإخوان المسلمين الذين كانوا جزءاً من الحكومة لكنهم خرجوا منها مؤخراً، أو جماعة أنصار السنة الذين (رجلهم الأولى مع الدولة والرجل الأخرى خارجها) .. لكن الموقف بهذا الشكل يطرح سؤالاً آخر هل تم تدجين المساجد وترويض أئمتها ليعملوا كدعاة دائمين لتوجه الحكومة، أم ان مواقفهم الاخيرة تنبع من قناعتهم بأهمية وضرورة الحفاظ على حدود الوطن وأمنه وسلامته؟!! الشيخ ياسر عثمان جادالله الأمين إمام وخطيب مسجد العيلفون يجيب على السؤال بقوله إنه شعور من الملتزمين بالتوجه الإسلامي الأصيل بأن هناك مخططا واضحا منذ (نيفاشا) للهيمنة على الشمال,لهذا تعاملنا مع الامر باعتباره مخططا يهوديا لإقامة دولة إسرائيل الكبرى بإضعاف السودان خاصة وان سلفاكيرفي خطاب الاحتفال بانفصال الجنوب خاطب أهل دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان في وجود الرئيس البشير قائلا بأننا لن ننساكم، وهذا من وجهة نظر جادالله يعني ان دولة الجنوب من أولى مهامها تنفيذ المخطط الاسرائيلي باحتلال هذه المناطق المذكورة وإثارة الحرب فيها حتى لا يستقر الشمال.. ربما.. ولا ينسى الشيخ ياسر عثمان جادالله في حديثه معي أن يورد هدفا آخر حينما يقول إن الامر مقصود منه خنق الشمال اقتصادياً لهذا أغلق الجنوب آبار البترول في الوحدة، ثم احتل الآن موقعا آخر للبترول، ثم ان الحرب نفسها تنشئ ظروف صرف عسكري باهظ الكلفة ينعكس على حياة المواطن اليومية وبإمكانه ان يفتح الباب أمام ثورة شعبية وربما كان إحساس الجميع بأن الثورة الشعبية القادمة ليست إلا ثورة مسلحة مدعومة من هذه القوى الخارجية .. ويختتم جاد الله إفادته بأنهم كدعاة وأئمة مساجد استنفروا مسئوليتهم التاريخية في هذا الامر وخاطبوا الرئيس البشير بأن التعبئة لا تعني التعبئة العسكرية وإخراج المظاهرات فقط، إنما تعني العودة الى تطبيق شرع الله وضرب الفساد بقوة وبالتالي إصلاح نظام الحكم لأن أي ثورة شعبية قادمة قد تؤدي بالبلاد الى انفلات مثلما حدث في الصومال.. *عموماً.. كون الرئيس البشير شخصياً يعمل على الالتقاء بأئمة المساجد فهذا يعني أن الدولة تقدر أهمية ودور المساجد والدعاة ومدى تأثيرهم في الحياة العامة لدرجة جاهزيتهم لفتح باب التبرعات في (الجوامع) ثم استعدادهم للذهاب لمناطق العمليات والدخول حتى صندوق القتال لمواجهة المعتدين ورد هجمات دولة الجنوب على حدود السودان الشمالي..