أُغنِيَاتْ مِن حَطَبْ ثمة قاعدة سودانية أصيلة سائدة بيننا، هي تخريب نجاحتنا بأيدينا.. انظر الى النظام الديمقراطي الذي تشتعل لأجله ميادين العالم العربي الآن. زرع أبطال استقلالنا شتلته الأولى هنا في الخرطوم منتصف خمسينات القرن الماضي فقمنا باقتلاعها من جذورها.. ثم أجِل النظر يا صاح تجد في كل بقعة من الوطن آثار قاعدتنا الأثيرة هذي مشروع الجزيرة.. السكة حديد.. الخدمة المدنية.. جامعة الخرطوم. انظر للوطن نفسه.. بلاد المليون ميل مربع أين هي الآن..؟! قدمت لهذا لأشير لتجربة ناجحة وسط ركام الفشل الذي نعيشه. إذاعة أم درمان «أف. ام. مية». بانت لنا كزهرة يانعة نبتت وسط مياه آسنة.. تخلَّقت في رحم الإذاعة الأم. حيث أُوكل ل»أف؟ ام. مية» تقديم برنامج المنوعات والأغاني والثقافة، مستفيدة من مكتبة الإذاعة العتيقة لكي تتفرغ هنا أم درمان تماماً لبث الأكاذيب والتجهيل و.... الملل. لا يستطيع سوى جاحد أن ينكر على الإذاعة الفتية قدرتها على اصطياد الآذان عبر برنامج محكَّمة من معدين ومقدمين كان إبداعهم مدفوناً وسط ركام (هنا أم درمان). أضحت ال»أف. ام. مية» تنافس أقوى الإذاعات في حيازة الاهتمام من قبل المتلقي السوداني بتميزها في تقديم أغانٍ خالدة تهفو إليها قلوب نساء ورجال (الزمن الجميل). ولأنها أغاني صنعة محكمة شعراً ولحناً وأداء اصطادت حتى فتيان وفتيات (حسين الجسمي وفيفتي سنت) فأرخو آذانهم للاستماع إليها.. فالجميل جميل. برنامج (أغنيات من ذهب) الذي تبثه «اف. ام. مية» في التاسعة مساء كل يوم حاز على نسبة أكثر البرنامج الإذاعية إقبالاً في السودان لأسباب متعددة أهمها قدرة القائمين على إعداده وخبرتهم الناجزة في الاختيار الرصين الموفق. وهو نوع من البرنامج المعروفة عالمياً باختيار الأغاني التي تصل سقفاً من الكمال ونسبة عالية من طلب الجمهور.. في ال»بي بي سي» كان (توب تن) الأسبوعي. وإن اختلف برنامج (أغنيات من ذهب) كونه يعتمد كلياً على عطاء رواد الأغنية السودانية وعمالقتها وليس في ذلك بأس. ولأنه ليس كل الأغنيات من ذهب بطبيعة الحال فلن يلوم أحد معدي البرنامج لو أنهم عمدوا إلى عدم تقديم عدد كبير من الفنانين في هذا البرنامج. ووفقاً لهذا يُتوقع أن تظل المنافسة مقصورة على فناني الصف الأول وهو تصنيف معروف للجميع وعملت به الإذاعة في ماضيها الزاهر، بل عمل به هذا البرنامج نفسه في البداية وحاز به النجاح الباهر. سيجد الآخرون فرصتهم في برامج أخرى مثل (أغنيات منسية) و(ساعة مع العود) ومساحات الربط بين البرامج والبرامج الغنائية الأخرى. ولكننا موهوبون في التخريب كما ذكرت في البداية، فقد عمد مسؤولو البرنامج مؤخراً الى تحويله الى ساحة لتسويق أغانٍ لم ولن يتجاوب معها أحد.. مع كامل الاحترام ولكن بالله عليكم من هذا العبقري الذي يظن أن الناس سيهدرون وقتهم لسماع تلك الأغنيات الميتة لمجرد أنها تذاع في برنامج (أغنيات من ذهب)؟. قمة الغناء السوداني التي يقف على سدتها محمد وردي بلا منازع وحوله النجوم الزواهر من العمالقة.. قائمة ليست طويلة بالكاد وبشق الأنفس يُعدون على الأصابع.. ولكن منتوجهم من الأغاني يكفي البرنامج سنين ضوئية. وبالطبع يستحيل تزوير القائمة لأنها راسخة في آذان الناس.. وليس كل فنان قديم أو أغنية قديمة جديرة بالاستماع إلا لباحث يدرس ويدقق وليس مستمعاً يشعر ويتجاوب ويستمتع. نفضت يدي كمستمع ل»اف. ام. مية» عن البرنامج منذ فترة بعد أن لاحظت غياب بصمة الاختيار الحصيف الذي لا يُجامل.. ولسبب آخر فقد يئست من أن يطلق مقدمو البرامج وعلى رأسهم الأستاذ عمر محي الدين، أن يطلقوا سراح خريدة وردي (ملامة)... حبيب القلب يا أغلى الحبايب.. (حصلت على تسجيل لها مؤخراً بمجهودات خاصة). قبل يومين وبالصدفة عاودني الحنين لتلك الساعة الرائعة بين التاسعة والعاشرة فأدرت الموجة نحو الرقم (100) فوجدتهم يقدمون أغانٍ لفنان أظن أن اسمه (هجو).. وبالطبع لم يعدم متصل من ريفي الباجوري يهدي الأغنية للأهل... الخ.. ولو سأله المذيع عن اسم الأغنية لتلجلج ولو سألنا المذيع نفسه عن اسم فنان تلك الحلقة لتلعثم.. ولكن ليس ذنبه.. تلك قاعدة أزلية فينا تحويل الذهب بقدرة قادر إلى حطب...!! عزيزي طارق البحر... هل قرأت هذا؟!