رغم أن الشيخ الدكتور محمد عبد الكريم رئيس قسم الثقافة الاسلامية بجامعة الخرطوم وإمام وخطيب المجمع الاسلامي بالجريف غرب، نفى بشكل قاطع تورط شبابه ومناصريه في أحداث حرق الكنيسة الإنجيلية وابادة المنشآت الملحقة بها؛ بغرض تطهير المنطقة من مخاطر التبشير والتنصير وإزالة مواقع معابدهم، إلا أن أغلب الناشطين اتهموا الرجل بأنه وراء حرق واضرام النار في الكنسية الانجيلية الواقعة بالحارة الثانية بمنطقة الجريف غرب ، في إشارة لعدة سوابق، من بينها الصدام الدامي والعنيف الذي وقع بين شباب المجمع الإسلامي بالجريف، الذين هم بالضرورة تلاميذ الشيخ محمد عبد الكريم وبين شباب الحزب الشيوعي السوداني في حي الجريف غرب في أعقاب الاحتفال الذي أقيم بمناسبة افتتاح دار الحزب الشيوعي بذات المنطقة، وقيام شباب الحزب الشيوعي بتوزيع بيان صحفي؛ ليحدث اشتباك بين شباب (اليمين) و(اليسار) أعقبه اصدار الرابطة الشرعية بياناً كفرت فيه الحزب الشيوعي وقياداته. ودعت السلطات لحظر نشاطه وحله وحرمانه من النشاط السياسي.. والأهم من ذلك أن أنصار الرجل بمنطقة الجريف هددوا عقب انفصال الجنوب مباشرة بالهجوم على الكنيسة بعد أن طالبوا بإجلاء الجنوبيين.. *ربما لا.. وفي نهاية عقد التسعينيات وقع حادث قريب من ذلك وهو إقدام مجموعة من (طلبة) الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف _الذي كان يشغل وقتها ذات المنصب الذي يقف عليه اليوم الشيخ محمد عبد الكريم بجامعة الخرطوم _على الاعتداء على معرض الكتاب المقدس بالجامعة وحرقوا المعرض التابع لرابطة الطلاب الجنوبيين بكامل كتبه وملصقاته، ثم ضرب الطلاب المسيحيين ... ثم جاءت الحركة الشعبية بالشمال، فكان دعاة السلفية لها بالمرصاد، حيث أصدروا الفتاوى الشرعية بتكفيرها وتكفير من ينضم إليها من أبناء السودان، وركزوا كذلك على قطاع الشمال، وطالبوا بطرد كوادره للجنوب ومنعهم من ممارسة عملهم السياسي بالشمال بعد انفصال واستقلال الجنوب... والآن .. ها هي الحادثة الجديدة تقع هذه المرة بالجريف غرب وتحترق الكنسية التي تردد أن بعض شباب الحي هم من قاموا بذلك عقب انهاء القوات المسلحة لاحتلال هجليج بواسطة الجيش الشعبي التابع لدولة جنوب السودان... لكن كثيراً من الجهات المهتمة بالقضية أشارت بأصابع الاتهام للشيخ محمد عبد الكريم بوصفه ضالعاً ومشاركاً في الحادثة، وإن لم يكن بشكل مباشر، فمن وراء حجاب وخلف الكواليس!! *ربما لا.. لكن هيئة شئون الأنصار الواجهة الدينية لحزب الأمة القومي أصدرت بياناً يوم أمس هاجمت فيه التكفيريين والسلفيين، واستهجنت الهيئة حرق من أسمتهم (التكفيريين الجدد) لكنسية الجريف. وقالت إن التكفيريين عكروا صفو الدعوة المتجددة الجاذبة وأن سمومهم لحقت بالقاصي والداني من أهل القبلة والملل الأخرى. وأضاف البيان (إن هؤلاء كفروا أئمة المسلمين وحرقوا أضرحة الصالحين وامتدت ألسنتهم بالسب والشتائم إلى علماء المسلمين). ولفت البيان إلى خطورتهم على النسيج والتماسك الاجتماعي. وقال (هؤلاء سرطان ينبغي بتره من المجتمع والفعلة التي قاموا بها إذا لم يحتوها النظام بكل صرامة وقوة ستكون بداية شرارة لحرب دينية في البلاد)... وهنا يبرزالسؤال.. هل جاء بيان الانصار كرد على تكفير هؤلاء للسيد الصادق المهدي إمام الأنصار من قبل، ووجدت هيئة شئون الأنصار التي يقودها الشيخ عبد المحمود أبّو ضالتها وفرصتها في حرق الكنسية لترد الصاع صاعين ل(السلفيين) لهذا جاء بيانها حاميا وساخنا ملتهبا؟!!.. ربما.. فالصادق المهدي سبق وأن أعلن أنهم بصدد تكوين جبهة اسلامية عريضة تدين التكفيريين وتعمل على عزل المتطرفيين والغلاة والمتشددين وإقصائهم، وتبيين خطورتهم على البلاد والعباد بعد أن طالبت الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة بتكفير المهدي واستتابته ومحاكمته بعد إطلاق الأخير لعدة أفكار، مثل صلاة المرأة مع الرجال في صف واحد، وقوله إن النقاب عادة لا عبادة وأن الحجاب لم تأت به الشريعة وجواز حضور النساء مراسم عقد الزواج.. وتشييع الموتي.. و.. و.. هلمجرا.. الأمر الذي اعتبره دعاة الرابطة الشرعية _ويعد الشيخ محمد عبد الكريم أحد أبرز قياداتها_ وقتها كفرا يستوجب الاستتابة عبر المحكمة؛ الأمر الذي رفضه المهدي، وطالب الرابطة بالاعتذار أو أن يلجأ بدوره للمحكمة لرد الاعتبار... لكن.. هل وصل خطر السلفية لهذه الدرجة التي تصفها به هيئة شئون الأنصار بأنها سرطان يجب بتره من المجتمع وأن سمومها وصلت القاصي والداني من أهل القبلة والملل الأخرى.. أم أن السلفية نفسها (خشم بيوت) منها المعتدل والمتطرف.. فيها السابق بالخيرات والمقتصد؟!! وتبدو الأسئلة اعلاه منطقية وتحتاج لإجابة, خاصة اذا ما اخذنا فى الاعتبار أن بعض المؤرخين اعتبروا الإمام محمد أحمد المهدي نفسه داعية ورجلا سلفيا خلط بين ايجابيات الصوفية والوهابية، ورغم أن الإمام المهدي، وفي بدايات حياته كان منتميا للطريقة السمانية لكنه تحرر لاحقا من قيود الطائفية. وأصبح داعيا يصنف بأنه سلفي وحنبلي المذهب أحيانا وشافعيا أحيانا أخرى، وهو ذات المنهج الذي سار عليه الإمام عبد الرحمن المهدي الذي أطلق مقولته المشهورة ( لا شيع ولا طوائف ولا أحزاب .. ديننا الاسلام ووطننا السودان) وهو عين ما تدعو إليه السلفية اليوم التحرر من قيود الحزبية والطائفية لكن خصوم السلفية اعتبروا هذه الدعوة مذهبا جديدا اطلقوا عليها ( الخامسية ) نسبة لاستحداث مذهب خامس بعد المذاهب الأربعة.. *أخيرا.. فإن السلفية التي تقصدها هيئة شئون الأنصار هنا ليست هي المدرسة صاحبة المنهج المعتدل والوسطي، إنما هي السلفية المتطرفة التى تعمل على اقصاء الآخرين وتكفيرهم للدرجة التي تجعل المسلمين وغير المسلمين هدفا لهؤلاء الدعاة الذين لم تسلم منهم المساجد والكنائس على حد سواء.