بعد أن شهدت سلعة الأسمنت استقراراً بل انخفاضاً دام لأكثر من ثلاثة أعوام عاد الآن لينحني أمام موجة ارتفاع أسعار الدولار، حيث قفز سعر طن الأسمنت ليوم أمس من (440) إلى (550) جنيه. ولعل المشاكل الكثيرة التي يمر به قطاع الأسمنت من عدم توفير الدولة للفيرنس المدخل الرئيسي لصناعته بجانب فرض الضرائب والرسوم من قبل الولايات التي بها مصانع الأسمنت فضلا عن ارتفاع تكلفة الكهراباء كل تلك الأسباب مجتمعة يجعل القطاع غير قادر على الصمود أمام تلك الرياح العاتية، وقطعا فإن استيراد الفرينس بسعر الدولار بالسوق الموازي الذي بلغ ستة جنيهات كانت مبررا لأن يرفع سعر الأسمنت الذي كان يأمل السودان أن يصدره للخارج لاستجلاب عملات حرة بعد أن شكلت فاتورته في السابق ضغطا كبيرا على النقد الأجنبي اثر سلبا على قطاع البناء والمقاولات. وحتما فإنه بعد الاستقرار الذي شهده القطاع لفترة ليست بالقليلة وفجأة ارتفع سعره مجددا بالاسباب التي يرى العاملون فيها أنها مبررة وتنفيها الدولة له انعكاسات وتبعات سالبة على قطاع الأسمنت خاصة وأن الكل كان يتوقع أن تتم عمليات تصدير الأسمنت «عمليات تصدير الفائض» والبالغ (4.5) ملايين طن خلال العام المنصرم 2011م، وليست كما تسعى الدولة اليه الآن في اتجاه لفتح باب استيراد الأسمنت لتغطية السوق المحلية لارتفاع اسعاره بالاسواق المحلية بصورة وصفت بغير المبررة. فقد شهد قطاع الأسمنت خلال العام 2011م استثمارات جديدة بولاية نهرالنيل حيث تم ترخيص (7) مصانع جديدة في مجال الأسمنت برأسمال فاق الملياري دولار، بدأ منها مصنع السلام للاسمنت يدخل دائرة الإنتاج قبل عام بينما دخلت (4) مصانع جديدة (إحكام وبربر والشمال وعطبرة الخط الرابع) افتتحها رئيس الجمهورية ، ليقفز بذلك انتاج السودان من الأسمنت من (300) ألف طن في العام بمصنعي أسمنت ربك وعطبرة إلى (7) ملايين طن أسمنت في العام بزيادة (4.5) ملايين طن على الاستهلاك المحلي البالغ نحو (2.5) مليون طن. ودافعت مصانع الأسمنت عن ارتفاع الأسعار، وقطعت في حديثها حسب مصادر مطلعة بمصانع الأسمنت فضلت حجب هويتها ل (الأحداث) بأن ارتفاع الأسعار في الأسمنت مبرر لجهة أن الدولة رفعت يدها من الفيرنس وتركت استيراده لأصحاب المصانع الذين يكتوون من استيراده بالعملات الحرة من السوق الموازي والذي تجاوز فيها سعر الدولار الستة جنيهات. وكشف صاحب مصنع للاسمنت فضل عدم ذكر اسمه ل (الأحداث) بأن سعر الطن من المصنع ارتفع من (450) إلى (470) جنيه. لافتا إلى أن السعر يخضع للترحيل بجانب الرسوم التي تفرض عليه ليصل إلى الخرطوم بأسعار عالية جدا، بيد أنه رجع متهما التجار بالتسبب في إحداث الارتفاع ،لافتا إلى أن الارتفاع بواقع (20) جنيها على الطن، وأن التجار يزيدونه لأكثر مما يتطلب بجانب تخزينه لرفع الأسعار، مؤكدا على أن التجار قاموا بتخزين الأسمنت لرفع سعره حيث شهدت الأسواق شحا في الأسمنت بينما هي متوفرة بالمصنع، وقطع بأن المصانع اصبحت لا تعمل بطاقتها القصوى. فيما عضد تاجر الأسمنت بشار الإنقاذ بحري حديث المصانع على أن استيراد الفيرنس بالعملات الحرة مع ارتفاعه بجانب الأحداث الأخيرة على حقل هجليج النفطي كان سببا في رفع اسعار الأسمنت. وأكد فيصل في حديثه ل (الأحداث) بأن الأسعار ارتفعت بصورة وصفها بالكبيرة حيث ارتفعت بواقع (110) جنيهات على الطن فجأة دون تدرج. وقطع فيصل بأن استيراد الفيرنس من الخارج من موارد المصانع الخاصة دون السعر الرسمي للدولار زاد من تكلفة الإنتاج بجانب أنها جعلت المصانع لا تعمل بطاقتها القصوى واكتفت بوردية واحدة ما ادى إلى تدني انتاجية المصانع من الأسمنت. غير أن رئيس غرفة الصناعات الهندسية باتحاد الغرف الصناعية المهندس الحاج يوسف المكي قطع في حديثه ل( الأحداث) بأن المصانع ليس لديها ضلع في ارتفاع الأسعار لجهة أن الحكومة رفعت يدها من استيراد الفيرنس. لافتا إلى أن استيراد اصحاب المصانع للفيرنس من السوق الموازي بواقع ستة جنيهات بعكس ما كان في السابق بواقع (2,5) جنيه للدولار. وشن الحاج هجوما عنيفا على الولايات الولايات المنتجة للاسمنت بفرضها رسوما وضرائب عديدة على الصناعة متناسية في الوقت ذاته بأن تلك المصانع تدفع الزكاة والضرائب وتشغل عمالة، وزاد حتى على الحجر الولاية تفرض رسوما، لافتا إلى أن الولايات اصبحت تغطي احتياجاتها من الإيرادات من مصانع الأسمنت في الوقت الذي فيه كافة المواد الخام للصناعة محلية ومتوفرة. واستنكر الحاج عدم فهم الحكومة لواقع صناعة الأسمنت بالبلاد في ظل ارتفاع اسعار الدولار واستيراد الفيرنس. وفيما يتعلق بفك حظر استيراد الأسمنت وتأثيره على الصناعة الوطنية قطع بأن كل دول العالم اصبحت قوية بعد أن أغلقت نفسها من الاستيراد واعتمدت على صناعاتها المحلية، ومن ثم فتحوا باب الاستيراد. وقال الحاج بأن الأسمنت من السلع الاستراتيجية السبع التي تعتمد عليها الدولة في جلب عملات حرة ، وأن العالم كله يدعم الأسمنت الا أن الحكومة السودانية تفرض عليه رسوما ، مشيرا إلى ارتفاع تكلفة الكهرباء مقارنة مع إثيوبيا والفرينس مقارنة مع مصر والسعودية ، لافتا إلى أن المشاكل التي تواجه صناعة الأسمنت كثيرة. وقطع بأن أغلب المصانع العاملة في الأسمنت لا تعمل بطاقتها القصوى، وأنها تعمل حسب احتياجات السوق لارتفاع تكلفة الإنتاج المحلي ما يجعلها غير قادرة على التنافس، مؤكدا على أن ذلك مشكلة حقيقية تواجه الصناعة. لكن أحد رجال الأعمال فضل أيضا عدم ذكر اسمه استحسن فتح باب الاستيراد في حال رفضت المصانع تخفيض الأسعار لفك الضائقة على المواطنين، بيد أنه رجع قائلا بأن ارتفاع اسعار الدولار اثر على المصانع المحلية خاصة وأنها تستورد الفيرنس من السوق الموازي ، مشيرا إلى أن سعر الطن عالميا بواقع (60) دولار مبينا أن الدولة في حال قررت فك الاستيراد ورفع الجمارك التي فرضت على الأسمنت المستورد لحماية المحلي سيجعل منافسة المحلي أمرا محالا ما يتطلب من المصانع المحلية التراجع من ارتفاع الأسعار والاستفادة من الميز الممنوحة له، مؤكدا على أنه مع اتجاه فك الحظر. وكان من المتوقع أن تشهد عائدات صادرات البلاد من الأسمنت نحو (600) مليون دولار بتصدير الفائض من الأسمنت البالغ نحو (4.5) ملايين طن إلى دول الجوار، لكن الخبراء وأصحاب المصانع رهنوا نجاح عمليات التصدير للاسمنت بإجراء بعض المعالجات التي تسهم في تخفيض تكلفة الإنتاج خاصة مراجعة فاتورة الكهرباء، وتخفيض تكلفة الترحيل من المصانع إلى موانئ التصدير، وتخفيض الرسوم المحلية، بجانب الاهتمام بجودة المنتج وتنافسية الأسعار.