في حين يفتتح رئيس الجمهورية المشير عمر حسن أحمد البشير اليوم أربعة مصانع للأسمنت بولاية نهر النيل بتكلفة مليار دولار، وبطاقة تصميمية تبلغ (6) ملايين طن؛ إلا أن صناعة الأسمنت بالسودان مواجهة بتحديات عدَّدها المستثمرون بالقطاع في ارتفاع تكلفة التشغيل والنقل والرسوم خاصة الولائية التي تصل إلى(30) جنيهاً للطن الواحد، وأقر المنتجون بعدم القدرة على المنافسة في الأسواق العالمية، نسبة لارتفاع التكاليف. ومن جانبها أعلنت وزارة الصناعة في وقت سابق اكتفاء البلاد من سلعة الأسمنت بوجود (7) مصانع للأسمنت، والحد من الاستيراد الذي كان يكلف (250) مليون دولار في العام. ويقول الخبير الاقتصادي الدكتور محمد الناير إن دخول أربعة مصانع جديدة إلى دائرة الإنتاج، بطاقة إنتاجية (6) ملايين طن في العام، تعتبر إضافة حقيقية للاقتصاد ونقطة تحول في تاريخ السودان من الاعتماد على الاستيراد إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي، ومن ثم التحول إلى التصدير. وتوقع الناير أن يحقق عائد التصير (400) مليون دولار في العام، وبالرغم من التخفيضات التي أعلنتها الدولة (15%) على الرسوم الولائية ورسوم الضرائب والقيمة المضافة (25%) على المنتج؛ إلا أن مديري المصانع اعتبروا أنها قد لا تنعكس على الأسعار بالنسبة للمستهلك. ويشدد الناير على ضرورة أن تستقر الأسعار في حاجز (400) جنيه للطن أو ما دون ذلك مقارنة مع الإنتاج الكبير والأسعار العالمية، ودعا الناير إلى ترتيب الأمر بين الدولة والمنتجين، ويقول إن التكلفة فعلاً مرتفعة لكن يمكن البحث في وسائل نقل جديدة لنقل البترول باللجوء إلى استخدام السكة الحديد التي تعتبر أرخص تكلفة من النقل البري، ويشير د. الناير إلى أن ولاية نهر النيل قفزت موازنتها إلى (700) مليون جنيه مستندة إلى فوائد تحصيل الرسوم على الأسمنت، وبالتالي إسهام إيرادات الأسمنت بحجم مقدر في الموازنة القومية بالإضافة إلى الرسوم الاتحادية وتوفير العملات الأجنبية وتحقيق الوفرة واستقرار الأسعار. وأبدى مدير مصنع الشمال للأسمنت هيثم فاضل رشيد تخوفه من انعدام الفيرنس الذي يستخدم في التشغيل في حال انفصال الجنوب، وقال ل«الأهرام اليوم» إنهم سيواجهون بمشكلة حقيقية لتوفير الفيرنس، وقال إن الرسوم تمثل نسبة (100%) من تكاليف الإنتاج، مشيراً إلى أن الربحية واستراد رأس المال في وقت قريب قد يكون معدوماً في ظل ارتفاع الرسوم، وأوضح أن قانون الاستثمار رغم مركزيته إلا أن هناك رسوماً ولائية يتم تحصيلها للاستهلاك في المرحلة القادمة، ويصبح الأسمنت سلعة مرغوبة من المستهلكين المحليين، كما أنه لا بد من غزو الأسواق الخارجية ومدها بصورة مستمرة. وتبلغ الطاقة التصميمية للمصانع الأربعة الجديدة (6) ملايين طن في العام، المستغل منها حالياً (22) ألف طن في اليوم، حيث تبلغ الطاقة التصميمية لمصنع بربر (5000) طن أسمنت في اليوم بتكلفة استثمارية تقدر ب(210) ملايين دولار بالتمويل عن طريق رأسمال أسهمي يبلغ (70) مليون دولار، وتمت تغطية التمويل المطلوب عن طريق الصكوك من منطقة الخليج بضمانات المسهمين، فيما بلغت التكلفة الاستثمارية لمصنع التكامل للأسمنت بولاية نهر النيل (252.7) مليون دولار بطاقة إنتاجية (1.6) مليون. ويؤكد مديرو المصانع أن إنشاء الأسمنت بولاية نهر النيل أسهم في تشغيل (90%) من العمالة بالولاية وستكتفي البلاد من استيراد (250) مليون طن، مشيرين إلى تحولات اقتصادية واجتماعية ستنعكس على مواطني الولاية وسيدفع ذلك من عجلة التنمية، ونفوا أن تكون للمصانع أي تأثيرات على البيئة وصحة المواطنين بتطبيق مواصفات البيئة والسلامة. وفي ظل تنامي الطلب على سلعة الأسمنت وعدم مواكبة المصنعين بتنفيذ برامج التأهيل والتحديث، كان قرار الخصخصة الكاملة لمصنع أسمنت عطبرة ولأسهم الحكومة التي تتجاوز (80%) من مصنع أسمنت ربك لإتاحة الفرصة للقطاع الخاص لتنفيذ مشروعات التوسع والتحديث المخططة لمقابلة الطلب المتزايد، وكانت قد أعلنت ولاية نهر النيل عن إعداد دراسات بالتعاون مع القطاع الخاص لتطوير قطاع النقل النهري الذي يسهم في تقليل كلفة النقل بجانب مراجعة الرسوم المحلية والولائية لخفض الأسعار. لكن ثمة تخوفات يبديها المنتجون من أن عدم توفر آليات التسويق سيقعد بصناعة الأسمنت، ومنها مخاوف الوفرة، فكلفة الطن في الدول الأفريقية (37) دولاراً فقط، في حين أن الكلفة للطن في السودان (114) دولاراً. ويرون أن أسعار الأسمنت التي هبطت بالأسواق ينبغي ألا تكون على حساب تكاليف الإنتاج، وأن صناعة الأسمنت بالسودان تفتقر إلى العمالة الوطنية، وأعربوا عن أملهم في أن تحل العمالة الوطنية محل العمالة الأجنبية. وأكد ذلك مدير مصنع السلام لصناعة الأسمنت عاصم أحمد التوم قائلاً: إن تأثير الانفصال على قطاع الأسمنت سيكون على الفيرنس والفحم البترولي الذي تعمل به بعض المصانع، مؤكداً أن المصانع ستتجه إلى الاستيراد بالدولار من الخارج في حال لم يتم الحصول على هذه المواد من الجنوب، وكشف عن أن بعض المصانع لديها مشكلة التسويق لذلك لا بد من إيجاد منافذ تسويق جديدة خارجية وبالولايات كافة. ويشير الخبير الاقتصادي محمد الناير إلى أن الأسمنت بالنسبة للسوق المحلي ما زال السودان يحتاج إلى المزيد من مشروعات البنى التحتية والنهضة التنموية والعمرانية. ويقدر استهلاك البلاد من الأسمنت بحوالي (2.5) مليون طن في العام، وكان إلى وقت قريب يستورد السودان أكثر من (50%) من حجم الاستهلاك القومي قبل أن يحظر استيراده نهاية العام الماضي، ويشير تقرير صادر عن القطاع الاقتصادي إلى أن قيام مصانع الأسمنت يعمل على تقليل حدة ظاهرة البطالة باستيعاب حوالي (4000) من القوى العاملة في الولايات التي تقع فيها، مما يؤدي إلى إنعاش السوق المحلي وينعكس إيجابياً على حياة الناس، وأن إنتاجية (6) ملايين طن في العام تكفي حاجة الاستهلاك المحلي وتؤهل السودان للدخول في مجال تصدير الأسمنت للسوق العالمي.