أمس قررت القوات المسلحة إعادة انتشارها خارج منطقة أبيي وذلك استجابة لطلب من الوساطة الإفريقية كما إن الانسحاب يجئ التزاماً بقرار مجلس الأمن وخارطة طريق الاتحاد الإفريقي. وقال الناطق باسم القوات المسلحة العقيد الصوارمي خالد سعد في بيان تلاه على الصحفيين بمبنى وزارة الدفاع: «تلقت الدولة طلباً من رئيس الآلية الإفريقية ثابو امبيكي بسحب القوات المسلحة من منطقة أبيي وتقدمت الدولة بعدد من الطلبات التي تضمن شمالية أبيي وحقوق المسيرية». وستبدأ القوات المسلحة اعتباراً من اليوم الخروج من حدود أبيي، والخرطوم التي أبدت تمنعاً بائناً في انسحاب قواتها من منطقة ابيي وهي التي في تمنعها لم تبدو آبهة أو مبالية من العقوبات التي عديداً ما لوح بها مجلس الأمن في وجهها إلا أنها ورغم تمترسها القوي وراء الرفض القوي والصريح لسحب القوات وكانت الخرطوم وعدت أمس الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي وعضو مبادرة (الايلدرز) كبار القادة بتنفيذ الانسحاب من منطقة أبيي خلال فترة وجيزة. وقال كارتر في مؤتمر صحافي عقده في الخرطوم عقب لقائه الرئيس السوداني عمر حسن أحمد البشير مساء أمس الأول إنه تلقّى وعداً من البشير بسحب القوات السودانية من منطقة أبيي. الشاهد أنه وخلال الأيام الفائتة كان مجلس الأمن الدولي قد طالب دولة السودان بالانسحاب الفوري ودون شروط من إقليم أبيي الحدودي المتنازع عليه مع جنوب السودان وجدد مجلس الأمن تفويض مهمة لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة في المنطقة وأعرب عن قلقه العميق بسبب التأخير في إنشاء إدارة لمنطقة أبيي إلا بعد إنشاء قوة مراقبة عسكرية مشتركة في المنطقة، وقال الناطق باسم وزارة الخارجية العبيد مروح في تصريحات صحافية آنذاك: «نحن مستعدون مبدئياً للانسحاب من أبيي بشرط أن يكون هناك انسحاب متزامن لقوات الجانبين ومراقب أممياً، وفقاً لترتيبات إدارية وأمنية متفق عليها ووضعت حكومة السودان حزمة من الاشتراطات للانسحاب من منطقة أبيي المتنازع عليها ورهن وكيل وزارة الخارجية رحمة الله محمد عثمان الانسحاب بتشكيل إدارة للمنطقة وانتشار القوات الاثيوبية وإنشاء لجنة للتحقق من تنفيذ الاتفاق الخاص بالمنطقة. طلب مجلس الأمن للخرطوم من الانسحاب من منطقة أبيي كان امتداداً للقرار الذي أخرجه والذي يطلب من الدولتين سحب القوات من ابيي، وحينها استجابت حكومة الجنوب لتنفيذ القرار وبصورة فورية وقامت بسحب قواتها من منطقة أبيي في خطوة غير متوقعة وقد وجدت خطوتها تلك إشادات دولية. وقال الناطق باسم الأمين العام للمنظمة الدولية مارتن نيسيركي في بيان نشر حينها إن الأمين العام بان كي مون يرحب بسحب جنود السودان قواته الأمنية من منطقة أبيي إلا أن الخرطوم لم تسحب قواتها ووضعت بعض الشروط لتقدم على ذلك. وتأتي خطوة الخرطوم في الانسحاب من أبيي قبل أربع وعشرين ساعة من تقديم أمبيكي لتقريره لمجلس الأمن الدولي في جلسته الطارئة التي تعقد غداً الأربعاء حول العلاقة بين السودان وجنوب السودان وتنفيذ قرار مجلس الأمن 2046 والذي صدر مطلع هذا الشهر. وقد وجدت حينها خطوة الخرطوم الرافضة للانسحاب من أبيي إلا وفقاً لشروط ترحيباً واسعاً من قبيلة المسيرية أحد أطراف النزاع في أبيي. وقال عمر الأنصاري أحد القيادات بقبيلة المسيرية في حديثه ل(الأحداث) إنهم يعتبرون أصحاب المصلحة الحقيقية، مشيراً الى أن الحديث عن انسحاب القوات السودانية من أبيي حديث يخلو من المنطق، مؤكداً أن تلك القوات المتواجدة الآن ليس لها بديل في المنطقة وهي التي تقوم بحفظ الأمن والسلام. وما مضى اليه الأنصاري هي ذات الفرضية التي تحدث عنها المحلل السياسي الدكتور صديق تاور الذي قال إن موقف حكومة الخرطوم السابق الرافض للانسحاب من منطقة ابيي موقف يتمتع بالعقل والصواب، مشيراً في حديثه ل(الأحداث) أمس إن الحكومة السودانية هي القائمة على أمر منطقة أبيي وهذا حسب النطاق الجغرافي وهذا الى أن تحسم القضية. ولعل هذا ما جعل بيان القوات المسلحة أمس بأنه حريص على حقوق المسيرية وأن الدولة تقدمت بعدد من الطلبات لامبيكي بما يضمن السيادة على منطقة أبيي وشماليتها، ويشير عدد من المراقبين لضرورة أن يأتي الانسحاب وفقاً لترتيبات أمنية وعسكرية في المنطقة الأمر الذي يضمن السلام والاستقرار لأهل المنطقة وهو ذات الأمر الذي يؤمن عليه عمر الأنصاري القيادي بقبيلة المسيرية، مؤكداً في اتصال هاتفي مع ال(الأحداث) أمس أنه لا غضاضة في أن يقدم الرئيس السوداني وعداً للرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر بالانسحاب من أبيي، مشيراً الى أن الحكومة السودانية تقدر أمر الخروج حسب ما لديها من خطط وترتيبات، مشيراً الى أن الحكومة السودانية مقرة بمبدأ الانسحاب وفقاً للشروط منذ البداية وحسب الاتفاق المبرم بينها ودولة الجنوب، وكانت حكومة الخرطوم قد أكدت أنها توافق على الانسحاب وفقاً للشروط التي من ضمنها تكوين إدارية أبيي المكونة من قبيلة المسيرية والدينكا طرفي النزاع. وفي ذات الإطار أكد الأنصاري إنهم كمسيرية لا يمانعون في انسحاب الجيش السوداني من أبيي حينما تتكون الإدارية التي ستقوم بإدارة شؤون المنطقة. وأمر الانسحاب وفقاً للترتيبات هو أمر التفت حوله الآراء مؤيدة له. وقال المحلل السياسي صديق تاور في حديثه ل(الأحداث) عبر الهاتف أمس إن الانسحاب بعد ترتيبات تضمن الأمن والسلام في منطقة أبيي أمر جيد وسيعمل على نزع فتيل الأزمة، وتساءل تاور عن وعد البشير لكارتر بالانسحاب هل سيكون وفقاً للشروط الموضوعة أو دونها؟ مؤكداً أن الانسحاب من أبيي دون ترتيبات سيؤدي الى عدم الاستقرار الأمني مما سيقود لتجديد الصراع واستمرار الأزمة.