اعادت القوات المسلحة الانتشار خارج مدينة أبيي بالامس التزاما بالوعود التي قطعها الرئيس البشير للرئيس الأمريكي الأسبق، جيمي كارتر، وتهيئة لاجواء التفاوض مع جنوب السودان. وكانت وحدات مختلفة من الجيش داخل المدينة لاكثر من عام بعد ان دخلتها في شهر مايو من العام الماضي بعد تجدد الاشتباكات داخل أبيي مع قوات تابعة للجيش الشعبي، وذلك في اعقاب هجوم على قافلة للجيش انحي فيه باللائمة على الجيش الشعبي، وسارع بعدها مجلس الامن بنشر قوات حفظ سلام اثيوبية في المنطقة بعد ان اجاز المجلس بشكل مبدئي خطة لاعادة ترتيب الاوضاع في أبيي لحين الفصل في الخلاف بين الجنوب والشمال حول ملكيتها. وتقتضي الخطة سحب قوات الطرفين بغضون انتشار القبعات الزرقاء، لكن تأخر اكتمال قوام القوة الاثيوبية التي تبلغ «4» آلاف جندي، اعطى مبررات للسودان بعدم اكمال سحب قواته بدوره. ولكن بعد اندلاع المواجهات بين الطرفين في « هجليج» وصدور القرار « 2046» تجددت مطالب مجلس الامن بسحب جميع القوات المتواجدة في نطاق المدينة، لتسارع جوبا بسحب قوتها الشرطية من المدينة «»700 عنصر «، لتتسبب الخطوة في احراج بالغ للخرطوم، فقد دفعت الخطوة الجنوبية مجلس الامن الدولي في 17 من هذا الشهر الى مطالبة السودان بسحب قواته من أبيي بشكل فوري وبلا شروط. ولكن الخرطوم تعهدت حينها بان تنسحب بعد انشاء هيئة مراقبين عسكرية مشتركة للمنطقة،وتقدم الان تبريرات الصوارمي لاسباب تواجد القوات في المدينة في الشهور الماضية توضيحات لمغزى الاشتراطات تلك، فقد قال العقيد « تواجدت القوات المسلحة في منطقة أبيي للحفاظ على حقوق قبيلة المسيرية والحفاظ على السيادة» وتابع موضحا اسباب انسحابها الان « ان القوات المسلحة مستعدة للترتيبات التي تتعلق بالسلم ولذلك قبلت عملية اعادة انتشار قواتها خارج حدود المنطقة استجابة لمبادرة امبيكي وتهيئة لمناخ التفاوض.غير ان لا احد يستطيع ان يغمض جهود الرئيس الامريكي الاسبق كارتر حقها فقد اسهمت بحسب مراقبين في تليين المواقف الحكومية، واثمرت عن وعود من الرئيس البشير للرجل بسحب الجيش من المدينة، وهو ما تم بالامس عبر الاوامر الصادرة للقوات هناك باعادة الانتشار حولها. هذا فيما يطالب مراقبون بالتعامل مع قضية أبيي بما يتناسب مع اهميتها ودورها في التأثير على العلاقات بين الشعبين في الشمال والجنوب، وقد رأى البروفيسور عوض الكرسني بان المنطقة تستحق ان يكون لها مسار منفصل عن بقية القضايا العالقة بين البلدين، وقال ل» الصحافة» بالامس ان وضعها في الاطار العام الذي تدور حوله خلافات الخرطوموجوبا غير سليم بالمرة، مشيرا الى ان الانسحاب تم وفق اتفاق وقع قبل عام باديس ابابا، وتابع الكرسني: لو تم اكمال الانسحاب قبل الان وانجزت الهياكل الادارية والشرطية المتفق عليها في العاصمة الاثيوبية، كان هذا سيشكل فارقا كبيرا، وربما هذا ما يدفع الكرسني لينتقد تأخر الانسحاب وتباطؤ متخذو القرار، الا انه عاد واشار ايضا الى مسئولية تدخلات حكومة الجنوب المستمرة عن ذلك، مطالبا الان بالاسراع في تكوين ادارية المنطقة والشرطة». ورغم ان تواجد القوات المسلحة في داخل أبيي ارتبط بصيانة حقوق المسيرية، فقد اتت ردود الفعل من القبيلة مرحبة بالانسحاب، وقال رئيس اللجنة العليا المشتركة عن الجانب السوداني الخير الفهيم ان انسحاب الجيش يجئ وفقا للاتفاق الموقع في اديس ابابا بين الشمال والجنوب حول المنطقة، والقاضي بسحب كل القوات من المنطقة وانشاء مؤسسات مختلفة لادارة المنطقة، كما انه يجئ اتساقا مع قرار مجلس الامن «2046». ويؤكد الفهيم ل» الصحافة» ،هاتفيا من أبيي، ان قبيلة المسيرية ملتزمة بتطبيق اتفاق اديس ابابا حول الترتيبات الادارية والامنية لأبيي، لكنه شدد ايضا على تمسك القبيلة بالحقوق التي منحتها لهم اتفاقية اديس ابابا العام الماضي، وحددها في تكوين المؤسسات التشريعية والتنفيذية والشرطية خاصة الشرطة المجتمعية في أبيي، فضلا عن منحهم حقهم في رئاسة المجلس التشريعي وموقع نائب رئيس وحدة أبيي الادارية. وربما كان لموقف المسيرية هذا دور في رهن الحكومة هذا الانسحاب بضمانات مقدمة من الوساطة الافريقية والدولية، ونجد اثرا لذلك فيما قاله ل» الصحافة» والي جنوب كردفان أحمد هارون بان عملية إنتشار الجيش السودانى خارج أبيى مرتبطة إرتباطا لا يقبل التجزئة بإنشاء الهياكل الإدارية لأبيى من حكومة تنفيذية ومجلس تشريعى وشرطة وكل المتطلبات التى تتصل بحياة المواطنين، واكد هارون ان رئاسة الجمهورية قد تلقت ضمانات كافية بذلك القرار من كل الأطراف المعنية وكل الوسطاء وغيرهم ، ولكن والي جنوب كردفان قال ان الضمان الأكبر هو « إن عدتم عدنا». والضمانات التي يشير اليها أحمد هارون هي الترتيبات التي لم يتم انزالها على ارض الواقع بسبب التصعيدات المختلفة بين جوباوالخرطوم، لكن الخرطوم تشدد الان ، رغم ان وضع المنطقة وآليات حسم الخلاف حولها لازالت موضع خلاف،» على ضمان وضع الترتيبات النهائية للمنطقة لتشمل كافة المواطنين. « والنقطة الاخيرة كما نتابع احد اسباب عدم حسم وضع المنطقة حتى الان، فدولة الجنوب تصر على عدم احقية قطاع كبير من المسيرية بالتصويت في الاستفتاء المزمع لمواطنيها، والحكومة كما تقطع هذا التصريحات تقرن انسحابها بضمان حقوق المسيرية عند وضع الترتيبات النهائية للمنطقة ، والتي قد يصبح الاستفتاء اداتها الرئيسة. الا ان ماتتعامل به كل من جوبا و الخرطوم كمسلمات معقدة في قضية هذه المدينة،لا يشكل هاجسا على طريق الحل عند اخرين. فالبروفيسور عوض الكرسني يقترح في حديثه للصحافة حلا لقضية أبيي قد يعيدها الى جذورها الحقيقية، فهو يطالب باستبعاد موضوع السيادة عليها لعدد من السنوات، يتم حكم المنطقة خلالها عن طريق ادارة مشتركة في اطار العلاقات بين البلدين، معربا عن قناعته بان استكشاف المكونات المتواجده هناك،امكانيات التعايش وفرص الاستفادة من الموارد الهائلة التي تتيحها أبيي، سيساعد في التوصل لحل مرضى لجميع الاطراف، ولا يرى ، الكرسني، في الاقدام على التخلى عن سيادة السودان على المنطقة لاعوام من خطورة، مؤكدا ان المدينة سودانية وستظل كذلك.