أتيحت لنا في السودان فرصة ممارسة الديمقراطية وبناء نظام ديمقراطي منذ الاستقلال، ولكننا فشلنا في ذلك. انتفضنا وثرنا على حكم العسكر والشمولية، ثم فشلنا أيضاً في ممارسة الديمقراطية والمحافظة عليها لعوامل كثيرة لم نراعها، وتحتاج منا إلى إعمال العقل أكثر وأكثر للبحث في جذور الفشل هذه لتلافيه مستقبلاً. على عكسنا لم تتح الفرصة للمصريين في ممارسة الديمقراطية إلا الآن، بعد إزاحة نظام مبارك، وطفت بعض الملاحظات إلى السطح تستوجب قراءتها بما يحقق مصالحنا مما ستسفر عنه هذه العملية غير المسبوقة في مصر. في الانتخابات التشريعية ظهر الإخوان المسلمون والسلفيون أكثر تنظيماً وقدرة على الحركة في مقابل وجود تيارات أخرى كانت الدافع الأقوى والمحرك لعملية التغيير المنشودة لكنها اتسمت بالضعف التنظيمي، وبالتالي تداعيات ذلك على المشهد السياسي برمته وصعود نجم الإخوان والسلفيين. توج ذلك باكتساحهم للدوائر الانتخابية والسيطرة على الجهاز التشريعي، وهو ما لا يعبر حجمهم الحقيقي بقدر ما يعكس تلك القدرات التي استفادوا منها. كانت قراءة البعض أنهم (الإخوان والسلفيون) لن يجدوا صعوبة كبيرة في اكتساح الانتخابات الرئاسية بناءاً على ما سبق. لكن الملاحظة التي كشفتها الانتخابات الرئاسية حتى الآن هو “أن هذا أقصى ما يستطيع أن يحققه الأخوان في مصر"، فالإخوان حصلوا على قرابة الستة ملايين صوت لمرشحهم الرئاسي حسب النتائج الأولية من جملة 25 مليوناً صوتوا فعلياً وفي غياب 25 مليون آخرين لم يصوتوا. هذا يعني أن القوة الانتخابية للإخوان في أقصى مداها هو ما يتجاوز ال10% بقليل من جملة الذين يحق لهم الانتخاب و25% من الذين صوتوا فعلياً. هناك مرشحون آخرون يمكن أن يعدل مناصروهم هذه النتيجة لصالح الإخوان في مرحلة الإعادة، ولكنها لن تتجاوز سقف ال40% من جملة الأصوات. الملاحظة الأخرى هو النتيجة الغير متوقعة لأحمد شفيق ومنافسته لمرشح الإخوان. وهي غير متوقعة بحسب القراءات السطحية لما تم في مصر، لكن بالنظر إلى الواقع فكثيرون من الذين دفعوا بأحمد شفيق إلى المقدمة هم من المحافظين غير الراغبين في التغيير الدراماتيكي الذي ظهرت ملامحه أثناء الثورة، مع ملاحظة أن النظام السابق كان متجذراً داخل المجتمع المصري ولا يمكن تجاهل تأثيراته على مدى أكثر من 30 عاماً حكمها مبارك وغيرها –لم تختلف عنها- حكمها السادات وقبلهما عبدالناصر في عباءة مختلفة تحت مظلة حكم شبيه. المناوئون لأحمد شفيق يراهنون على التعبئة باعتباره من فلول النظام السابق، لكنهم يتجاهلون حقيقة أنه لن يستطيع إعادة العجلة إلى الوراء ولن يتمكن من إحياء النظام الذي “مات" حتى لو كان في نيته ذلك. وهو ما استفاد منه أحمد شفيق أيضاً بتضمين قائمة برنامجه باهداف الثورة، إضافة إلى تفادي كثير من المصريين لمصير أن يحكمهم الإخوان. المصوتون لشفيق أكثرهم ليسوا بفلول ولا مؤيدين لإعادة نظام مبارك بقدر ما هم متأثرون بما ذكر، لسبب بسيط وهو النتيجة التي حصل عليها شفيق والتي اعتبرت مفاجئة. تجاذب الرئاسة في نتائجها الأولية بين شفيق ومرسي وضع بقية الأصوات الانتخابية في موقف حرج في مرحلة الإعادة إلا إذا ظهرت نتائج نهائية بخلاف ما هو معلن حتى الآن، ليعيد التوازن والتنافس بين الإخوان وقوى الثورة الأخرى التي بات يمثلها صباحي. هنالك الكتلة التي لم تصوت في الجولة الأولى ونسبتها 50%، هي بالتأكيد لا علاقة لها بالإخوان (الأخوان والسلفيون هذا أقصى ما يستطيعون فعله)، وهي ما سيقلب الموازين إن تم تفعيل جزء منها في الجولة الثانية لصالح شفيق إن ظل المنافس لمرشح الإخوان وفشل المحاولات الجارية لإقصائه. صباحي –الوجه الأبرز لشباب الثورة- أكد أن هناك قطاعات كبيرة فشلت في تنظيم نفسها وتفعيل دورها لمقابلة استحقاقات الانتخابات في مواجهة الأخوان، ورغم ذلك أحرز هذه النتيجة المتقدمة. هذا بلا شك سيضفي على المشهد السياسي المستقبلي حراكاً قوياً يعزز من التجربة الديمقراطية المصرية، هذا إذا لم تحدث مفاجآت كتلك التي تحدث عندنا عقب كل تجربة ديمقراطية بتدخل الجيش لصالح أجندة محددة.