ثورة جديدة في الشارع المصري أعقبت الحكم على مبارك ووزير داخليته وبقية المساعدين، ثورة تلحفت - ظاهرياً - بالحكم الصادر في قضية قتل المتظاهرين وإن كان باطنها خشية واضحة من وصول الفريق أحمد شفيق لحكم مصر في جولة الإعادة أمام محمد مرسي مرشح الإخوان المسلمين، الجماعة التي وجدت ضالتها في براءة جنرالات الداخلية الستة فأخذت تحرك الشارع وتشحنه شحناً للوقوف بوعي أو دونه خلف مرسي، المرشح الاحتياطي للإخوان الذين كانوا يواجهون ضغطاً شعبياً كبيراً ورافضاً لمرشحهم في ظل تنامي دعوات المقاطعة، قبل أن يستثمروا أجواء الشارع ومزاجه الذي انقلب فور صدور الحكم. المشهد الماثل حالياً يشير الى اصطفاف كبير خلف مرشح الثورة وإن كان من جماعة الإخوان المسلمين التي يؤخذ عليها مواقفها الملتبسة وتفاهمات السرية السابقة مع المجلس العسكري في مواجهة قوى الثورة، مشهد قابل للتغيير في حال فشلت الجماعة في السير خطوات أبعد مما تريد، خطوات تتصل بتكوين مجلس رئاسي وتحريك الشارع للضغط على المجلس العسكري لإلغاء جولة الإعادة وتمديد الفترة الانتقالية والترتيب لانتخابات قادمة، تحركات تتطلب رفض مرسي الدخول في جولة الإعادة إلا بعد البت في دستورية قانون العزل الذي يطيح بشفيق خارج المسرح لو أنه أجيز، أو رفض العملية الانتخابية وانسحاب مرسي وجماعته وانضمامهم لصفوف الثورة من جديد، مطالب تنوء الجماعة عن حملها وترفضها برفق حتى الآن، وسبيلها في ذلك الدخول في تفاهمات أخرى تضمن للقوى الوطنية المشاركة في مؤسسة الرئاسة، سبيل تجاوزته الجماعة الوطنية وتعود اليه الجماعة الإخوانية الآن بعد رفض سابق، الأمر الذي يفتح الباب أمام انفضاض مولد تقارب الجماعة والشارع ويمهد للدخول مباشرة لجولة الإعادة دون سند أو دعم القوى الوطنية الأخرى مما يجعل الفرص متساوية لفوز مرسي أو شفيق أيهما كان أقدر على حشد أنصاره ثم التأثير في القطاع الصامت. وبالنظر الى سابق العلاقة بين الاخوان المسلمين والقوى الوطنية الأخرى يظهر بأن الجماعة دائماً ما تضيع الفرصة تلو الأخرى، وتفشل في الثبات على موقف يضمن لها تحقيق الوحدة الوطنية، ولعل الفرصة الأكبر التي قد تضيع منها الفشل في الوصول الى قصر القبة في حال تراجعت عن الصف الوطني الذي دفع بمواقف جديدة يعول فيها على خروج الشارع بينما الجماعة في طريقها القديم سائرة، تستفيد من انفعال الشارع حينا ثم تميل الى منطق السياسية والمكاسب المنتظرة فتذهب بعيدا، حيث نظرها الى مغانم متوقعة. يمر المشهد المصري ومنذ قيام الثورة بحالة من السيولة لا تستطيع معها التكهن بتحالفات ثابتة، وليس فيها مواقف دائمة، في الجولة الأولى كانت فرص عمرو موسى وعبد المنعم أبوالفتوح هي الأعلى بينما جاء مرسي وشفيق في المراتب الأولى، اليوم الكفة تميل الى مرشح الاخوان في ظل قلق متنامٍ بإعادة إنتاج النظام القديم إذا ما وصل شفيق الى السلطة، لكن هذا الموقف نفسه ليس ثابتاً بل قابلاً للتحول والتغيير في غضون الأيام القادمة، تحول بدأت ملامحه في الظهور في ظل انقسام القوى الوطنية وتغريد الإخوان بعيداً رافضين لدعوات المجلس الرئاسي راغبين في رئيس واحد بلا مجلس أو وجع دماغ. لا ينتظر أن تقود موجة ما يسمى الثورة الثانية الى نتائج حاسمة وقاطعة، فموعد الجولة الثانية لن يتغير كما أعلن المجلس العسكري ومطالب الثوار التي ترتبط بتكوين محاكم ثورية قد لا تجد صدى واسعاً، وحديث صباحي وأبوالفتوح وخالد علي بتكوين مجلس رئاسي بديل لاستكمال العملية الديمقراطية لا يستند الى واقع قانوني ويتعامل معه باعتباره تحالفاً للخاسرين الذين خرجوا من العملية الديمقراطية ويريدون العودة بطرق لي الذراع وتجييش الشارع، شارع منقسم بين فريق يميل اليهم وفرق أخرى تنتمي الى قوى مختلفة من بينها الاخوان وأنصار شفيق بالإضافة أغلبية ارتضت بنتائج الانتخابات، مما يعني أن الحراك الحالي سينتهي الى ما انتهى اليه قبل ذلك تحركات مماثلة افتقدت الى إجماع القوى الوطنية وإن أسفرت أخيراً عن خلق قيادة باتت تمثل القوى الثورية تتمثل في الثلاثي أبوالفتوح وحمدين وخالد علي.