في خطوة كانت شبه متوقعة فشلت المفاوضات بين دولتي السودان والجنوب، والتي انعقدت مجرياتها بالعاصمة الاثيوبية أديس، واستمرت لمدة عشرة أيام قبل أن تنفض، والتوقعات بالفشل لم تكن مجرد تكهنات أطلقها المراقبون وإنما جاءت وفقا لحيثيات كثيرة التفت حول خاصرة المفاوضات.. فعندما ألزم قرار مجلس الأمن 2046 الدولتين بضرورة العودة إلى طاولة المفاوضات، أكد المراقبون أن نسبة نجاح المفاوضات ضئيلة.. وهذا لأن الأجواء لا زالت متلبدة بالغيوم بين الطرفين، خاصة بعد حادثة هجليج والشاهد أن العلاقة بين الدولتين وصلت أوج توترها عقب أعتداء دولة جنوب السودان على منطقة هجليج؛ الأمر الذي قاد الدولتين إلى خوض معارك تناثرت فيها الكثير من أشلاء أفراد جيشي الدولتين، وفي خضم هذا خرج مجلس الأمن بقرار أجبر بموجبه الدولتين على الجلوس مرة أخرى على طاولة المفاوضات لحلحلة القضايا العالقة بينهما، وتبنى مجلس الأمن الدولي بالإجماع قراراً يطالب السودان وجنوب السودان بوقف الأعمال العدائية والدخول في مفاوضات دون شروط، وأمهل البلدين مدة ثلاثة أشهر لحل الخلافات، وهدد بعقوبات إذا لم يحلا الخلافات. ودعا مشروع القرار، الذي تقدمت به خصوصاً الولاياتالمتحدة وفرنسا، الدولتين إلى "استئناف المفاوضات بدون شروط"، تحت رعاية الاتحاد الأفريقي حول جميع النقاط الخلافية وخصوصاً تقاسم العائدات النفطية، وإنجازها في مهلة ثلاثة أشهر. وحث المجلس على إطلاق تحقيق نزيه لتقييم الخسائر الاقتصادية والإنسانية، بما في ذلك المنشآت النفطية والبنية التحتية في منطقة هجليج.، ورغم الدلائل والمؤشرات التي تشير إلى فشل المفاوضات إلا أن المحلل السياسي ومدير جامعة افريقيا العالمية البروفيسور "حسن مكي" يرى أن دمغ المفاوضات كلها بالفشل لمجرد فشل الجولة الأولى يعتبر ليس منطقيا، مؤكدا في حديثه ل(الأحداث) أمس أن المباريات لا يمكن حسم نتائجها من "الشوط الأول" هذا على حد تعبير الرجل ، مضيفا أنه يتوقع أن تعود الأطراف مرة أخرى للتفاوض وببال أطول ونفس أهدأ، وحينها سيجدون حلولا لكل القضايا محل الخلاف. انهيار المفاوضات الذي استبعده البروفيسور "حسن مكي" لم يعد أمرا يقبل التكهنات أو التوقعات؛ وهذا لأن واقع الحال يشير إلى حدوث ذلك، وهذا ما تؤكده الخلافات التي صاحبت كل الاجتماعات منذ بداياتها، والتي بلغت أوجها عند تناول ملف الحدود والمناطق المتنازع عليها وصعوبة الاتفاق على "الخط صفر" بين الدولتين لتحديد المنطقة العازلة منزوعة السلاح، وبينما تمسك وفد السودان بالخريطة القديمة التي تستند علي حدود 1/1/1956، دفع وفد دولة الجنوب بخريطة جديدة ضمت ست مناطق جديدة مثل منطقة "هجليج" و"ابيي" والمناطق الخلافية الأربع التي لم يحسم أمرها بعد وهي (كافي كنجي، كاكا التجارية، جودة، والمقينص)، كما تضمنت الخريطة مناطق جديدة هي جنوب غرب سنار وجنوب جبال النوبة، شمال بحر العرب ثم منطقة 14ميلاً. ما أقدمت عليه دولة الجنوب بتضمينها لمناطق جديدة للخلاف اعتبره المراقبون تعنتا منها تسعى من خلاله لاستنفاد فترة الثلاثة أشهر الممنوحة من مجلس الأمن ليحال الأمر بعد ذلك للجهات الدولية، وهذا لم يكن رأى المراقبين وحدهم، بل جاء ذلك رأيا رسميا لحكومة الخرطوم التي اتهمت جوبا بأنها من تسعى لإفشال المفاوضات. وحمل المؤتمر الوطني دولة جنوب السودان مسؤولية اخفاق الدولتين في إحراز تقدم بالمفاوضات. ووصف موقفها التفاوضي الجديد بالمتعنت والمفتقر للجدية في تحقيق سلام بين الدولتين، وليس هذا برأي المؤتمر الوطني الحزب الحاكم وحده بل إنما هو ذات الاتجاه الذي مضى اليه المحلل السياسي عزالدين المنصور في اتصال هاتفي مع ال(الأحداث) أمس. وقال المنصور إن سبب انهيار المفاوضات يعود في المرتبة الأولى إلى أن الحركة الشعبية لم تغير استراتجيتها في التفاوض، مشيرا إلى أنها تأتي إلى طاولة المفاوضات باستراتيجية استمرار الأزمة وليس حلها. وأشار إلى أن نجاح المفاوضات رهين بأن تغير الحركة الشعبية موقفها، وتأتي للتفاوض وبين يديها استراتيجية جديدة تتمثل في الرغبة في حل الازمة. وفي ذات السياق الذي مضى إليه المنصور انصب حديث وزير الدفاع ورئيس اللجنة السياسية الأمنية المشتركة من جانب السودان الفريق أول ركن عبدالرحيم، والذي اتهم، في مؤتمر صحفي أمس الأول، وفد دولة الجنوب بتعمد افشال الجولة التفاوضية بالعاصمة الاثيوبية أديس أبابا. وقال إنهم يريدون إلى تاريخ 2/8 لتبدأ المؤامرة الكبرى. ووصف الخريطة التي دفع بها وفد جنوب السودان بالعدائية، مؤكدا أنها تكشف عن روح العدوانية لوفد الجنوب وعدم احترامه للمواثيق. ومن جانبه مضى القيادي بالمؤتمر الوطني اسماعيل الحاج موسى إلى الاصطفاف في الخط الداعم إلى أن وفد الجنوب كان يقف وراء انهيار مفاوضات أديس أبابا. وقال الحاج موسى في اتصال هاتفي ل(الأحداث) أمس إنه لم يكن يتوقع لهذه المفاوضات أن تكلل بالنجاح، مؤكدا أن عقلية وفد الجنوب في المفاوضات لا تتعامل بعقلية رجال الدولة، وإنما بعقيلة رجال العصابات؛ لهذا يأتون إلى المفاوضات لإملاء أجندات أجنبية على السودان، مشيرا أن هذا إدى إلى فشل المفاوضات بين الدولتين. إذا الآراء كادت أن تتفق حول أن المتسبب الأول والأخير في فشل مفاوضات أديس أبابا التي انعقدت بين دولتي السودان وجنوب السودان هو وفد دولة الجنوب، إلا أن هنالك من كان له رأي مغاير، إذ أن المحلل السياسي عثمان المرضي يمضي في غير الاتجاه الذي ذهب إليه الآخرون.. وقال المرضي في اتصال هاتفي ل(الأحداث) أمس إن السبب الحقيقي في فشل المفاوضات قد كان نسبة لأن العودة للجلوس حول طاولة المفاوضات لم يأت لرغبة متأصلة لدى الطرفين، وإنما جاء بأمر من مجلس الأمن الذي ألزم الطرفين بالعودة للتفاوض مضيفا لهذا لم تستطع الدولتين القفز فوق المرارات وأشلاء الجثث التي خلفتها المعارك التي نشبت بينهما مؤخرا عقب الاعتداء الذي شنته دولة جنوب السودان على منطقة هجليج، مشيرا إلى أن واقع الحال هنا يشير إلى صعوبة التقاء الطرفين حول رؤية واحدة.