قبل عدت أسابيع طرح مجلس الشيوخ الأمريكي مشروع قانون طالب فيه بقطع المعونة الاقتصادية عن أي بلد يستضيف الرئيس عمر البشير، بسبب المحكمة الجنائية الدولية ومذكرتها ضد الرئيس، والآن دعت أربع منظمات غير حكومية بالولاياتالمتحدة إلى فرض عقوبات على حكومة السودان بسبب منعها إيصال الإغاثة للمحتاجين، وذلك في رسالة إلى المبعوث الأميركي الخاص للسودان برنستون ليمان أمس الأول في محاولة لممارسة ضغوط على السودان الذي سيخوض جولة تفاوض جديدة مع دولة الجنوب الأسبوع الحالي. ونوهت المنظمات الأربع في مذكرة بعثت بها 89 منظمة مجتمع مدني من 31 دولة بتاريخ 6 يونيو إلى مجلس الأمن الدولي، والتي تدعوه إلى فرض عقوبات على حكومة السودان بناء على القرار 2046 إذا لم تسمح بمرور الإغاثة إلى جبال النوبة والنيل الأزرق بحلول 14 يونيو (أمس الأول)، وذكرت المنظمات الأربع في رسالتها: "تشير التقارير الأخيرة إلى أن الذين لم يتمكنوا من الفرار من تلك المنطقة (جنوب كردفان) يموتون من الجوع". لكن ليست هذه المرة الأولى ولا أعتقد أنها الأخيرة التي تحاول أذرع اللوبي والتي تسمى ب"مجموعة اللوبي المعادية للسودان" ممارسة ضغوط على السودان خاصة في ظل المفاوضات التي تُجرى بين دولتي السودان وجنوب السودان. هذا ما قاله مدير الإدارة الأمريكية بوزارة الخارجية السفير فتح الرحمن علي. وقال ل"الأحداث" أمس: هذه المجموعات هي نفسها التي كانت تسمى سابقاً ب"انقذوا دارفور" وبعد انتهاء مشكلة دارفور عادة في محاولات يائسة منها لممارسة نشاطها بموضوع الإغاثة في جنوب كردفان والنيل الأزرق، لافتاً الى أن هذه المجموعات ذاتها سبق وأن طالبت بمعاقبة الرئيس البشير بسبب الإبادة الجماعية، ومعاقبة السودان بسبب القصف الجوي. وقال إن عمل هذه المجموعات جزء منه داخلي في إطار العملية الانتخابية ولكسب أموال من هذه الحملات، وجزء خارجي للضعط على السودان في جولة التفوض المقبلة بأديس أبابا خاصة وأن هذه المجموعات تدعم اللوبي الداعم لحكومة دولة الجنوب. ونوه الى أن هذه المجموعات درجت على إرسال رسائل حتى للرئيس الأمريكي باراك أوباما. وقال: "حتى أنا أتلقى رسائل في بريدي الإلكتروني من هذه المجموعات"، موكداً أن عمل هذه المنظمات ليس له أي تأثير على السودان، وأن حملاتها هذه تجني منها أموالاً طائلة. المنظمات الأربع دعت الإدارة الأميركية إلى تبني مبادرة في جلسة مجلس الأمن المقبلة لتقييم تنفيذ القرار 2046 والتي تنعقد كل أسبوعين، بالدعوة لاتخاذ أقصى إجراء ضد حكومة السودان تحت المادة (41) من ميثاق الأممالمتحدة (مادة العقوبات الاقتصادية وقطع الاتصالات والعلاقات الدبلوماسية)، وفي حال عدم موافقة مجلس الأمن حثت المنظمات الولاياتالمتحدة إلى اتخاذ إجراء منفرد من أجل إنقاذ الأرواح. ووقعت على رسالة المنظمات للمبعوث الأميركي الخاص، مارتينا ني – إحدى مؤسسي تحالف منظمات (آكت فور سودان) تحرك من أجل السودان – والذي يضم أكثر من (60) فرعا، وروث ماسينجر – رئيسة الخدمة العالمية لليهود الأميركيين، وجون براد شو – المدير التنفيذي لمشروع (كفاية)، وباما اثريا المديرة التنفيذية ل (متحدون لإيقاف الإبادة). وفي محاولة منها لإنقاذ الموقف، أعلنت الأممالمتحدة أمس الأول إرسال حوالى ثمانية أطنان من المساعدات الغذائية إلى ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان السودانيتين الحدوديتين مع دولة الجنوب اللتين تشهدان اضطرابات، واتهمت الخرطوم دولة جنوب السودان بدعم هذه الحركات المتمردة التي تسببت في هذا الوضع الإنساني بالرغم من نفي جوبا. وظلت الحكومة تنفي باستمرار عدم وجود مجاعة في هذه المناطق، ولكن الأممالمتحدة ظلت في حالة قلق وتنبؤ بوجود مجاعة في هذه المناطق التي تتأثر بالحرب المستمرة، وقال المتحدث باسم الأممالمتحدة مارتن نيسيركي للصحفيين إن: "المعلومات التي تحدثت عن نقص في المواد الغذائية تقلقنا كثيرا". وأضاف: "سوف نرسل أكثر من ثمانية أطنان من المواد الغذائية ليتم توزيعها خلال الأسابيع المقبلة". وأوضح أن ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق الخارجتين عن سيطرة الحكومة تعانيان بشكل كبير من النقص في المواد الغذائية، مضيفاً أن 109 آلاف شخص هم بحاجة للمساعدة. يبدو أن هنالك جهات تستخدم هذه المنظات للضغط على السودان، وسبق أن حاول الكونغرس تمرير قانون لمعاقبة السودان، لذلك ما تقوم به هذه المنظات ليس مفاجئاً بل هو عمل متكرر خاصة وأن السودان وجنوب السودان يستئنفان جولة التفاوض خلال الأسبوع الحالي، هذا ما ذكره الخبير الإستراتيجي الرشيد أبو شامة، ودعا أبوشامة الحكومة لمراقبة الموقف بدقة لترى تطورات الموقف مع الإدارة الأمريكية، إلا أنه عاد مشدداً على ضرورة تمسك الحكومة بموقفها تجاه عمل المنظمات بهذه المناطق. وقال الحكومة لديها أسبابها في منع هذه المنظمات، وأعتقد أن هذا مسلسل مستمر ولن ينتهي كما حدث في العديد من المرات السابقة"، متهماً هذه المنظات بالسعي لدعم الحركات المتمردة، وزاد: "نحن لا نبرئ كل الجهات الصهيونية من هذا العمل". الحكومة بدورها كان لديها اشتراطات سابقاً لعمل أي منظمة في هذه المناطق والسماح لوكالات الأممالمتحدة والمنظمات الدولية للعمل في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق في مجال الاحتياجات الإنسانية للمتضررين، ودفعت الحكومة ممثلة في وزارة الخارجية ومفوضية العون الإنساني بوزارة الرعاية والضمان الاجتماعي بموجهات لعمل هذه المنظمات، وأبلغت وزارة الخارجية (20) منظمة أممية وإقليمية خلال تنوير قدمته لهم في أعقاب تأزم الأمر بين السودان والمجتمع الدولي بشأن إيصال إغاثة لهذه المناطق، بقرارات الحكومة الجديدة التي أكدت فيها السماح لوكالات الأممالمتحدة والمنظمات الدولية التي لها مكاتب مؤسسة قبل الأحداث الأخيرة بالولايتين والعاملة في مجال التنمية وإعادة التأهيل بمباشرة عملها، ولكنها اشترطت عليها توقيع اتفاقيات فنية مع مفوضية العون الإنساني لتنفيذ المشروعات مع مراعاة تطور الأوضاع في الولاية على أن يتم استلام الإغاثة وتوزيعها عبر مفوضية العون الإنساني وجمعية الهلال الأحمر السوداني، كما اشترطت أن يتم تنفيذ مشروعات الخدمات الأساسية (تعليم، صحة، مياه) عبر المؤسسات الوطنية. عموماً ومهما تكن فقد ظلت العقوبات الاقتصادية الأمريكية على السودان متلازمة مع بقاء اسم السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب منذ العام (1993م) برغم أن تلك العقوبات لم تؤثر كثيراً على الاقتصاد السوداني الذي تمكن بحسب تقارير اقتصادية دولية. ولكن الواضح أن العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية على السودان لم تكن ذات جدوى حيث لم يكن قرار الرئيس الأمريكي باراك أوباما العام الماضي لتجديد العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولاياتالمتحدة علي السودان منذ عام (1997م) لمدة عام آخر، غريباً في حد ذاته، ذلك لأن الحكومة على أية حال ظلت تتعايش مع عقوبات واشنطن هذه منذ العام (1997م).