في الوقت الذي كانت تبحث فيه القوى المعارضة الأكثرعداءً للمؤتمر الوطني عن تكتيك سياسي تستطيع من خلاله إرغام زعيم الحزب الاتحادي الأصل محمد عثمان الميرغني بإعلان انسحاب حزبه من الحكومة الحالية وفك شراكته السياسية مع حزب المؤتمر الوطني بسبب الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها البلاد وترك الوطني يبحث عن طوق نجاة آخر بعد أن تكيل إليه الانتقادات على خلفية السياسة التي ينتهجها الوطني في إدارة شئون البلاد بعد انفصال دولة جنوب السودان. ولكن المراقب للاوضاع يجد أن المؤتمر الوطني كثف من اتصالاته مع الاصل خلال الفترة الماضية وكانت خطواته أسرع من القوى المعارضة تجاه الاتحادي وتمكن من الحصول منهه على تأكيدات قوية من بعدم تخليه عنه في هذه الفترة الحرجة التي تشهدها الساحة السياسية الداخلية والخارجية التي تعيشها البلاد واستطاع كسب الرهان بعد أن اتفق الحزبان شفاهة على الاستمرارية معاً في قيادة سفينة حكومة القاعدة العريضة، وان يتحمل الحزب الاتحادي الاصل مع المؤتمر الوطني مسؤولية إدارة شأن البلاد في الفترة المقبلة وعدم الاهتمام بمناشدة القوى المعارضة له بالخروج من الحكومة بحجة أن هذه المناشدات الهدف الرئيسي منها إحداث شرخ في العلاقة التي توطدت بعد مشاركة الاصل في الحكومة الحالية ومفارقته للقوى المعارضة التي تكثر العداء تجاه الوطني وتبطل من مفعول الرسائل الايجابية التي يبثها الوطني بأن الحكومة الحالية تحظى بقبول واسع من كافة القوى السياسية التي تقع في خانة القوى الوطنية بحسب تصنيف المؤتمر الوطني لها. ويرى البعض أن رئيس المؤتمر الوطني رئيس الجمهورية المشير عمر البشير فاجأ الجميع بمن فيهم زعيم الحزب الاتحادي الاصل محمد عثمان الميرغني وأجرى مع الرجل لقاءً قبيل ختام اجتماعات مجلس شورى بدار أبو جلابية بالخرطوم بحري حضره من جانب الميرغني كل من نجله مساعد البشير جعفر الصادق ومستشار البشير محمد الحسن مساعد فقط. وركز اللقاء على التطورات الاخيرة الاقتصادية في البلاد والاجراءات الاقتصادية التي يعتزم الوطني الشروع فعلياً في إنزالها على الواقع وبالاضافة إلى تقليص الجهاز التنفيذي في الحكومة وخفض الانفاق الحكومي. وعلى الرغم من أن اللقاء كان طابعه سريا إلا أن الانباء التي رشحت منه بحسب بعض القيادات الاتحادية فإن هناك اتفاقا بين الحزبين على الاستمرارية معاً في الحكومة الجديدة التي يتوقع الاعلان عنها في غضون الايام المقبلة. وأشارت إلى أن اللقاء أفرز شهر عسل جديد بين الحزبين على الرغم من تكثيف المنادين بخروج الاصل من الحكومة. وأشارت المصادر إلى أن اللقاء اتسم بصراحة متناهية من قبل الميرغني الذي ركز على ضرورة إعطاء الاولوية لتوفير احتياجات المواطن البسيط في العيش وعدم الضغط عليه. ولفتت القيادات الاتحادية التي كانت تتحدث ل (الأحداث) أمس إلى أن المؤتمر الوطني كسب عهداً من الميرغني باستمرار حزبه في الحكومة الجديدة رغم إحجام اللقاء عن الخوض في تفاصيل النسبة التي يمكن أن يشارك عبرها الحزب في الحكومة المتوقع الاعلان عنها في غضون الايام المقبلة، الا أن هناك بعض من يرى أن المؤتمر الوطني استبعد تقليص حصة الاصل في الحكومة في بعض الوزارات والولايات ذات الثقل الاتحادي الكبير واستشهدت المصادر بأن حل تشكيل حكومة ولاية سنار الجديدة أبقى على الاتحاديين المشاركين في الولاية. وأشارت ذات المصادر في حديثها مع "الأحداث" أمس أن ممسكي ملف التفاوض مع المؤتمر الوطني في الحزب الاتحادي سبق لهم أن تمسكوا إبان التفاوض مع المؤتمر الوطني في مسألة تشكيل الحكومة الحالية بأن تأتي "15" وزارة فقط، وان يكون نصيب الحزب منها خمس وزارات وأن توسيع الجهاز التنفيذي له آثار سلبية اقتصادية مباشرة على حياة المواطن العادي في الدول التي لا تشهد ازمات مالية بعكس السودان الذي فقد 70% من عائدات نفقط دولة جنوب السودان، ولكن بعد موافقة المؤتمر الوطني على منح الاتحادي ثلث الحكومة الحالية جاء الاعلان الحكومي بأكثر من ثلاثين وزيراً الامر الذي أثار حفيظة بعض من التيار الذي كان ينادي بالمشاركة في الحكومة بسبب أن الوطني تجاهل مقترح الاصل السابق الداعي بأن تأتي الحكومة من "15" وزيراً حتى لا تكون مترهلة وتعمل على زيادة الانفاق عليها من المواطن، وان في كثير من الاجتماعات بين الحزبين كان مفاوضو الاصل يركزون على ضرورة إيلاء الاوضاع الاقتصادية للبلاد في ظل انفصال الجنوب وذهاب عائدات نفطية كبيرة كانت تمثل الداعم الرئيسي لخزينة الدولة وحالياً ذهبت هذه العوائد الامر الذي يقتضي أن يأتي التشكيل الحكومي الجديد بأقل ما يمكن حتى تستطيع أن تعبر بالاوضاع إلى بر الامان. والحزب الاتحادي الاصل صاحب مشاركته في الحكومة الحالية سيناريو أدى إلى حالة من الإرباك الواسع داخل عضوية الحزب كان آخرها الاحداث الدرامية التي شهدتها جنينة السيد علي الميرغني بعد أن طوق التيار الرافض للمشاركة اجتماع الهيئة القيادية للحزب الذي كان مخصصا لحسم أمر المشاركة من عدمها في الحكومة ودخل في مشادات عنيفة وصلت إلى مرحلة الاشتباك بالايدي بين التيارين مما ادى إلى فض الاجتماع الذي رفض الميرغني الحضور إليه في ظل الاجواء المتوترة وبعد يومين من هذه الأحداث رتبت سكرتارية رئيس الحزب اجتماعا آخر لهيئة القيادية للحزب تحت حراسة مباني جنينة السيد للقوات النظامية حتى خرج الاجتماع بقرار المشاركة في الحزب ودفع بعض قيادات الحزب بالاستقالات المكتوبة لرئيس الحزب في إشارة منهم لرفضهم لقرار المشاركة مع المؤتمر الوطني واتهموا الوطني وبعض قيادات اتحادية بالسعي إلى تذويب الحزب من الساحة السياسية بالموافقة على المشاركة. وبعض من المنادين بالمشاركة أن الكادر الاتحادي يكون اكثر تألقاً عندما يلتحق بالحكومة بعكس التواجد في المعارضة التي تضعف الحزب وتخصم من رصيده الجماهيري. ويرى القيادي بالحزب الاتحادي علي السيد أن هناك تيار داخل حزبه يرفض الاستمرارية في الحكومة الجديدة والانضمام إلى القوى المعارضة بصورة أكثر فاعلية وقال ل (الأحداث) أمس بأن هناك تيار يتمنى أن يشمل المشاركين من الحزب التقليص النهائي حتى لا نخدع أنفسنا بأمر المشاركة. فيما امتدح الناطق المتحدث الرسمي باسم المؤتمر الوطني بدر الدين أحمد ابراهيم استمرارية الحزب الاتحادي الديمقراطية الاصل في حكومة القاعدة العريضة وقال ل (الأحداث) إن مشاركة الاصل في الحكومة الحالية جاءت بفاعلية منتهية النظير وان هذا الوضع جاء نتيجة الاتفاق على الثوابت الوطنية التي اتفق عليها الحزبان قبل مشاركة الأصل في الحكومة الحالية. واتهم بدر الدين القوى المعارضة بالسعي للاستفادة من نسف هذا الاتفاق على الثوابت الوطنية حتى تتمكن عبر الأجندة الأجنبية من إسقاط الحكومة. وأشار بدر إلى عدم تمكن المعارضة من إخراج الحزب الاتحادي من الحكومة التي ستأتي لاحقاً.