تلك مقالة كتبتها في أخريات أيام الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، واعيد نشرها والأنباء ترد عن موته سريرياً بعد الحكم عليه بالسجن مدى الحياة. لم يحسب الفرعون أن شتاءه قادم بصقيعه وزمهرير رياحه، وأنه بلا ثوب يقيه شر البرد. ظل نائماً متوسداً يده كما يفعل البطريرك، معتمداً على تقارير مخابراته بأن «كل شيء تمام» والشعب يريد بقاء النظام. هذا ما كشفته الانتخابات الأخيرة على الأقل أكثر من تسعين في المائة من الشعب صوتوا لصالح الحزب الحاكم، وتحكموا في مجلسي الشعب والشورى كعادة النظم البوليسية التي تحاول أن تلوي عنق كل الحقائق. زورا الانتخابات ليقولوا إن تسعيناً في المائة من الشعب معهم، كما كل الدكتاتوريين الطغاة. اكتشف فرعون مصر في شتائه الأخير أنه أعزل، فصار أكثر تشبثاً بالحكم. لم يكتف ببقائه لثلاثين عاماً جاثماً على صدر شعبه، بل يريد البقاء حتى سبتمبر، وبدا مثل رجل لم تكتمل لذته وهو يخاطب الشعب متوسلاً وراجياً البقاء لسبعة أشهر فقط ويغادر بعدها، فهو كما زعم لا يرغب في إعادة ترشيح نفسه مرة اخرى. وبدا مثل البطريرك في خريفه حيث كان يأمر أن تؤخر ساعة الحائط، عليها ألا تعلن منتصف النهار في منتصف النهار حتى تبدو الحياة أطول وتؤخر الساعة بدون لحظة تردد بدون توقف عدا ساعة الموت، كان من الصعب التسليم بان ذلك الشيخ الذي لايمكن إصلاحه هو بقية إنسان، كانت سلطته من القوة بحيث سأل ذات يوم كم الساعة الآن، أجابوه - الساعة التي تريدها سيدي الجنرال. ظن نفسه محصناً بجنوده وأمنه واحتياطيه المركزي (هكذا هم يظنون دائماً)، وظن أن هؤلاء هم الشعب، كان وقتها الشعب يعاني الأمرين منهم يعذب ويهان وتمتهن كرامته بواسطة هؤلاء. ظن ومعه جنده أنهم زرعوا الخوف بما يكفي لكي لا يرفع الشعب هناك رأسه، ويقول لا للظلم لا للفقر لا للجوع، إلى أن إنطلق الشعار الجبار مدوياً «الشعب يريد اسقاط النظام. لكنه الشتاء حيث الفرعون ينعم بالدفء ويخبره مخبريه أن « كل شيء تمام»، فهؤلاء الذين ينادون بإسقاط النظام مجرد رجرجة ودهماء لا يستطيعون ان يسقطوا شجرة. لكنها لم تكن سوى إرادة شعب أراد الحياة. وكما نبي الله سليمان كان يحتاج إلى دابة الأرض ليكتشف الجن أنه مات، بعد أن قتل جنود الفرعون من قتلوا وسجنوا من سجنوا وعذبوا من عذبوا. بطريرك ماركيز مات وجاء في روياته « انقضت العقبان على شرفات القصر الرئاسي خلال نهاية الأسبوع، فحطمت شباك النوافذ المعدنية بضربات مناقيرها، وحركت الزمن الراكد في الداخل برفيف أجنحتها، ومع بزوغ شمس يوم الاثنين استيقظت المدينة من سبات قرون عديدة على نسمة رقيقة ودافئة، نسمة ميت عظيم ورفعة متعفنة، عندئذ فقط تجرأنا على الدخول دون مناطحة الجدران الحصينة المنزوعة الملاط، شاهدنا مركز الحراسة تعمه الفوضى بعد هرب الحراس. والأسلحة المهجورة في الخزائن، دفعنا بابا جانبيا ينفتح على مكتب مخفي في الجدار، وهناك رأيناه، هو ببذلته الكتانية الخالية من الشارات، ولفافات ساقيه ومهمازه الذهبي على الكاحل الأيسر، كان أكبر سناً من كل الرجال ومن كل الحيوانات القديمة في الأرض وفي الماء، كان ممددا على الأرض وساعده الأيمن منثنياً تحت رأسه على هيئة وسادة مثلما تعود أن ينام كل ليالي حياته الطويلة.أدركنا أن من المستحيل علينا التعرف إليه حتى وإن لم تكن العقبان قد نقرت وجهه، ذلك إن أحداً منا لم يسبق له أن رآه قط.» هكذا انتهى البطريرك في خريفه، وانتهى فرعون مصر في شتائه، وكلنا شاهدنا نهايته على شاشات الفضائيات، وحان الآن اقتراب الصيف، إذ لا ربيع يمر على سمائنا، صيف سيشهد نهاية دكتاتور آخر فقد عاش البطريرك مابين 107 الى232 عاما انه نموذج 14 جنرالاً تعاقبوا على السلطة هناك.