تمر هذه الأيام الذكرى الخامسة لرحيل أحد عمالقة الغناء السوداني الفنان الراحل عثمان حسين الذي رحل عن هذه الفانية في السادس من شهر يونيو 2008م بعد رحلة فنية طويلة قدم من خلالها أعمالاً غنائية كبيرة نالت مساحة واسعة من الانتشار والقبول الكبير لدى محبي الغناء السوداني لا تزال تردد في المنتديات والمراكز الثقافية والفنية, ونتناول هنا ومضات من رحلة إبداعية امتدت لسنوات. النشأة والميلاد عثمان حسين محمد التوم الذي اشتهر بين الناس بالفنان عثمان حسين، ولد في قرية «مقاشي» في أقصى شمال السودان، والدته فاطمة الحسن كرار، بدأ مراحل التعليم مثله مثل بقية أقرانه في ذلك الوقت بدراسته في خلوة الشيخ محمد احمد ود الفقير، وكان عمره آنذاك خمسة أعوام، إلا أن انتقاله مع أسرته إلى العاصمة الخرطوم، حيث يعمل والده في مصلحة الزراعة جعله يترك الخلوة بعد أن قضى بها عامين, ليلتحق بخلوة الشيخ محمد أحمد بعد أن استقرت الأسرة بحي ديم التعايشة، ثم بعد عام ونصف العام التحق بمدرسة الديم شرق الأولية التي أكمل فيها سنوات دراسته الأولى، لكنه لم يوفق في الدخول إلى المدارس الوسطى ليبعثه والده لتعلم صنعة يتكسب منها عيشاً، فاتجه لتعلم حياكة الملابس «الخياطة» في دكان محمد صالح زهري باشا جوار نادي العمال الموجود حالياً في وسط الخرطوم. من الخياطة إلى الغناء ويبدو أن نغمات مكنة الخياطة لامست في روح عثمان حسين نغمات إبداعية، وبدأ حبه للفن يظهر من خلال مروره المتكرر بمقهى العيلفون ليستمع هنالك للأغنيات التي ظهرت حينها لكروان السودان كرومة، ومحمد أحمد سرور، وخليل فرح التي كانت تذاع عبر راديو المقهى والاسطوانات. انتقال أسرة عثمان حسين إلى حي السجانة كان له أثر كبير في تغير حياته، إذ لاقى هنالك الفنان الراحل أحمد المصطفى وعدداً من المثقفين والموسيقيين بذاك الحي العريق ليرسل من تلك البقعة أولى نغماته على آلة العود, ولم يكتفِ بالاستماع إلى سرور وكرومة وأحمد المصطفى، بل وموسيقى وألحان الفنان المصري محمد عبد الوهاب، وبدأ الاستماع إليها عبر الاسطوانات والأغنيات التي كانت تقدم في الأفلام المصرية, ليجيد بعد ذلك العزف على العود مع صديقه ورفيق دربه الفنان عبد الحميد يوسف. دخوله الإذاعة كان شقيقه طه حسين يعمل في مطبعة (ماركوديل) ومجلة الإذاعة هنا أم درمان، فالتقى بمدير الإذاعة في ذاك الزمان متولي عيد، فعرض عليه الاستماع لصوت عثمان, فدخل الإذاعة ليجيز صوته في اللجنة المكونة من الأساتذة فوراوي، وسعد الدين فوزي، متولي عيد، حلمي إبراهيم، أبوعاقلة يوسف، ومحمد عبد الرحمن الخانجي. فقدم لهم أغنية (اذكريني يا حمامة)، ووجد الإشادة من الجميع بصوته، ولكنه خاض التجربة مجدداً عبر لحن خاص به كأول عمل له، وهي أغنية (حارم وصلي مالك يا المفرد كمالك). توالت بعد ذلك أعمال عثمان حسين الغنائية مثل (اللقاء الأول, وشجن, الدرب الأخضر, لا وحبك, الفراش الحائر..) وغيرها من الأغنيات, وتعاون مع مجموعة من الشعراء أمثال السر دوليب, قرشي محمد حسين, عوض أحمد الخليفة, محمد يوسف موسى وقائمة أخرى من الشعراء, وشكل ثنائية مشهورة مع الشاعر حسين بازرعة أفرزت مجموعة من الأغنيات المتميزة والجميلة.