فضولنا يدفعنا الى إمعان النظر داخل كل زجاج مظلل - ولو لمكتب - وأن نشاهد ما الذي يجري خلف مظلل الأبواب والزجاج؟ ولمّا صنع التظليل في أساسه لعدم التمكين من الرؤية المتطفلة للعربة المظللة، فإنه خيالك فقط ما يتمكن من النظر الى ما يراد تظليله وعدم رؤيته للناس! والشارع العريض جنوبالخرطوم وجوار طلمبة الغالي الشهيرة يكتظ بالمظلّلين الذين يعملون في تظليل العربات والمظلّلين الذي يركبون مظلل العربات، يغلقون عبر ورق التظليل فتحات النظر كلها من خلف وجانبي السيارة ويبتعدون الى أكثر من ذلك بخيال إجرامي في تظليل نصف المساحة الأمامية التي تمكن السائق من مشاهدة الشارع وتأمين سلامته المرورية حتى لا يتطفل مواطن لرؤية ما يحدث بعد التظليل! يردون على سؤال ما الجدوى من التظليل بقولهم (سيدها داير كده) ولا قانون يمنع حصول محلات السيارات على ورق التظليل أو ممارسته علنا على شارع رئيسي غير متوفرة فيه خصوصية منع النظر أبداً ! فمع أن إدارة المرورالموقرة تمنع قانونياً - سيدها الداير- التظليل منه وتوقف عبر دراجاتها النارية وسياراتها المشتعلة بالصافرات كل عربة مظللة، لكنه كذلك تمنحه الإذن بالمرور اذا كان هناك تصديق للتظليل! وغالب التصاديق الرسمية تخرج للمسؤولين من رجالات الدولة دون نسائها فالدستوريات منظورات للجميع ولا يخفين شيئا داخل سياراتهنّ الخاصة والعامة- وهذه حقيقة مرورية!- أو من ينوب ويقترب من أولئك المسؤولين كحالة من فرد وفرض الخصوصية على شخص انتخب للناس وحوائجهم من حاجة النظر اليه وحتى الحوجة الماسة للوصول اليه.. ويكررون جملة متوفرة جدا على المحلات التجارية للذوق العام (الناس بيزعجونا بالسلام والسؤال والكلام ونحنا بشر بنحتاج لزمن خاص بينا!) والخاص كما نشاهده في سيارات المشاهير في العالم العربي والأجنبي فإن التظليل يكون في المرور الرسمي أوان المناسبات الرسمية أو السيارات المؤجرة. أما في الحياة العادية والعامة فإنهم يقومون باحترام قوانين السير والمرور بعدم تظليل سيارات العامة من الناس لأي داع، ومهما بلغت درجة الشخصية من الأهمية فهو من عامة الناس مادام لا يخدم سوى أغراضه الذاتية! وبما أننا في دولة من العالم الثالث وأفريقية وخصوصاً سودانية فإن نسبة حصول الفرد على الشهرة قليلة جداً وغير مزعجة إذا توفرت، فلا تلاحق المشهور كاميرات المصورين للحصول على فضيحة مثلا أو صورة مميزة لأسرته، ولا تحاول جماعات غريبة اغتياله أو تصفيته ولا يباريه الناس بأوراق وظائفهم ومطالباتهم للإمضاء عليها ولايحزنون . إنما هي مجرد موضة متكررة بين المظللين، فاذا ظلل فلان زجاجه ظللت مراياتي حتى! ورجال المرور لهم بالتصديق سهل الحصول عليه إذا كان لديك – بالتأكيد - قريب مظلل مسؤول.. إن مسؤولية احترام القوانين المرورية لا علاقة لها أبدا بالرجال ومواقعهم الدستورية أو غيرها إنما له علاقة متصلة ومتواصلة بمدى تطورنا واحترامنا لأنفسنا ووظائفنا، فما جدوى خروجك مظللا مكيفا لتمنح الشعب المكشوف النظر والجلد والحرّ حقوقهم كدستوري لم يؤد واجبه بكشف النظر والشوف على الناس؟ ما داعي أن يستخدم فلان ما سلطته للحصول على تصديق تظليل لقريب يمكن أن تكون مآربه التظللية غير الحفاظ على خصوصية نظر بل تتعداها لاى خصوصية مكان وزمان، والشاهد على ذلك أن بلاغات السيارات المظللة المتلبسة بأفعال فاضحة ومواقف مخلّة بالمرور والآداب والأعراف لا تحصى ولا تعدّ , فيقع المسؤول والقريب والتصديق في شر التظليل! وفي ساعة نهارية شرعت إدارة مرور أم درمانية بتمزيق ورق الليل الأسود من السيارات الفخمة والمكيفة والمسؤولة دون النظر الى تصديق أو تظليل فقط لأن المسألة زادت عن حدها.. وأصبح الشارع كله مظللا لا يستطيع رجل المرور مشاهدة السائق والمجاور له والراكب، ولأنه أمنياً ولسلامة مظلله غير واق من شرور الطريق بمدى الرؤية من أمامه ومن خلفه الخ... إن مدى الخصوصية المتوفر للمسؤولين في السودان غير موجود في كافة البلدان هذا اذا كانت المسألة خصوصية وقت طبيعي كحق دستوري للفرد الموظف في الدولة لقضاء حوائج الناس، بجانب أن الشخصية السودانية بكل مساوئها تحترم للمشهور زمانه وتفرد له مساحة مزعجة حتى من الخصوصية - نشاهدها في بيوت الأتراح والأفراح - ولا تقبل أن تهدر كرامتها بالسلام على مشهور لن يرد بأفضل منه! لهذا دائما ما تجد مشهورا يمشي بين الناس ولا يجيب خبره أحد، دعك من مسألة ركوبه سيارة مظللة! لقد عاد التظليل مرة أخرى ليصبح قضية من لا شيء، فأما أن تمنع إدارة المرور التصديق تماما ولأي فرد بلا خصوصية عمل، فحالة وجود ثغرة تفضيل تظليل على آخر ستبدأ الأسئلة الفرضية - أشمعنى فلان ؟ وليه ما أنا؟- وستدخل الواسطات السودانية الشهيرة والتلفونات من المهمين لمنح تصديق لود فلان وعلان، فتعود السيارات مدللة ومظللة تخفي أكثر مما تعلن، ونعود نحن لخاصية الحقد الطبقي بمحاولات خيالنا العابر للزجاج بتظليله مساحة الشوف العاري لما خلف التظليل!