سياسة الأذى المتبادل التي انتهجها القادة الأفارقة ضد بعضهم البعض، مثلت قمة التآمر والكيد السياسي، هذه السياسة هي التي أقعدت القارة الأفريقية وجعلتها تعيش حياة القرون الوسطى، وكبلت خطاها نحو التنمية والتقدم والحضارة، وتحقيق الرفاهية والأمن والاستقرار لشعوب القارة. تركز اهتمام الحكام على تثبيت أركان أنظمة حكمهم والحفاظ على كراسي السلطة، ولم يولوا التنمية والخدمات أي اهتمام، وقد ساعد ذلك على انتشار واتساع دائرة الفقر والجهل، وتفشي الأمراض المستوطنة، حتى أصبحت أفريقيا أكثر القارات تخلفاً وتمزقاً وخراباً ودماراً، نتيجة للصراعات حول السلطة، والحروب الأهلية التي تغذيها التدخلات الخارجية، حيث أصبحت أفريقيا مسرحاً لصراعات الدول العظمى. لقد ساعد ضعف الوعي الاجتماعي وسيطرة النظام القبلي والأهلي وتحكمه في حياة الشعوب الأفريقية، على الوضع المتردي في القارة الأفريقية. الحروب الأهلية الداخلية والحروب الحدودية والإقليمية بين دول القارة كانت لها انعكاساتها الكارثية، حيث الإبادة الجماعية كما حدث بين التوتسي والهوتو، كما أدت تلك الحروب إلى حالات كثيرة من النزوح واللجوء طلباً للأمن، ونجمت عن ذلك ظروف مأساوية ووضع إنساني متأزم قاد إلى تدخل المنظمات الدولية التي هي في حقيقتها عناصر استخبارية، هذا بالإضافة إلى قوات حفظ السلام الدولية وإقامة القواعد العسكرية الأجنبية، وهذا يعني عودة الاستعمار مرة أخرى لأفريقيا عن طريق رابطة الكومنولث، ورابطة الفرانكفونية، حيث ما زال الاستعمار البريطاني والاستعمار الفرنسي يسيطران على مستعمراتهما القديمة بالقارة عن طريق هذه الروابط، وعن طريق السيطرة الاقتصادية والثقافية والقواعد العسكرية. ومؤخراً بدأ النفوذ الأمريكي في التغلغل في القارة بقصد نهب ثرواتها، وهكذا ظل الاستعمار الاقتصادي والثقافي مستمراً بالقارة إلى يومنا هذا، عن طريق سيطرة المنظمات الأجنبية والاستثمارات الخارجية وتقديم الإعانات والمعونات والمساعدات الفنية وبيوت الخبرة الأجنبية. يمثل الاتحاد الأفريقي الوليد بادرة أمل للإرادة الأفريقية الحرة الساعية بقوة لنهضة القارة الأفريقية والخروج بها من كبوتها، حيث بدأت العافية تدب في الجسم الأفريقي المريض عن طريق النجاحات السياسية التي حققها الاتحاد الأفريقي، وكمثال لذلك فك الحصار السياسي والاقتصادي الذي كان مفروضاً على ليبيا، والموقف المشرف من قرارات المحكمة الجنائية الدولية، هذا بالإضافة إلى المجهودات الكبيرة التي يبذلها من أجل تحقيق الأمن والاستقرار في الصومال، وجهوده المقدرة في إعادة الأمن والاستقرار بدارفور. أفريقيا بموقعها الجغرافي المتميز وثرواتها ومواردها الضخمة التي لم تستغل بعد أصبحت منطقة اهتمام ونفوذ لصراعات الدول العظمى. هذه الهجمة الأجنبية الكبيرة لا يمكن مواجهتها إلا عن طريق التعاون والتكامل وتنسيق الجهود بين كل دول القارة، ويعتبر الأمن الإقليمي مخرجاً لأفريقيا من كبوتها، والمفتاح السحري لتحقيق الأمن الإقليمي الذي تمثله التنمية. عرف وزير الدفاع الامريكي الاسبق روبرت ماكنمارا الأمن بأنه هو (التنمية)، حيث يرى أن القوة العسكرية لوحدها غير كافية لتحقيق هذه الغاية، والتنمية المقصودة هنا تعني التنمية الشاملة بمفهومها الواسع الذي يشمل التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. يتمثل أساس الأمن في بناء اجتماعي مستقر، لقد كان الإسلام سابقاً في هذا المجال، حيث وعى للاهتمام بالمفهوم الاجتماعي للأمن، ونادى بالعدالة والمساواة والتضامن والتعاون والتكافل الاجتماعي بين أجزاء المجتمع بهدف استقراره. لقد أثرت الحروب الأفريقية على التعاون الإقليمي الذي يعتبر مرتكزاً أساسياً مهماً في السياسة الخارجية لكل دولة، حيث أن التعاون الإقليمي الجماعي يحقق المصالح المشتركة للجميع، وتقود هذه المصالح المشتركة لعقد اتفاقيات سياسية وأمنية من أجل الحفاظ عليها وتطويرها. السودان يعتبر رائداً في مجال التعاون العربي الأفريقي كتعاون إستراتيجي، وإن موقع السودان في قلب القارة الأفريقية يؤهله للقيام بهذا الدور، ومتى ما نجح السودان في تحقيق ذلك فإنه سوف يصبح الدولة المحورية الأولى في محيطه العربي والأفريقي، الخطوات التي اتبعها السودان في مجال تطوير علاقاته مع الجارة إثيوبيا والجارة تشاد تعتبر دبلوماسية ذكية تسير في الاتجاه الصحيح لما ينبغي أن تكون عليه علاقات حسن الجوار، وكم يكون جميلاً إذا ما اتبع السودان هذا النهج مع كل الدول التي تقع في نطاق أمنه المباشر. إن التسوية الإقليمية لكل قضايا القارة الأفريقية التي يتم فيها الاعتراف من الجميع وتأكيد أهمية الهويات المحلية والحفاظ عليها وتشجيعها، مع التأكيد على أهمية الحفاظ على وحدة الأرض لكل دول القارة كما هي موجودة الآن، مع التوزيع العادل والمتساوي لكل الموارد والثروات المشتركة خاصة موارد المياه والمعادن الطبيعية، والإدارة الجماعية المشتركة لهذه الموارد من أجل مصلحة الجميع عن طريق تكامل اقتصادي، يعتبر كل ذلك ضرورة تتطلبها المرحلة الراهنة. لا شك أن تحقيق المصالح الاقتصادية سيقود إلى عقد اتفاقيات سياسية وأمنية من أجل الحفاظ على هذه المصالح وتطويرها، وسيؤدي ذلك إلى تعزيز الروابط الإقليمية عن طريق تنشيط عمل اللجان الوزارية المشتركة، وسيقود كل ذلك إلى تحقيق الأمن الإقليمي لكل دول القارة الأفريقية. وبالله التوفيق فريق أول ركن - زمالة كلية الدفاع الوطني أكاديمية نميري العسكرية العليا