حالة من المرارة في حلوق شبابنا ومردها ضعف فرص العمل وانتشار الوساطة والمحسوبية بين مختلف القطاعات في بلادنا، المتأمل في خريطة العمل يعجب لهذه العشوائية المتلازمة ما بين فرص العمل المتاحة وما تفرزه الجامعات سنوياً من خريجين، وهي متلازمة غير متناسقة أوجدت مظاهر اجتماعية سلبية أقعدت بالشباب بل رمت بهم في مستنقعات الضياع والوهم بما أشاعته فيهم من روح اليأس والعزوف عن العمل وغرست فيهم اعتقاداً قوياً بأن الشهادة الجامعية لا توفر لهم فرص عمل جديدة إلا لمن لديه وساطة أو يتمتع بصلة قربى ذات صلات قوية. فالوساطة تضيع الحق وتظلم المستحق، بل هي اغتصاب فعلي لحقوق الآخرين الذين لا يتمتعون بصلات مع أحد الكبار تمكنهم من الحصول على حقوقهم المسلوبة، ولو كانوا أحق من الذين سلبوهم، بسبب هذا الطاعون الاجتماعي الذي يعمل على تهميش صاحب الخبرات ويجعل الإنسان المتفوق مصاباً بالإحباط وخيبة الأمل، ولخطورة الوساطة وإفسادها للمجتمع فإن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أبان في حديث له أن انتشار الوساطة من علامات الساعة «إذا وسد الأمر لغير أهله فانتظروا الساعة». للأسف الشديد افتقد مجتمعنا العدالة بانتشار المحسوبية وتفشي الوساطة، فأطاحت بأحلام الشباب وقتلت الفرحة في قلوب الكثيرين من الخريجين الذين كانوا يعدون الأيام ويسهرون الليالي ليحصلوا على درجات علمية تؤهلهم للانخراط في المجتمع والمساهمة في بناء الأمة وفق أسس عملية مفعمين بروح الشباب ومقدرتهم على إحداث التغيير والتطوير في أساليب العمل حسب الاحتياج، ولكن سرعان ما يتم وأد هذه الأحلام عندما يصطدمون بمانع كبير اسمه الوساطة، تغتال تلك الأحلام ويتحول الشباب الطموح إلى عالة اجتماعية يصعب معالجتها، والغريب أنه حتى المشاريع الاقتصادية للقطاع الخاص تلعب الوساطة دوراً مهماً إلى حد بعيد، ومن البديهي أن عدم العدالة في الوطن الواحد تؤدي إلى إحساس بالظلم وبالحرمان مما يجعل الوساطة والمحسوبية آفة اجتماعية تنخر في بنيان المجتمع، بل تؤدي إلى فقدان الأمل في تحقيق أي نجاح اجتماعي وتصيب الأمة بالإحباط واليأس كما أنها تضيع كفاءات ومهارات نحن في أشد الحاجة إليها. كثير من الممارسات الحكومية وكثير من سلوكيات مسؤولي الدولة أصحاب النفوذ يشجعون هذه الظاهرة بل ويفضلون التعامل بها على حساب المستحق الحقيقي لدرجة أن من يظفر هذه الأيام بوظيفة ليس هو المتعلم أو المثقف ولا الموهوب ولكن من لديه ظهر يستطيع الاتكاء عليه، وتلك مصيبتنا لأنها تضرب كفاءات حقيقية في الصميم، فليس كل شخص لديه وساطة وليس كل شخص مستعد للتعامل مع الوساطة. إن انتشار الوساطة من أهم أسباب انتشار الأمراض النفسية بين أفراد المجتمع، بل أنها تهدد شبابنا وتجعلهم ينصرفون إلى ممارسات أكثر ضرراً كالمخدرات والمشروبات الروحية وتفشي الجريمة بسبب الحقد على المجتمع الذي رفضه، وهذا السلوك إفراز طبيعي للإحساس بالظلم والعجز والإحباط. نحن في حاجة ماسة لإرساء قيم المنافسة الرشيدة، وزرع الثقة في نفوس الشباب، وهذا لن يتأتى إلا بحملات إعلامية ودينية منظمة ترمي إلى نشر الفضيلة والأخلاقيات السوية وتجريم كل من يمارس الوساطة والمحاباة مهما كان شأنه ومهما كانت مكانته لذا يجب أن نعمل على محاربة هذه الظاهرة المفسدة للمجتمع ونقيم العدل بين أفراده حتى نستطيع أن ننهض بمجتمعنا وتقدمه لذا تجدنا في أشد الحاجة إلى إيجاد هيئات تعمل لمكافحة هذه الظواهر وتكافح الفساد بكل ألوانه، ولا بد من فرض رقابة صارمة ووضع إجراءات وتدابير عملية قادرة على بتر هذا النوع من الفساد المعروف باسم المحسوبية الذي يعد موروثاً اجتماعياً متعارفاً عليه خاصة وأن تفشي مثل هذا السلوك يثير السخط والغضب على الوضع السياسي في الدولة ويقلق مضجع الأمن بل ويمكن أن يكون باباً للفتنة والصراع مع السلطة. رأس الخيمة