(العنف الأسري) شبح يهدد المجتمع ويبدد أحلام كل الأسر السعيدة ويحولها الى جحيم لايطاق. ويعتبر من الظواهر الخطيرة التي باتت تغزو المجتمعات الحديثة، نتيجة الخلافات التي تقع بين الزوجين أو الآباء والأبناء، لما يسببه من تفكك أسري وتفشي العديد من الظواهر السالبة في المجتمع والذي يقود لانحراف الأبناء. ويشكل الفقر والضغوط الاقتصادية عاملاً أساسياً في هدم البناء الأسري والبنية التحتية للمجتمع التي تعتبر المقوم الرئيس للأسرة.. تلك المحاور كانوا حضور الندوة التي نظمها مركز التنوير المعرفي مطلع الأسبوع تحت عنوان (العنف الأسري.. الأسباب والدوافع). لفتت الباحثة الاجتماعية انتصار أحمد عبد الحميد إلى أن العنف الأسري هو سلوك عملي عدواني يقوم به الانسان ليلحق به ضرراً مادياً أو معنوياً بمن يقع عليه هذا السلوك، مشيرة إلى أن ظاهرة (العنف) يعود تاريخيها الى أمد بعيد، منذ مقتل هابيل لأخيه قابيل، مؤكدة وجود العنف في معظم المجتمعات البدائية والمتحضرة والغنية والفقيرة، كل على حده. وعن أنواع العنف أجابت انتصار بأنه هناك عنف مادي كالضرر الجسدي الذي يلحق الانسان نتجية الضرب، قائلة إن الدين الاسلامي يدعو للتسماح كقوله تعالى (ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين). وأضافت انتصار إن ظاهرة العنف والتغير الاجتماعي تنعكس سلبا وايجابا من حيث الشكل والمضمون على المكونات الذاتية، مؤكدة سيادة الثقافية الذكورية في مجتمعنا السوداني بأنها السبب الرئيس لتوالد العنف بالمجتمع، مشيرة إلى أن ما يلفت الانتباه في أغلب البحوث المعنية بقضايا (العنف الأسري) هو وبالإجماع في الغالب ما يقوم به الرجال والشباب (الذكور) ضد المرأة، مؤكدة وجوب تصحيح مفهوم القوامة بالنسبة للعنصر الذكوري. وقالت انتصار أحمد الإدراك الخاطئ لمفهوم القوامة وقاعدة قوامة الرجال على النساء لقد ساهم في انتشار الظاهرة، من خلال التداعيات السلبية الضارة بالمرأة بشكل عام وكذلك من خلال ما تكرسه تلك الثقافة، بالاضافة للعديد من الممارسات والأعراف الاجتماعية والتقاليد الموروثة، التي تؤكد أهمية المولود الذكر على الانثى، مطالبة بضرورة إيقاف العنف ضد المرأة والأطفال والأبناء، محذرةً من اتباع اسلوب الضرب للمرأة، مضيفة أن القاعدة في التعامل في الاسلام مبنية على الرفق باالمرأة والأولاد والبنات مستدلة بقول الرسول (ص) «أحسن الناس إيماناً أحسنهم خلقا وألطفهم بأهله وأنا ألطفكم بأهلي»، وأوضحت أن الدوافع التي تؤدي للعنف كثيره وعادةً تأتي كتعبير عن حالة ضيق أو استياء، مبينةً أن السيطرة والتأثير يستخدمان كوسيلة للسيطرة على شخص آخر للثأر أوالانتقام، قائلة إنه بالرغم من أن (العنف) يحدث في جميع الطبقات الاجتماعية إلا أن كثيرا من الدراسات تربطه بوجود الفقر كما ورد في الدراسات التي أعدها د. عوض محمد أحمد عام 2009 عن العنف الأسري في السودان.. أنماطه وأسبابه، حيث قال د. عوض إن الفقر وما يرفقه من الشعور باليأس والاحباط يزيدان من وتيرة المشاحنات الزوجية، كما يزيد من شعور المرأة بالمهانة، وقالت إنتصار إن العنف يودي الى تفكك الروابط الأسرية وانعدام الثقة الاحساس وربما نصل إلى درجة التلاشي بين أفراد الأسرة الواحدة. تناول القاضي بالمحكمة العليا إبراهيم أحمد عثمان مفهوم القوامة، مبينا أن الواقع المعاش (العنف) ناتج عن المفهوم الخاطئ لما ورد في الكتاب والسنة وزاد الآية والحديث قوله تعالى»الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء» [النساء: من الآية34] إن المقصود بالقوامة لقيِّم هو السيد, وسائس الأمر وقيِّم القوم: هو الذي يقوّمهم ويسوس أمورهم وقيِّم المرأة: زوجها أو وليها، لأنه يقوم بأمرها وما تحتاج. الرجال متكفلون بأمور النساء معنيون بشؤونهن والمقصود إذًا بقوامية الرجل على زوجته: قيامُه عليها بالتدبير والحفظ والصيانة والنفقة. وقال مولانا إبراهيم ليست القوامة كما يُشاع عنها من أنها أمر ونهي وزجر وتأديب وممارسة للسلطة الذكورية على المرأة كما يدعي بعض جُهال زمننا. إنما الاهتمام بأمرها كله والنظر فيما يعنيها ويهمها من أمورها الحياتية والانفاق عليها ورعايتها والقيام على أمرها في حلها وترحالها وصيانتها وحمايتها إن قُصدت بسوء، ورد الاعتداء الواقع عليها حتى تكون عزيزة كريمة ولا تكون مبتذلة، ويُلقى على ولي أمرها أبا أو أخا أو عما أو زوجا تبعات إضافية قد ينوء كاهله عن حملها وذلك لأنه زيادة أعباء إضافية على أعباء الرجل الحياتية، وكأن الإسلام أراد أن يتحمل الرجل مسئولية أمرها حتى لا تضيع في هذه الحياة. وفي ختام الندوة اجمع المشاركين بوجود ظاهرة العنف الأسري نتجية للدوافع الاقتصادية وتفريغ شحنات اليأس والخيبة والفقر والبطالة، هذا بجانب العجز عن مجاراة المحيط الاجتماعي والاقتصادي والدوافع الذاتية كالغضب والدوافع الاجتماعية الناتجة عن العادات والتقاليد المقدسة لقيم الرجولة، وأوصى المتحدثون بضرورة الوعظ والارشاد الديني من أجل حماية المجتمع من مشاكل العنف الأسري، هذا بجانب إشاعة أهمية التراحم والترابط الأسري ونشر الوعي الأسري بأهمية التوافق والتفاهم بين الوالدين ودورهم في قيادة الأسرة، والعمل على تحسين الظروف المعيشية للأسرة كافة، وتوفير فرص العمل للشباب، بالاضافة لتقديم الاستشارات النفسية والاجتماعية للأسرة والأفراد الذين ينتمون إلى الأسرة التي ينشر بها العنف.