تتأهب البلاد بعد أقل من خمسة أشهر لإجراء عملية الاستفتاء لتقرير مصير الجنوب تنفيذاً لما ورد في اتفاقية السلام الشامل وتعتبر هذه المرة الأولى التي تقدم فيها البلاد على تنفيذ مثل هكذا خطوة ولهذا السبب حظي هذا الموضوع باهتمام استثنائي على المستويين المحلي والخارجي، أما عامة الناس فقد انتابتهم مشاعر الخوف من أن يقود هذا الاستفتاء إلى تمزيق البلاد إذا اختار الجنوبيون الانفصال. الأحزاب السياسية لم تكن غائبة عن هذا الحدث؛ حيث شهدت دُورها هذه الأيام حراكاً مستمراً لتقديم رؤيتها حول هذه القضية. الشريكان كذلك مشغولان بترتيب تفاصيل هذه العملية المعقدة من خلال مفوضية الاستفتاء التي استأنفت عملها في وقت متأخر واحتدمت بخلافات الشريكين حول بعض المناصب بجانب ما أُثير حول وجود تكتلات داخلها مرجعيتها شمال جنوب، جنوب شمال كما قال لنا رئيس مفوضية الاستفتاء محمد إبراهيم خليل الذي التقته «الأهرام اليوم» في حوار تناول مسار العمل داخل المفوضية، فماذا قال؟ بدايةً هل تمَّ الرد على المذكرة التي بعثتم بها إلى رئاسة الجمهورية بخصوص الزمن المحدد لعملية الاستفتاء؟ لم يتم الرد عليها. ألم تسألوا عن الأسباب التي أدت إلى تأخير الرد؟ ليس من اللياقة ملاحقة المذكرة التي بعثنا بها لرئاسة الجمهورية ومطالبتهم بالرد عليها. لماذا؟ لأنهم مدركون للمشكلة لذلك نحن لا نستطيع السؤال عن أسباب التأخير ولابد من وجود حديث بين الشريكين، كما أن هناك عدداً كبيراً من الناس مهتمون بمسألة الزمن، من بينهم المبعوث الأمريكي سكوت غرايشن الذي أبدى قلقه من مسألة الزمن، أيضاً الأممالمتحدة والاتحاد الأوروبي وكل الذين شهدوا توقيع اتفاقية السلام الشامل يهمهم تنفيذها والاستفتاء يعتبر آخر مراحلها لذلك يجد اهتماماً من السودانيين وغير السودانيين. إذن، تأجيل الاستفتاء متوقع؟ وسيتم اتخاذ قرار قريباً. بالتأجيل؟ لا ندري طبيعة هذا القرار لكن المشكلة المطروحة هي مشكلة الزمن والناس يتفاوضون حولها ويتناقشون ويتدارسون. بعض الجنوبيين اقترحوا تقليل سقوف المدة المحددة لكل إجراء، فما تعليقكم؟ هذا يتوقف على رأي المُشرِّع والمدة التي حددها القانون الذي من المؤكد لم يمددها اعتباطاً، والمدة التي حددها القانون، بعد نشر السجل الانتخابي الأول، قصيرة بطبيعة الحال، تتراوح بين أسبوع إلى عشرة أو خمسة عشر يوماً وهكذا، ويبدو من الصعب بمكان اختصارها؛ فمثلاً بعد نشر السجل يُعطى الناس فرصة أسبوع لتقديم الاعتراضات والمفوضية كذلك تحتاج إلى أيام حتى تتيح الفرصة لمن يريد الذهاب إلى المحكمة وأقصى مدة لتفصل المحاكم في الأمر نهائياً خمسة عشر يوماً وهذا يعني أن المدة ليست كبيرة. ماذا عن مدة الفترات الإجرائية؟ توجد مدة بعد تعديل السجل الأول ونشر السجل النهائي، هناك مدة ثلاثة أشهر وهذه أطول مدة، ويمكن النظر فيها إذا رأت الحكومة الاتحادية وحكومة الجنوب إمكانية تعديلها، لكن لابد من معرفة رأي المُشرِّع حول هذه المدة، هل وُضعت اعتباطاً أم لأغراض معينة؟ ماذا ترى أنت؟ لست أدري، أعتقد أن المُشرِّعين هم أدرى الناس بذلك لأنهم قدموها للبرلمان الذي قام بإجازتها، لكن أتصور أن غرض المُشرِّع من المدة بين السجل النهائي ويوم الانتخاب هو إعطاء فرصة للناس لتكثيف الحملات الدعائية والانتخابية والإرشادية وعادةً في الانتخابات العامة القانون يعطي فرصة للمرشحين مع الذين يصوِّتون حتى يوجهوا مجهوداتهم نحوهم من خلال تكثيف الحملات الانتخابية كذلك في موضوع الاستفتاء غرض المُشرِّع يكون هو إعطاء الفرصة للناس لتكثيف حملاتهم بعد معرفة السجل النهائي. هل تمَّ النظر إلى هذا المقترح بعين الاعتبار؟ هذا الأمر كما ذكرت متروك للحكومة بشقيها الاتحادي وحكومة الجنوب إذا أرادت أن تقلِّص من هذه المدة، وفي هذه الحالة ينبغي أن ننظر إلى أي مدى يمكن أن تنقص وهل القدر الذي انتقص يكفي لتعويض ما فات من وقت أم أنه لا يكفي؟ هذه مسائل قيد النظر وما علينا إلا أن ننتظر الرد. تناولت الصحف خبر الاختلاف حول منصب الأمين العام بين الشمال والجنوب، إلى أين وصلت هذه المشكلة؟ الصحف تصوِّر السبب هو الأمين العام وغيره. صحيح منصب الأمين العام مهم لأنه رئيس الأمانة العامة المسؤولة عن العمل الإداري والتنفيذي والمالي للمفوضية، فالمفوضية تضع القرارات العامة لكن التنفيذ تقوم به الأمانة العامة بموظفيها، هذا لا شك مهم لكن أهم من ذلك الاتجاه الذي خلق هذه المشكلة وهو اتجاه استقطابي تصادمي مرجعيته (شمال جنوب، جنوب شمال) وهذا ما رفضته وإذا لم يُعالج هذا الأمر، وقمنا بإيجاد حلول للمشكلة ستواجهنا مشكلة أخرى وعندئذٍ يكون من العبث أن نجد حلولاً لمشكلة لندخل في مشكلة أخرى. ما الحل برأيك؟ لابد من العودة إلى جذور المشكلة، وجذورها تتمثل في هذا الاتجاه الاستقطابي وأنا شخصياً اعترضت عليه. لم ترد على سؤالنا حول منصب الأمين العام، هل صحيح تمَّ حسم الأمر؟ في تقديري أن المشكلة التي تواجه مفوضية الاستفتاء ليست هي مشكلة منصب الأمين العام فقط، وإنما ظهرت هذه المشكلة نتيجة لوجود مشكلة كبرى كما ذكرت ممثلة في الاتجاه التصادمي الاستقطابي المستند في مرجعيته على النعرات الضيقة التي لا ترقى إلى مستوى العمل الذي كُلفت به المفوضية ولا مرحلة الاستفتاء التي يمر بها السودان لتقرير المصير، وأعتقد أنها أكبر من أن تُعالج بمثل هذا الاتجاه، هذه هي المشكلة ولا يمكن أن يسير العمل بصورة متَّسقة إذا لم تُحل. ما هي الخيارات المُتاحة للحل؟ أنا تقدمت بثلاثة مقترحات للرئاسة. حدثنا عن تفاصيل هذه المقترحات؟ لا أستطيع، ما أقوله هنا إنني قدمت مقترحات لحلول والرئاسة قد تكون لديها حلول أخرى، لا شأن لنا بها لكن حسب فهمي لأبعاد الموضوع قلت ما لم تُحل المشكلة وتوضع طريقة تمكّن الناس من الإقبال على العمل بروح قومية مجردة وموضوعية لا يمكن أن يسير بطريقة صحيحة طالما أن المجال مفتوح لمثل هذه المنطلقات والنعرات الضيقة. الجنوبيون الممثلون في المفوضية نفوا وجود مثل هذه الأشياء التي تحدثت عنها؟ ما سمعته أن بعض الناس قالوا إنها موجودة وآخرون مازالوا يهاجمون ويطالبون باستقالتي لذلك لا يمكن أن تقول إنها غير موجودة. بحسب ما نُشر في الإعلام فإن بعض الجنوبيين في المفوضية تبرأوا من ما نُشر حول العلاقة بينك وبينهم؟ صحيح هناك ناس نفوا صلتهم بهذا الأمر لكن واقع الحال يؤكد وجود مجموعة تطالب باستقالة رئيس المفوضية وطالما أن هذا الأمر موجود يصبح التعاون مستحيلاً. الأمين العام للحركة الشعبية، باقان أموم، وصف حديثك عن تقديم الاستقالة بالتهرب عن المسؤولية؟ أنا لم أستقل حتى الآن، وإذا قررت تقديم الاستقالة عندئذ لابد من مخاطبة الرأي العام لأنني المسؤول وقابل للمحاسبة وإذا استقلت ينبغى أن أوضح للناس أسبابها والأمر متروك للشعب أن يقرر، لا يقرر باقان أو غيره. هل ما زالت فكرة الاستقالة تراودك؟ لا داعي لاستباق الحوادث وأتمنى من كل قلبي أن يتم حل المشاكل على نحو يمكّن المفوضية من العمل بروح إخاء تتوفر فيها الثقة والموضوعية والوطنية لكن إذا استمرت الروح الصدامية، شمال ضد جنوب وجنوب ضد شمال، فهذا بالطبع لا يدفع المسائل للأمام ونسأل الله أن يتم حل المشكلة ولا أرى الآن داعياً الى الحديث عن الاستقالات فلا تستعجلي، إن غداً لناظره قريب. ماذا فعلت مفوضية الاستفتاء حتى الآن بالنسبة للمهام الموكلة لها؟ مفوضية الاستفتاء تمكّنت حتى الآن من ملء (54) منصباً من المناصب التي ينص عليها قانون الانتخابات وتشمل أربعة أعضاء ومكتب استفتاء الجنوب ورئيسه نائب رئيس المفوضية بحكم منصبه. كيف تمَّ اختياره؟ تعيينه لم يتم من قِبلنا وإنما تمَّ اختياره بحسب القانون وكان لابد للمفوضية من تعيين أربعة أعضاء ليكونوا مع نائب رئيس مفوضية جنوب السودان التي تعتبر أحد الجهازين التنفيذيين للمفوضية وجهاز عام يقوم بكل العمل في جنوب السودان. هل من بين هؤلاء شماليون؟ هؤلاء الأربعة كلهم جنوبيون، كذلك تقدّم لنا نائب الرئيس بأسماء لتسكينها في خانات اللجان العليا لأن القانون يتطلب إنشاء لجنة عليا في كل ولاية من ولايات جنوب السودان وستتفرَّع من اللجان العليا لجان فرعية ومهمة اللجان العليا الإشراف على عمل الانتخابات في كل ولاية وكل لجنة من هذه اللجان العشر مكونة من (5) أعضاء والعدد الكلي (50) عضواً وكانت الأسماء التي قُدمت لنا كلها جنوبية وتمَّت إجازتها من قبلنا وبلغ عدد المناصب (54) منصباً ليس فيها شمالي واحد. على أي أساس يستند الناس في هذه الاختيارات سواء شملت الشماليين أو الجنوبيين؟ القانون لا يتحدث عن جنوبي وشمالي وإنما يؤكد على أن العملية تهم الشمال والجنوب كذلك كان واضحاً من خلال اتفاقية السلام الشامل أن عملية الاستفتاء تهم الشمال والجنوب وترتبط بمصائر ملايين البشر بطبيعة الحال وإذا كانت المسألة تخص الجنوب فقط لتم تكوين المفوضية من الجنوبيين وهذا لم يرِد في القانون ولا روح الاتفاقية. ماهي التحوطات التي وضعتموها كمفوضية لضمان نزاهة الاستفتاء؟ نحن ملتزمون وأدينا القسم لقيام استفتاء حر ونزيه، ومعروف أن كل الذين تمَّ اختيارهم لهم خبرات وتجارب يمكن أن تؤدي الى استفتاء نزيه. رغم ذلك هناك بعض السياسيين أبدوا تخوفهم من حدوث مشاكل في الاستفتاء؟ كل ما في الأمر أن تتوفر الثقة في الأشخاص المعنيين بالمهمة بجانب المراقبين، وهناك عدد كبير من المراقبين قمنا بدعوتهم. مثل من؟ الأممالمتحدة والاتحاد الأوروبي وكارتر سنتر وإذا خلُصت النيات سيكون الاستفتاء حراً ونزيهاً مع ذلك لا يستطيع أحد الحديث عن ما يمكن أن يحدث. بعض السياسيين قالوا إن مفوضية الاستفتاء مشلولة وينبغي أن تكون تحت إدارة دولية مثلما الحال بالنسبة للإمام الصادق المهدي؟ هذا كلام غير صحيح، نحن على اتصال مستمر بالمنظمات الدولية وبيننا تنسيق تام وقدمنا لها الدعوات ورحبنا بالمراقبين. وفقاً لما نُشر هناك مشاكل بالنسبة للجنوبيين المقيمين في كندا في ما يخص عملية الاستفتاء، فما هي آلياتكم لحلها؟ حتى الآن ليس لدينا موظفون لذلك لا ندري ماذا سيحدث في كندا ومصر وبريطانيا وإثيوبيا وأستراليا وأمريكا وكينيا ولم تؤسس المفوضية أماكن لمباشرة العمل في المهجر. ماذا ستناقش المفوضية خلال زيارتها لجوبا مع حكومة الجنوب؟ كنت قد التقيت في وقت سابق بالنائب الأول لرئيس الجمهورية سلفاكير ميارديت ود. رياك مشار ودار بيننا حوار حول كل المشاكل المطروحة والآن أتطلع لاستمرار هذا الحوار حتى ننطلق قدماً. ماهي أجندة هذا الحوار؟ الحوار كان حول نهج العمل ومحاولة تجنُّب الصدام والنعرات القبلية بجانب مسألة الوقت المحدد لعملية الاستفتاء. ما تقييمكم لمجريات هذا الحوار؟ أستطيع أن أقول إنني وجدت تفهماً تاماً لما طرحته.