لو كان صويحبكم كاتب هذه السطور محظوظا، لكان رساما وليس صحفيا، فالصحافة لا تحيل أصحابها لمليارديرات، هذا إذا استثنينا حالات قليلة جدا، ليس لها أبدا .. مكان من الإعراب ! لكن الرسامين أصحاب شأن آخر، فالأبواب مفتوحة أمامهم ليكونوا من أصحاب الثروات العظيمة، وحتى لو لم يحظوا بالثراء في حياتهم، فإن احتمال (الترطيبة) لأبنائهم وأحفادهم وورثتهم .. يظل واردا . العالم كله تابع الأسبوع الماضي قصة اللوحة الثروة، تلك التي تم سرقتها من متحف (محمد محمود خليل) بالقاهرة، حيث أحدث الخبر زلزالا في الأوساط الثقافية والسياحية في مصر والعالم، وتم إعلان النبأ من خلال بيان رسمي وزعه مكتب الوزير الشهير فاروق حسني، لتتلقف كل أجهزة الإعلام الخبر، ولتقوم الدنيا وتقعد انفعالا به وبتداعياته. شخصيا .. لا أكترث للوحات الشهيرة التي ذاع صيتها، ففي كثير من الأحيان .. أجد رسومات لفنانين محليين مغمورين .. أجمل بكثير من تلك التي تباع في أفخم المزادات وأرقاها في العالم، لكن (تقييمي) ليس هو المحك، ولا أحد يكترث له، والدليل أن لوحة فان جوخ (زهرة الخشخاش) المسروقة .. تم تقييمها ب 55 مليون دولار ! أي والله العظيم .. 55 مليون دولار، وهو مبلغ لم يأت من فراغ، فهناك وسائل فنية لتقييم الأشياء، والمبلغ حسب الخبراء هو أقل تقدير للوحة الثمينة ! لا أعرف إن كان فان جوخ يعرف، أثناء رسمه للوحته، أنها ستصبح بخمسة وخمسين مليون دولار، وأنها ستكون مطمعا للصوص، حيث تعرضت من قبل للسرقة في ظروف غامضة، ثم عادت للظهور بعد عشر سنوات في ظروف أكثر غموضا. لكن الحيثيات تقول إن الفنان الهولندي لم يكن يتصور أبدا أن يحدث ما حدث، ولو كان يتصور أنها ستصبح بكل هذا المبلغ المهول، لغيّر رأيه، ولامتنع عن الموت انتحارا، حيث قتل نفسه بشكل مأساوي، وهو في السابعة والثلاثين من عمره، بعد إصابته بآفة عقلية لم يمكنه السيطرة عليها. الدنيا الآن مقلوبة على اللوحة، وهناك مسؤولون رفيعون في قطاع المتاحف المصري دخلوا الحراسات حبسا على ذمة التحقيق، وتم فرض إجراءات على المطارات منعا لتهريب اللوحة، كما تم إبلاغ الانتربول لمطاردة الجناة ومحاصرتهم .. كل هذا تم على الصعيد العام، أما على الصعيد الخاص، وهو صعيد صويحبكم، فقد وجدتني أعض أصابع الندم، وأتحسر على سنوات تسربت من العمر مهرا للكتابة، في حين أن الأذكياء اختاروا الرسم، ليس لأنه مهنة جميلة ومريحة للنفس فقط، ولكن لأنه مهنة تحمل الأمل، والحلم بالملايين، ولو بعد حين. يا لها من (دقسة) .. يا شاطرابي !