نيالا - عبد المنعم مادبو أخيراً دخلت حكومة جنوب دارفور إلى معسكر كلمة للنازحين. ويعتبر هذا الدخول بداية مرحلة جديدة لتعامل حكومة الولاية مع الأوضاع في المعسكر، خاصة أنه ظل لأكثر من خمس سنوات منذ أن تم التوقيع على اتفاقية أبوجا لسلام دارفور في العام (2005م) بعيداً عن سيطرة الدولة والإشراف الحكومي، ويرى البعض أن هذه الخطوة تمثل فرصة حقيقية للحكومة لإثبات مصداقيتها تجاه النازحين وتبرهن على أنها بقدر المسؤولية تجاه المواطن السوداني وحمايته في أي مكان وزمان خاصة أن نازحي معسكر كلمة ظلوا طيلة تلك الفترة خارج الإطار الوطني مما أفقدهم الثقة بصورة كلية في الحكومة السودانية التي ظلت طيلة السنوات الماضية تلعب دور المتفرج على الأوضاع بالمعسكر حتى أصبح إحساس النازحين بالانتماء إلى «الخواجة» أكثر منه إلى السودانيين ويمانعون في دخول الحكومة السودانية إلى المعسكر أو التعامل معها بأي شكل من الإشكال، وهذا ما كان ظاهراً في حديث أحد الشيوخ بالمعسكر الذي صب جام غضبه على حكومة الولاية أثناء حديثه مع الوالي عبد الحميد موسى كاشا وهو يتساءل عن دور الحكومة (أين كنتم طيلة الفترة الماضية ألم نأت إلى هنا للمكان الذي توجد فيه الدولة بحثاً عن الأمن والاستقرار؟) لكن الوالي رد عليه (إن السودانيين مهما كان اختلافهم مع بعضهم فهم أقرب إلى بعضهم من أي خواجي أو أفريقي أوغيرهما)، أما الشيخ فرده كان (لا أنتم ولا الخواجات ولا اليوناميد أقرب إلينا، نحن الله أقرب إلينا)، وكان الوالي قد صادق على مواد تموينية لتوزيعها على نازحي معسكر كلمة في اليوم السابق لدخوله المعسكر حتى تكون له بداية قوية في تعامله مع النازحين في تقديم الخدمات لهم، إلا أن الوالي فوجئ أثناء حديثه مع النازحين بأن تلك المواد لم تصل إليهم، فما كان منه إلا أن توجه بالسؤال الاستنكاري للشرتاي إبراهيم عبد الله محمد رئيس مجلس الحكماء بالولاية وقال له بالبلدي (شفته يا الشرتاي المواد الأمس ما وصلت للنازحين)، وكان الموقف محرجاً جداً، فما كان من الشرتاي إلا أن رد عليه (ستصل إن شاء الله). واتفق عدد ممن كانوا في معية حكومة الولاية في الجولة على المعسكر أن تلك المواد إن كانت قد وصلت إلى المعسكر قبل مجيء حكومة الولاية لتأكد النازحون من صدق نوايا الحكومة في إعانتهم وإنقاذهم مما هم فيه من أوضاع إنسانية وصفها الوالي بالحزينة والسيئة مشبهاً إياهم بالرهائن الحبيسين لحركة عبد الواحد محمد نور، في إشارة إلى أن حركة عبد الواحد هي التي تقوم بتحريض النازحين على البقاء داخل المعسكرات ومعاداة الحكومة. عموماً لا نستطيع أن نحكم على مصير تلك المواد، لكن حتى لو ذهبت إلى النازحين لاحقاً فإن وصولها قبل دخول حكومة الولاية إلى المعسكر قد يكون له وقع أقوى ويدعم موقف الحكومة خاصة في الجانب الإنساني عندما قام الوالي بتوزيع النقود على النساء العجائز وهن يبعن المنتجات المحلية (السعفية) داخل المعسكر واستمع الوالي إلى شكواهن التي وصفها بالمرة مشيرات إلى أن المعسكر لا توجد به مواد غذائية وما يوجد يباع بأسعار باهظة فلا يستطيع النازح أن يشتري شيئاً ليأكله، إلا أن الوالي تعهد لهن بتوفير كل الاحتياجات التي يفتقدونها مما حدا بإحداهن أن ترد عليه بمقولة وقف عندها الجميع (شد حيلك يا الوالي) مما يعني أن الأوضاع بالمعسكر تتطلب جهوداً ووقفة صلبة من حكومة الولاية، عندها توجه إليهم الوالي بسؤال (أين يمكن لحكومة الولاية إيصال المواد الغذائية؟)، فردوا عليه (إيصالها إلى السناتر وتوزيعها عبر الشيوخ)، مما يعني بعد حكومة الولاية عن المعسكر وحاجة النازحين ورغبتهم في المساعدات الإنسانية من الحكومة. هذه الجولة وضعت النقاط على كثير من الحروف المحيطة بالمعسكر لكن بعضها لا يزال يحتاج إلى مزيد من البحث والجهود خاصة أن هناك جزءاً ليس بالقليل من النازحين يتهم الأجهزة الحكومية بشن الهجمات عليهم ليلاً، وقال بعضهم إن هناك مجموعات مسلحة تأتي من خارج المعسكر تطلق عليهم الأعيرة النارية بصورة مستمرة وعشوائية وتحرق منازلهم باستمرار أثناء ساعات الليل، وأبانوا أن تلك الجهات المجهولة تقوم بتهديدهم بالقتل بصورة مستمرة بسبب إبلاغهم الشرطة السودانية و(يوناميد) بما يجري داخل المعسكر، وقال أحد مشائخ المعسكر - يدعى موسي جمعة - إن مجموعة مسلحة اعتدت على النازحين مساء (الثلاثاء) وحرقت ثلاثة منازل داخل المعسكر، واتهم النازحون مسلحين حكوميين بإطلاق (7) دانات على مركز رقم (6) ليلة الاثنين، وقال أحد النازحين إن المجموعة أطلقت أسلحة خفيفة وثقيلة انفجرت منها (دانتان) لكنها لم تصب أحداً بأذى، هذا من الجانب الأمني الذي تكفل والي الولاية بتوليه المسؤولية كاملة عنه بحماية النازحين من المتفلتين بحسب وصفه. وفي السياق شكك عدد من المراقبين في إمكانية قدرة الحكومة على إقناع هؤلاء النازحين بمغادرة المعسكر إلى الموقعين البديلين اللذين يجري إعدادهما لاستقبال النازحين الراغبين في الخروج من معسكر كلمة، حيث أفاد أحد الشباب بالمعسكر أن النازحين فروا خلال أيام الصراع التي شهدها المعسكر ومن ثم عادوا مرة أخرى، في إشارة إلى تمسك النازحين بخيار البقاء في المعسكر، لكن الوالي قال إنهم لن يجبروا أحداً على الرحيل إلى المواقع البديلة، إلا أنه شدد على أن من يبقى بالمعسكر يجب أن يكون نازحاً وليس مسلحاً يسفك الدماء ومحارباً للدولة، وأضاف (من أراد أن يكون مع عبد الواحد أو خليل إبراهيم فليكن، بشرط ألا يزعزع أمن واستقرار النازحين)، مؤكداً التزام حكومة الولاية بتوفير كل مقومات الاستقرار بصورة عاجلة في المواقع البديلة التي وقف عليها ضمن هذه الجولة، ووجه معتمد بليل ومستشار حكومته للشؤون الإنسانية بالإسراع في حفر آبار للمياه وتوفير المواد الغذائية والإيوائية لاستقبال النازحين وتعزيز قوات الشرطة الموجودة بالمواقع للمحافظة على الأمن بها، وعلى الرغم من تلك الشكوك إلا أن هناك أعداداًً كبيرة من النازحين فضلوا خيار العودة إلى قرية كوكوجا لكنهم وضعوا أمام الوالي جملة من الشكاوى حول النقص الحاد في مواد الغذاء والإيواء وخدمات الصحة والتعليم بالمنطقة. ومن هنا يبدو أن كاشا استشعر حجم التحدي فأعلن استنفار الشعب السوداني لإغاثة وإنقاذ نازحي المعسكر من الوضع الذي يعيشونه، فهل تتضافر الجهود الرسمية والشعبية لإعادة المعسكر إلى وضعه الطبيعي؟ أم يرحل نازحوه إلى المواقع البديلة التي اقترحتها الحكومة؟ هذا ما ستفصح عنه الأيام المقبلة.