دردشة سوسن يس، عوضية سليمان بعيداً عن السياسة وعن تعقيدات الاستفتاء ومشاكسات الشريكين وخلافاتهما التي لا تنتهي، هذه (جلسة ونسة) مع القيادي الكبير إدوارد لينو، جالسنا فيها لينو بمكاتب الصحيفة، أردنا أن يتعرف خلالها القارئ على جانب آخر من حياته. { حدثنا عن سنوات عمرك الأولى وعن فترة الدراسة بجامعة الخرطوم حيث درست القانون؟ علاقاتي بالجامعة كانت مفتوحة وكانت لي صداقات كثيرة وتعرفت في تلك الفترة على كثيرين، في مجال الغناء مثلاً تعرفت على أحمد المصطفى أبوداؤود وأيضاً شرحبيل أحمد ووردي وعبد القادر سالم و... و... { لمن من الفنانين تحب أن تستمع؟ كثيرون ما موجودين اليوم. الفن الآن اختلف، الحاصل للفن هو الحاصل للبلد عموماً وهو الحاصل للكرة والشعر و... و... كله ماشي هابط. عائشة الفلاتية إلى أن ماتت ما كان ممكن حد يلعب بصوتها، صوتها كان مميزاً ولغاية الآن المقلدين (ما قادرين يقلدوها) كانت فنانة ممتازة. { كنت تستمع لها؟ كنت أستمع لها وأستمع ل(أبوداؤود). { أغنية تحب سماعها وتشعر أنها تعبِّر عنك؟ هناك أغانٍ كثيرة لا استحضر واحدة معينة الآن. { أنت تحب الشعر وتكتبه؟ نعم أكتبه بالإنجليزية. { ألم تكتب بالعربية؟ كتبت بالعربية (شويه) ولكنه ضاع ومرة نشرت لي قصيدة بالعربي. أنا أكتب قصائد عن المقاومة والمشاكل التي كانت حاصلة في البلد ومعاناة الشعب السوداني كلها مكتوبة عندي ولا أفرق بين منطقة ومنطقة. { ولمن تقرأ من الشعراء؟ أقرأ لكثيرين وقرأت لشعراء قديمين مثل المتنبئ وقرأت لأحمد شوقي وشعراء سودانيين. هناك شعراء ممتازون جداً ومحجوب شريف أنا أرتاح لشعره. { ألم تقرأ لشاعرات، لروضة الحاج مثلاً؟ روضة الحاج استمعت لها هي شاعرة (كويسة) ومشروعها الفكري (كويس). { إدوارد لينو أين التقى (آمال) وكيف تمَّ الزواج؟ هي من واو التقيتها في واو وتقدمت لأهلها وتمَّ الزواج في سنة 1980م وكان زواجاً بسيطاً ولم تكن هناك تعقيدات كالحاصلة في الزواج الآن. { أنا أعرف أن المرحومة (آمال) كانت مسلمة وإدوارد لينو مسيحي، ألم يشكل هذا عقبة أمام زواجكما؟ هل وجدتم معارضة أو رفضاً من الأهل؟ ( والله دا ما شفناه).. ما شفنا الدين عندما أردنا أن نتزوج والأهل لم يعارضوا الزواج. { ألديكما أطفال؟ نعم، عندنا (3) أبناء، بنتان وولد، واحدة من البنتين تعمل في الجنوب، هي كانت تعمل هنا في وزارة الخارجية وانتقلت إلى الجنوب، والبنت الأخرى تعمل في مجال البيئة، والولد طالب. { حدثنا عن ذكريات ومواقف لك مع الدكتور جون قرنق، أنا أعرف أن د. قرنق كان يلقبك بالثعلب، لماذا كان يلقبك بالثعلب؟ (ضاحكاً): أنا ما كنت ثعلب.. ما كنت ثعلب أنا.. كنا نجلس مرات كثيرة نتحدث معاً.. ليس من السهولة ذكر التفاصيل لكن هناك أشياء أذكرها منها أنني كنت معه مرة في لندن وكانت هناك محاضرة كنا نقوم بتنظيمها له كي يذهب ويخاطب فيها السودانيين في (أفريكا سنتر) ناداني د. قرنق في أثناء تحضيرنا للمحاضرة وقال لي: «تعال ياخي حضّر لينا نقاط مهمة جداً عشان أمشي أعمل بيها المحاضرة دي» وأنا فكرت وفكرت وما لقيت نقاط كبيرة كدا فأخذت ورقة صغيرة جداً وكتبت عليها (4) نقاط كتبت الحرب، السلام، الاتفاق والمشاكل الإنسانية، وقلت له تحدث عن هذه النقطة وهذه وهذه وهذه، فقال لي خلاص كويس. هذا كان في الصباح والمحاضرة وقتها كان الواحدة ظهراً. جون قرنق كان يريد أن يركز في هذه النقاط ليتحدث عنها لكن كانت هناك زيارات وتلفونات و... و... ولم نشعر بالوقت وعندما جاء زمن المحاضرة قلت له: «خلاص الزمن جا بعد دا نمشي». (ضحك إدوارد لينو وهو يقص بقية المشهد وقال): قرنق فوجئ بالزمن وصاح: «يااااااخ ما تجننونا كل يوم تلِّزوا لي الحاجات كلها أعملا أنا، هسه الواحد يمشي يقول شنو»؟ فقلت له: «حتقول شنو يعني، ما إنت زي التلفزيون يفتحوك كدا تتكلم». فسكت جون قرنق وذهبنا وتحدث وحديثه هذا دكتور منصور نقّحه فيما بعد وطلّع منه كتاب. ويقول إدوارد لينو: لي ذكريات ومواقف كثيرة جداً مع الدكتور جون قرنق، أذكر مرة وفي نفس هذه المحاضرة وفي أثناء لقاء جاءني تلفون من أحد الأشخاص يقول لي إن في هذه القاعة التي نجلس فيها قنبلة أنا بأعصاب باردة جداً همست في أذن الدكتور قرنق قلت له: «الحته القاعدين فيها دي قالوا فيها حاجة ما كويسه». قال لي: فيها شنو يعني! قلت له: قالوا فيها قنبلة. قال لي: بالله! فقلت له: حقو تحاولوا تخلصوا الحديث دا بسرعة عشان تطلعوا. قال لي: لكن نحن بدأنا الكلام و... قلت له: أنا أعرف السودانيين حتقولوا دا كلام ساكت ومافي حاجة ولكن أنا لن أتحمل هذه المسؤولية لن أتحمل النتيجة إذا حدث شيء. في تلك اللحظة كان المشاركون في اللقاء يطرحون أسئلتهم فقال لي د. جون قرنق: «خلاص ممكن أرد على السؤال دا»؟ قلت له: «كويس». فردّ على السؤال، وأذكر السؤال كان طرحه تاج الدين الخزين وكان يسأل جون قرنق: «إنت من وين» د. جون قرنق قال له: «أنا من الحاج يوسف»، الناس ضحكوا والدكتور سأل الخزين: «وإنت من وين» تاج الدين الخزين قال له: «أنا من الخرطوم» د. جون قرنق قال له: «نحن كلنا ما من الخرطوم، كلنا جينا وافدين ليها». هذا كان آخر سؤال وقرنق ضحك والناس ضحكوا وطوالي قمنا طلعنا بعدما شكر قرنق الناس. هناك مواقف وذكريات كثيرة لي مع د. جون قرنق وهناك حديث لسه زمنه ما جا. { إدوارد لينو في البيت؟ إنسان عادي جداً.. الواحد الحياة أخذته كثيراً من البيت، في أيام الحرب كنت أقضي شهورا ولا أرى الأولاد، الحياة كانت صعبة (ومصدر دخل مافي). في إحدى المرات كنت تركت الأولاد في نيروبي وغبت في الميدان فترة طويلة، الولد تركته صغيراً جداً (يا دوب بتعلم المشي) وعندما رجعت وجدته (بتكلم).. وعندما رآني قال وهو يشير لي:uncle papa)) الحياة كانت صعبة جداً ومصدر دخل مافي إلا تعتمد على أقربائك وأصحابك وأنا وقف معي دينق ألور كثيراً جداً. { دينق ألور من أقربائك؟ هو يقرب لي لكنه من أعز الناس عندي على الإطلاق، دينق ألور إنسان صدره فسيح ومتواضع جداً لحد بعيد. ومن الذين ساعدوني أيضاً صديقي حمد صديق هو شايقي، بحسب مسميات السودانيين، وأولاده الآن هنا في الحلة الجديدة، أيضاً من الذين ساعدوني صديقي أسامة عبد الرحمن النور، كاتب التاريخ الكبير وهو الذي حبَّب إليّ قراءة التاريخ. { إدوارد لينو والمطبخ، بتعرف تطبخ؟ مرة إتغالطنا أنا وآمال، الفترة ديك كنا في الحاج يوسف والأطفال كانوا صغار، آمال قالت لي إنت ما بتعرف تطبخ قلت لها أنا بعرف أطبخ أي طبيخ وقمت دخلت المطبخ وعملت الفطور كل الفطور عملته أنا براي كبدة و... و... وعندما جاء وقت الأكل وأحضرته لهم كان (حاجة تمام.. حاجة تمام). ثم أردف ضاحكاً: قلت ليها نحن خريجين مدرسة العزابة أحسن مدرسة تخرّج. (ثم يضحك إدوارد لينو). { أحسن حاجة بتطبخها؟ اووو.. أنا بطبخ بامية، بطبخ ملوخية والحاجات التانية ديك بطاطس وبعمل شيبس مظبوط و... (ثم قال وهو يضحك ممازحاً وهو يشير لي ولزميلتي عوضية): يا جماعة ما تغسلوا { قلنا ممازحين: نحن صايمين، جوّعتنا هسه. (ضاحكاً): ما عشان كدا قلت ليكم ما تغسلوا. (مواصلاً حديثه): بعمل حاجات كتيرة جداً، مدايد وطبعاً الكاستر والجلي والحاجات دي كلها بعرفا. { وفي مجال الكرة والرياضة؟ أنا لا ألعب الكرة، كنت ألعب زمان عندما كنت صغيراً لكن أنا هلالابي وأحب الهلال، والذي جعلني أكره المريخ هو النميري. { كيف؟ نميري كان مريخابي. { هل تشاهد دراما، مسلسلات وأفلام و...؟ أنا معجب بعادل إمام، معجب به جداً وهذا ما دعاني إلى الذهاب إلى مصر وقابلته هناك وتعرفت عليه شخصياً وتحدثت معه قلت له: «ياخي ليه ما تجي تزور السودان». وكذلك قابلته مرة أخرى في رمضان هناك موائد رمضان ينظمها الأقباط للمسلمين وعندما كنا في مصر دعانا (ميلاد حنا) أنا وياسر عرمان وأحمد دريج لإحدى هذه الموائد وهناك التقيت عادل إمام ويحيى الفخراني ومحمد حسنين هيكل. { لحظة أو لحظات حزينة في حياة إدوارد لينو؟ لحظة فقد جون قرنق ولحظة موت عمي ولحظات حزن عميقة عند وفاة زوجتي آمال ولحظة موت سامسون كواجي. { ولحظات سعيدة في حياة إدوارد لينو؟ لحظة وصول جون قرنق الخرطوم أنا كنت سعيد جداً.. كنت سعيد خالص. { بالمناسبة، أنا شاهدت لك صورة في أحد مواقع شبكة الإنترنت وأنت تبكي، كنت تبكي وتغطي دموعك بمنديل؟ نعم، هذه الصورة كانت هنا في نادي العمال. { ما مناسبتها؟ لماذا كنت تبكي؟ ما كنت عارف نفسي ببكي ليه لكن كنت جئت داخلاً فلقيت فتاة والدها كان معنا في الحركة كان واحداً من الضباط الكبار واستشهد، وعند استشهاده هذه البنت كانت (يا دوب مولودة) وعندما دخلت واستقبلتني لم أستطع أن أقول لها شيئاً فمشيت.. ولما جاءتني وبدأت أتحدث معها دموعي جرت. { أنت كنت تتحدث عن اللحظات السعيدة في حياتك وأنا قاطعتك؟ نعم، أنا كنت سعيد جداً بدرجة لا توصف لحظة وصول قرنق الخرطوم وفرحت فرحاً غير عادي لحظة تنصيب أوباما رئيساً على أمريكا، وهناك أيضاً لحظات كئيبة مثل لحظة خروج البرازيل من كأس العالم. { حدثنا عن والديك وذكرياتك معهما؟ والدتي كانت صديقتي. { ما اسمها؟ اسمها إنجلينا. (وبعد لحظة من الصمت قال): كانت عندما تمشي الى السوق في واو الناس في السوق ينادونها بأم المناضل وصار هذا اسمها (وهي أخذت الموضوع جد). أمي كانت عندها أشياء جميلة خالص مثلاً كانت تصحو دائماً الساعة الرابعة فجراً تعمل مديدة تملأ بها جردلين وتذهب إلى مستشفى واو وتقوم بتوزيعها على المرضى المحتاجين، هذا أصبح معروفاً عنها، والساعة السادسة ونصف تجدها خارج المستشفى ترجع إلى البيت وتصنع لنا الشاي والفطور. أمي كانت (ما بفوتها بِكا) دائماً تمشي (بيوت البِكيات). (وبعد أن صمت لحظة قال): أذكر أنه في عام 1974م عندما قُتل الملك فيصل ملك السعودية الإذاعة كانت تردد: «فيصل مات.. فيصل مات» والقرآن شغال وسوزي ابنة اختي كانت صغيرة (هي زوجة باقان أموم الآن) كانت كلما تستمع إلى الاذاعة تسمع: «فيصل مات.. فيصل مات» أعتقدت أن فيصل هذا أحد جيراننا في واو فقالت لأمي: «يا حبوبة إنت ليه ما مشيتي بِكا فيصل؟» حياة أمي كانت هكذا.