منذ أن وطئت قدماه مطار الخرطوم ضمن وفد المقدمة الجنوبي في غرة 2005م وإلى زماننا هذا، ظللت أتابع أخباره فهو ظاهرة لا يمكن فهمها. سألت عن معنى اسمه في لهجة الشلك.. حاولت الكتابة عنه وعن مداخلاته السياسية الخشنة، لكني في كل مرة اصرف النظر عن ولوج عالمه فالكلمة المقروءة مثل طلقة (القرنوف).. قرأت عنه لدى كتاب الأعمدة في الانتباهة.. فقد أوجعوه نقداً هو وصديقه ياسر عرمان.. فهما ظاهرتان تحتاجان لدراسة. أهداني الاستاذ عز الدين عثمان ترجمة لشعراء جنوب الوطن وهذه (كوة) تفتح لأول مرة.. لم أقرأ لشاعر جنوبي قبلا، فاجأتني أبيات باقان في قصيدته الحياة. أقول الحياة هي الحياة وأنا أحذو حذو حدسي في المتاهة المتأرجحة صاعداً وهابطاً في قلق النهايات المتشابكة متحدين في نسيج مشيمة واحدة هذا شاعر وحدوي رضع الأدب الكوشي القديم.. وما خلا ذلك فهو مسرحية سياسية، فزعيمه جون قرنق كان وحدوياً حتى النخاع.. وكان يمني نفسه بحكم السودان الواحد. فنحن توأمان من أم واحدة ومشيمة واحدة. أماشاعرنا ادواردلينو فقد صدح بقصيدته الأم.. النشوة التي أحن إلى ان أعيشها ولعمري كله أن ألاقي أمي ألبي نداءها وأبث في رغباتها القوة حران أنا وأنت هذه القصيدة أشبه بشعر المناضل الفلسطيني محمود درويش في قصيدته التي قالها ومضى أحن إلى خبز أمي.. وقهوة أمي لله درك يا لينو.. فأنت الآن حر وأمك حرة في ديارك السودان الكبير، فماذا أنت - فاعل بالحرية؟ - ان حرية الاديان حق مطلق، ونحن نريد أن نحتكم لشرع الله، فحريتك تنتهي حينما تبدأ حرية الآخرين «لكم دينكم ولي دين». وتذهب بيتيا لو مارغريتا، في قصيدتها أغصان الزيتون بعيداً عن الوطن ولكن في قلبه: ولدنا في الشتات وفي الشتات لانزال ولما قضينا في الوطن من سنوات قليلة بدل نظرتنا للحياة أوقعتنا أمنا الأرض في حبها أوقعتنا في شرك تعالوا أيها القراء إلى غد مشرق فهذا هو الوجه الآخر من أبناء الجنوب.. ولم نر منهم نحن الشماليين غير المعترك السياسي المشاكس، أما أدبهم ودواخلهم فقد حملتها أشعارهم.. فيا باقان ويا ديان كوجو ويا كوكو وكوتي اتحفونا بالمزيد من الشعر الوحدوي.. فنحن والله لا نكره أحدا بسبب جنس أو لون فبحور الشعر كنهر النيل تنبع من هناك وتنداح إلينا حيث نحن.. وأنتم تقفون بيننا وتقرأون قصائدكم في عكاظ الخرطوم بكلمات رقيقة تولج المحبة والمساواة.. فالخرطوم من أفيالكم.. وأرض كوش هي دياركم.. فأنتم لستم دعاة انفصال وقد قالها لينو في معادلته الانتخابية كوالٍ للخرطوم، فالبيئة لا تعرف الفواصل. وحسب مقولة المستشرقة الالمانية أنا هاري شيمل أستاذة الحضارة الهندية الاسلامية بجامعة هارفارد (67-1992م) فإن السلام لا يأتي عن طريق قادة الدول... السلام سيأتي بواسطة الشعر، بواسطة الوجدان السليم والحب والعقول المفتوحة. ولعل كلمات العشق السياسي المقروضة شعراً تعالج كثيراً من أزماتنا وانفعالاتنا خاصة اذا كان لسان الشعر أصدق أنباءاً من الدناميت.. وشعراء الغابة والصحراء من لدن محمد عبد الحي قد يلتقون يوماً مع شعراءالغابة العابرين من أتون الحرب البغيضة وهم اكثر حكمة وواقعية وصهراً للقوافي. ومازلنا ننتظر ماتأكده لحظات التأمل التي طالت للشاعر ذي القبعة السوداء.. فهلا قلتها ومضيت (وأرحت وأسترحت فأرحتنا) فنحن لا نرى لوحدة هذا البلد فكاكاً.. لا من حيث التاريخ ولا الجغرافيا ولا الإرث الثقافي.. أمة بعضها من بعض. يقول الزعيم نيلسون مانديلا الملهم التاريخي للثورة الافريقية بعد «جومو كنياتا الذي نعرفه». (إن الحرية لا تتجزأ.. فالأغلال التي تقيد واحداً منا تقيدنا جميعاً، والحرية ليست مجرد التخلص من الأغلال ولكن الحرية أن تعيش حياة تحترم حرية الآخرين وتعززها). ومضى في مقولته تلك إلي ان قال: (لقد سرت على طريق الحرية الطويل.. وبذلت جهدي كي لا أتداعى أو أسقط.. وان تعثرت خطواتي أحياننا.. ولكني اكتشف سراً يقول: إن الانسان الحر كلما صعد جبلاً عظيماً وجد من ورائه جبالاً أخرى يصعدها.. وللحرية تبعاتها). أخي ادوارد ليونو.. نيفاشا هي بداية الطريق وليست نهاية المطاف.. فهل يتسع صدرك لسماع صوت حكماء الشمال وشعراء الشمال.. فإن كانت المعارك العسكرية والخشونة السياسية قد عجزت عن حل القضية فالشعر والشعراء قد كتبوا افتتاحيتة قبل فترة الاستقلال يرن في أذاننا.. أيها السودان دم أنت لنا ٭٭٭ واسقنا من نيلك العذب اسقنا منقو قل لا عاش من يفصلنا ٭٭٭ قل معي لا عاش من يفصلنا الجمعية السودانية لحماية البيئة - الدامر