تُعد عملية اختطاف الأمريكية (فلافيا)، الأطول أمداً بين سلسة الاعتداءات وحالات الاختطاف التي يتعرض لها موظفو المنظمات الأجنبية وعناصر بعثة اليوناميد بولاية جنوب دارفور؛ حيث قضت الموظفة الأمريكية أكثر من (100) يوم بين الجبال والسهول والأدغال بحسب قولها مما يعني أن خاطفيها ابتعدوا بها عن أجواء المدن وما شابهها. وقالت فلافيا، في تصريحات لها قبل إطلاق سراحها، إنها تعيش وسط (23) رجلاً ليس من بينهم امرأة، وهذا يفسّر ما ذهب إليه البعض بأن المجموعة التي اختطفت الأمريكية هي جماعة منظمة الأمر الذي أطال بقاءها مع الخاطفين الى أن جاء يوم العاشر من رمضان وحرّكت سلطات الولاية فريقاً من الأجهزة الأمنية بقيادة ضابط برتبة نقيب للبحث عنها وإرجاعها. وقال الوالي عبد الحميد موسى كاشا إن الفريق الأمني عندما تحرّك عقد العزم على ألاّ يعود إلا بصحبة الأمريكية وقد حدث ذلك في غضون (10) أيام من البحث المتواصل، لكن الأمر الذي لم يوجد له تفسير أن السلطات لم تُفصح عن مكان العثور على الرهائن حتى الآن، ربما قد يكون لدواعٍ أمنية؛ فمن قبلها تم اختطاف طيار روسي وأٌطلق سراحه ومستشاريْن أردنييْن بشرطة اليوناميد، بل وصل عدد الأجانب المختطفين بحسب الإحصائيات الى أكثر من (20) شخصاً تمّت إعادتهم جميعاً بمن فيهم الطيارين الروس الذين سبقت عملية اختطافهم إطلاق سراح الرهينة الأمريكية بيوم. هؤلاء جميعاً تمّت إعادتهم بجهود من الأجهزة الأمنية الحكومية دون أن تكشف السلطات أماكن العثور عليهم، وكان هذا دوماً هو السؤال الحائر الذي لم يجد له الصحفيون إجابة من السلطات خلال عمليات تغطيتهم لأحداث عودة الرهائن. أما بعثة اليوناميد فهي الأخرى ظلت تتعرض لاعتداءات مسلحة راح ضحيتها عدد من أفراد البعثة بجانب عمليات اختطاف الأفراد والسيارات حتى صار وجود البعثة عبئاً أمنياً إضافياً للسلطات السودانية لتوفير الحماية لهم، على الرغم من أن رئيس البعثة البروفيسور إبراهيم قمباري قال، في وقت سابق، إنه أعطى توجيهات لقوات اليوناميد باستخدام القوة للدفاع عن نفسها عندما ارتفعت وتيرة الاعتداءات عليها. لكن تلك التوجيهات راحت بلا جدوى الأمر الذي جعلها تحِد من حركة عناصرها بالولاية نسبةً لنشاط المجموعات التي تنفذ عمليات الاختطاف بحسب قول رئيس البعثة بالولاية علي حسن. ويشير المراقبون الى أن حالات اختطاف الأجانب كثيراً منها كان مسرحها بالقرب من احدى البقالات تقع في قلب مدينة نيالا شرق السوق الكبير التي يتسوّق عندها الأجانب حيث حدثت أكثر من (4) حالات اختطاف من هذا المكان، لكن والي الولاية، د. عبد الحميد موسى كاشا، عزا عمليات الاختطاف التي يتعرض لها الأجانب بمدينة نيالا الى أنهم يتجولون دون حماية لعدم التنسيق بينهم والأجهزة الأمنية الذي ظلت تنادي به حكومة الولاية منذ عهد الوالي السابق علي محمود وزير المالية الحالي. ونجد أن هذه الاعتداءات كثيراً ما تدخل الحكومة السودانية في حرج مع الدول التي ينتمي إليها الضحايا؛ حيث شهدت الأيام التي اختطف فيها الطيار الروسي (يفغيني موستوفشيكوف) الذي هبطت طائرته اضطرارياً في منطقة ابوروجو شمال مدينة نيالابجنوب دارفور تصريحات شبه نارية من قبل المسؤولين الروس في بادئ الأمر الى أن لحقتها حالة من الهدوء الذي ربما جاء نتيجة لاطمئنان روسيا على سلامة مواطنها والتماسها تعاون الحكومة السودانية وبذلها الجهود من أجل إعادة مواطنها وتيقنها أن الأجهزة الأمنية السودانية سترده سالماً رغم الظروف الغامضة التي صاحبت اختفائه. وعزا المراقبون التصريحات التي أدلى بها المسؤولون الروس في بادئ الأمر الى البيان الأولي الذي أصدرته بعثة اليوناميد الذي أشار الى أن مسلحين مجهولين يرتدون الزي العسكري قاموا بالاعتداء على طاقم الطائرة الهيلكوبتر الأربعة الروس و(3) من الركاب التابعين لإحدى الحركات المتمردة بدارفور وسرقة مقتنياتهم بعد هبوط مروحيتهم في المنطقة التي تسيطر عليها الحكومة السودانية وبعدها اقتيد الطاقم والركاب، ما عدا الطيار، إلى معسكر حكومي. هذه المعلومات كأنما أوحت للروس بضلوع الأجهزة الأمنية السودانية في الحادث، لكن تصريحات القائم بالأعمال في السفارة الروسية لدى الخرطوم (يوري فيداكاس) التي أكد فيها أن المعلومات الأولية تشير الى أن المجموعة التي تحتجز الطيار الروسي لا تنتمي إلى القوى النظامية الحكومية المسلحة في البلاد أدت الى تهدئة الأوضاع، وأكد أن السفارة الروسية تتعاون بشكل وثيق مع وزارة الخارجية السودانية وغيرها من المؤسسات الحكومية وبعثة اليوناميد لإطلاق سراحه. ولم تستثنِ الاعتداءات القوات العربية المشاركة في البعثة؛ حيث تعرضت قوة مصرية متحركة من تُلُس الى قاعدتها بمحلية عد الفرسان الى هجوم مسلح راح ضحيته (3) جنود واستولت المجموعة على إحدى السيارات وكان آخرها اختطاف الضابطيْن الأردنييْن المستشاريْن ببعثة اليوناميد، أما السيارات التي اختطفت ففاق عددها (100) سيارة لم تعد جميعها، الى أن قال أحد المسؤولين بالبعثة، عندما توجهت له (الأهرام اليوم) بالسؤال حول مصير سيارتين تم اختطافهما من داخل مدينة نيالا الشهر الماضي، قال (مصيرهما مثل غيرهما). لكن ما تجدر الإشارة اليه أن السلطات السودانية ظلت دوماً تقول، عقب إطلاق سراح كل رهينة، إن عملية الإطلاق تمّت بدون أية مساومات أو دفع فدية للخاطفين. هذا الأمر يطرح سؤالاً بديهياً هو: لماذا إذاً تتزايد عمليات الاختطاف طالما أن الأمر ليس من ورائه فائدة مادية يجنيها من قام بعملية الاختطاف؟ أم هناك دوافع خفية أقوى من الجوانب المالية يحصل عليها الخاطفون؟ وكما هو معلوم فإن اختطاف السيارات له قيمة مادية، فما هو العائد من اختطاف البشر؟ سؤال الجواب عليه يتعارض مع ما تذهب إليه الحكومة في تصريحاتها بشأن هذا الأمر.