مساحات الغابات في البلاد تهدِّدها مخاطر عديدة على رأسها القطع الجائر والتوسُّع العمراني، وبرز هذا التدهور في الحزام الغابي بشكل واضح مع بدايات هذا القرن، فقد تقلَّصت مساحات الغابات من 40% منتصف القرن الماضي إلى 29.4 بحلول هذا العام فقد أكد برنامج الأممالمتحدة للبيئة أن جملة مساحات الغابات بالبلاد بلغت 675000 مليون هيكتار عام 2005 وأكد أن البلاد فقدت بين العام 1973-2006 حوالي نصف مساحات الغابات بالبلاد.. وأكد البرنامج أن التنوع الحيوي لنباتات الغابات يتعرض لمهددات.. الهيئة القومية للغابات أكدت ل (الأهرام اليوم) أنَّها طالبت بحجز 25 % من مساحات الغابات في البلاد كمحميات مغلقة، حسب قانون الغابات والموارد الطبيعية للعام 2002م.. لتطل الاستكشافات البترولية والتوسع العمراني كمهددات جديدة. ثروة قومية تمثل الغابات إحدى دعائم ومقومات الثروة القومية، وهي مكون أساسي من مكونات الطبيعة التي وجدها الإنسان داخل كوكب الأرض منذ بدء الخليقة، وعمل على تطويرها والحفاظ عليها لأهمية الدور الذي تقوم به، مثل توفير البيئة الصحية المناسبة والسليمة.. والغابة هي المساحة المغطاة بالأشجار بحيث لا تقل عن نصف هكتار - أي حوالي فدانين تقريباً. وأنواع الغابات بالبلاد عديدة، منها الغابات الاتحادية، وهي التي تتبع للهيئة القومية للغابات أو غير محجوزة، وتقع في الأراضي الهامشية ومساقط المياه، بغرض توفير الاحتياجات القومية من منتجات الغابات والمرعى وحماية البيئة.. أما الغابات الولائية فيُقصد بها الغابات المحجوزة التي تتبع للولاية أو المحلية بغرض توفير الاحتياجات الولائية والمحلية من منتجات الغابات والمراعي وحماية البيئة.. والنوع الثالث من الغابات بالسودان يُطلق عليه اسم غابات أخرى، وتشمل الغابات الخاصة بالأفراد، وهي أرض زراعية مملوكة أو مؤجرة لأفراد.. أو التي اعتاد الناس زراعتها حول المنازل مثل الغابات الشعبيّة التي يُنشئها المواطنون في مزارعهم وحول المدن والقرى، ويُطلق على نوع آخر اسم الغابات التابعة للمؤسسات. ونعلم أن فوائد الغابات عديدة ومتنوعة، منها محاصيل الغابات التي تشمل الخشب والفحم النباتي ولحاء الشجر والصمغ بجميع أنواعه وأوراق الأشجار والثمار والزهور والفاكهة والمحاصيل الأخرى، ومن فوائد الغابات العسل والشمع والحرير بالإضافة للأشجار العلفيّة والأعشاب والحشائش الرعوية أو أي محصول علف أخضر أو جاف طبيعي أو مُصنَّع أو مخلفات محاصيل تستخدم لأغراض الرعي. أرض الصنوبر لتسليط الضوء حول الغابات بالسودان يمّمت (الأهرام اليوم) صوب الهيئة القومية للغابات والتقت مدير الإدارة العامة للإرشاد والإعلام «عصمت حسن عبد الله»، فقال إن السودان كان في عهد الإغريق يُعرف ب (مهد وأرض الصنوبريات الضخمة) التي تمتد من الخرطوم إلى البحر الأبيض المتوسط، والصنوبر يُعتبر من أشجار المناطق الباردة التي نجدها في مناطق محدودة في أوروبا، وهذا يبيّن مدى التغيير في المناخات ويعكس أثر تدهور الغابات على البيئة، فمنطقتا النقعة والمصورات كانتا تشكّلان أرضاً خصبة لنمو أشجار الصنوبر الباردة، كما أنه من المعروف تاريخياً أن الغابات في الأربعينات كانت تغطي أكثر من 40% من مساحة البلاد، إلا أن المعادلة تقول إنه كلما زاد عدد السكان كلما زادت احتياجاتهم للأراضي والتوسُّع في إنشاء المدن والقرى، وهذا التوسُّع في الجانب العمراني والأراضي الزراعية يأتي على حساب إزالة الغابات، وآخر الدراسات التي أجريت لحصر الغابات في السودان خلال العام 1990م - بحسب تقديرات الثروة الغابية - أكدت أن الغطاء الغابي كان يمثل حوالي 32.1% من مساحة السودان وبلغ بحلول 2010م 29.4% من المساحة الكلية.. هذه الدراسة توضح مدى الانحسار التدريجي الذي تواجهه الغابات لأسباب عديدة وخطيرة أهمها النمو السكاني المرتبط بالاحتياجات، كذلك التوسع الأفقي في استخدام الأراضي والنمو الحضري في مناطق استخدامات الأراضي بشكل عام، كذلك مشاريع التنمية واستكشاف البترول التي أدت لإزالة الآلاف من الغابات واستخدام الغابات في توفير احتياجات الطاقة، فالغابات توفِّر 71% من ميزان الطاقة من الكتلة الحية (الفحم والحطب). تعدٍّ وتعرية وقال مدير الإدارة العامة للإرشاد ل (الأهرام اليوم) إن التعدي على الغابات واستنزافها يتم بإحدى طريقتين، الأولى التعدي على محتوياتها وتعريتها، مثل قطع الأشجار وحرقها للحصول على الفحم النباتي أو عن طريق التعدي على مساحاتها، كما حدث خلال عمليات استكشاف البترول، أو إزالة الغابات على حساب التوسع العمراني كما أزيل الحزام الأخضر الواقع بمنطقة سوبا جوار السوق المركزي بمساحة أكثر من (7) آلاف فدان تحولت الآن إلى مناطق سكنية وأحياء مثل الحي الدبلوماسي، أما الأخطار المترتبة على إزالة الغابات فإنها - والحديث للأستاذ عصمت حسن مدير إدارة الإرشاد بالهيئة القومية للغابات - تؤدي إلى تدهور الإنتاجية الزراعية للغابات وعدم توفر الأمن الغذائي، والسبب التوسع الأفقي بزيادة الرقعة الزراعية، بالإضافة إلى تغيير البيئة بشكل كامل مما قد يتسبب في حدوث ظروف بيئية لا تتيح الحياة، والغابات في السودان تعتبر مخزوناً لحفظ ثاني أكسيد الكربون وإطلاق الأوكسجين، وبإزالتها يحدث إطلاق ثاني أكسيد الكربون الذي يؤدي لحدوث الاحتراق الحراري، ووجود الغابات في أي منطقة يقلل عمليات التبخر ويرفع مستوى المياه الجوفية، إذ أن الأشجار تعمل على حفظ المياه، وإزالة الغابات تترتب عليها أخطار مثل تعرية التربة التي من علاماتها ظهور القحط والجفاف وتصبح بالتالي بيئة طاردة. وأكد مدير الإرشاد بالهيئة القومية للغابات أن ثلث مساحة السودان تقبع تحت مظلة التصحر، مشيراً إلى أن محاربته تحتاج إلى تضافر وتنسيق الجهود وتوفير التمويل الضخم من المؤسسات الكبرى، وأبان أن الهيئة القومية للغابات طالبت في إستراتيجيتها بحجز 25% من مساحة السودان كغابات مغلقة ومحجوزة ومحمية بقانون الغابات والموارد الطبيعية المتجددة لعام 2002م، ليبقى السؤال كيف يمكننا الحد من إزالة الغابات؟ وأكد أن إعادة تعمير الغابات تعتبر من أصعب العمليات بسبب تعرض التربة لجميع عوامل التعرية والتصحر وفقدها أهم العناصر المكونة للتربة الخصبة، وقال: من البرامج التي وضعتها الهيئة القومية للغابات عيد الاحتفال بالشجرة (47) وهو مناسبة قومية ابتدرها المرحوم الدكتور الفاتح النور في عام 1926 في الأبيض وتبنتها الحكومة الحالية، وفي عامي 1991 - 1992م تم الاتفاق على إقامة العيد باعتباره عيداً قومياً وعُمِّم الاحتفال بعيد الشجرة (47) في كل ولايات السودان بحضور المحليات ومنظمات المجتمع المدني، وقد درجت رئاسة الجمهورية على إقامة هذا العيد سنوياً في إحدى الولايات، وهذا يعكس بعض الجهود التي تُبذل لدرء التصحر، ووقع الاختيار على ولاية دارفور بالتنسيق مع الهيئة لإعداد برامج على مستوى النساء وطلاب المدارس بمشاركة المزارعين والرعاة، وهو يتسق مع الاتفاقيات الدولية في مجال البيئة التي تُعنى بضرورة إعادة استزراع الغابات. تعمير الغابات وفي ذات السياق تحدث مدير إدارة الإرشاد بالهيئة القومية للغابات في السودان مشيراً إلى أن ثلثي غابات السودان توجد بالجنوب، وما هو موجود بشمال وشرق وغرب البلاد لا يمثل سوى ثلثها فقط، والغابات بالشمالية وشمال كردفان ودارفور تعاني كثيراً بسبب التصحر، مؤكداً ضرورة الاهتمام بإعادة تعمير القطاع الغابي وتنفيذ أهداف الألفية الثالثة لإعادة تعمير المناطق المصابة بالجفاف عبر مشاريع إعادة تعمير المناطق المتأثرة باستكشاف البترول، مشيراً إلى أن الغابات تتيح فرصاً جيدة لتوظيف العمالة بالإضافة إلى استقطاب وجلب العملات الصعبة بإنتاجها الصمغ العربي، كذلك تُدخل فئات مهمشة سوق العمل في مجال الغابات، وأضاف: أنواع الغابات بالسودان عديدة منها (مجموعة الغابات النيلية) وتشمل غابات السنط، وهي غابات طبيعية لها العديد من الفوائد مثل تخصيب التربة وإنتاج أخشاب السنط والطلح، وهي تنمو على مجاري الأنهار الطبيعية.. ومجموعة (غابات الضهوة) وهي تعتمد على الأنهار ويسود غالبيتها النوع الشوكي مثل الطلح السدر والصمغ العربي وصمغ اللبان والطرق والكاكاون وحبة العروس الحمراء، وهذه الأشجار تقدم نوعيْن من الفوائد، خشبية وغير خشبية، وهي مستودع من الأدوية الطبيعية التي تعالج العديد من الأمراض، كذلك تسهم هذه الغابات في إنتاج العسل. أما النوع الثالث من الغابات فهي (الغابات المروية) مثل البان، وهو حزام واقٍ يوفِّر ثروة وينمو في مناطق الري الطبيعي أو الصناعي.