{ سيكون واقعاً افتراضياً أن يوقفك رجل مرور ليشكرك على حسن سيرك وسلوكك على الطريق كما هو الحال في التمثيلية التلفزيونية للفنان (جمال حسن سعيد) وفرقته، وسيكون يوماً سعيداً ألاّ تتوقف لعطل فني في إشارة مرور شلّ الحركة في شارع ما وأوقف يومك في منتصف اللا حول ولا قدرة على الخروج من مضيقه وأبلغتك الأبواق بضجر أن مشوارك مهما بلغت أهميته سيتأخر ولا على كيفك، دعك من السبب الرئيسي لأن تتوقف حركة المرور لمجرد أن سعة الشوارع ومقدرة الأسفلت على تحمل كم السيارات وكيف سائقيها قد بلغت آخرها جداً. وستكون مصادفة مستحيلة أن يقع في يدك مطبّق للقانون الجديد لإدارة المرور وتعريفات الواجبات والحقوق عليك كمواطن يتملكك الفضول لمعرفة كل ما هو جديد. { وقانون المرور الجديد الذي يلزم السائقين بإشارات المرور والسلامة المرورية والمحاذير على الطريق، يردع من تسول له نفسه الأمّارة بالسرعة أن يتخطى أو أن يتوقف لعطل طارئ في مركبته على جانب الطريق بغرامة فاتكة لا محالة لمثل هذه التصرفات غير المسؤولة. وقد بدأت إدارة المرور تطبيق قانونها الجديد مباشرة عقب عطلة عيد الفطر المبارك كل سنة وانتو طيبين ولامين وسالمين وذلك حتى لا تفسد حسنات أواخر شهر رمضان الكريم على السادة رفقاء الطريق والغرامات التي تبدأ من إيصال فئة خمسين جنيهاً وانت طالع هي ما جعلت الحركة تتوقف في شرايين المواطنين سائقي المركبات العامة من الحافلات الكبيرة والصغيرة وحتى الركشات بشكل أكبر من أصحاب المركبات الخاصة. فالأمر يدخل في لحم التوريدة اليومية التي تتوزع على فئات ووحدات لا تترك ثقباً لتدخل منه الخمسون التغريمية وينخر في عظم المركبة وسائقها أو سيدها بكمية المخالفات اليومية التي يمكن أن ترتكبها المركبة جراء مصائب الطريق ويترك من بعد ذلك المركبة وصاحبها مثالاً حياً لمن يجروء على مخالفة القانون والطريق! { إن طريقة تعامل الشرطة عموماً مع الشعب بها، لا شك، شيء كبير من الخدمية من تأمين وتوفير وتحقيق و...إلخ.. وإدارة المرور بشكل خاص تجعل كل ذلك متاحاً لكل الشعب بدون فرز بأن يكون السائق والراجل رفقاء الطريق تحت رعايتها ومسؤوليتها المباشرة بتوفير وتحقيق السلامة المرورية للجميع وأظن الشاهد على ذلك فكرة التفويج للسفريات أوان المواسم العيدية التي جادت بها عقول الإدارة المرورية للحد من الحوادث في الطريق حيث أظهرت رؤية قبلية متميزة لخدمة المرور غير المحدودة بالإيصالات والغرامات فقط. بجانب التطور التقني العالي لعملها في مراقبة الموانئ البرية والمواقف الكبيرة للسفريات وللإشارات المرورية، ناهيك عن التأمين المروري لبعض الجهات الخدمية والمستشفيات، كواجبات وخدمات تقع في صميم عملها كإدارة تعنى بالمواطن بشكل مباشر. لكن رفع قيمة المخالفة المرورية ليكون الحد الأدنى منها خمسين جنيهاً باعتبار أن الغرامة تتأثر بالحالة الاقتصادية الاستهلاكية عطفاً على ارتفاع التسعيرات والأسعار للبضائع الاستهلاكية مؤخراً كان لابد أن ترتفع غرامة مخالفات السير. { ولأن ثقافتنا المرورية ضحلة في ما يتعلق بحقوق المواطن، راجلاً كان أم سائقاً، هذا إن لم تكن معدومة تماماً، فإن مجرد النقاش في أمر الزيادة يعتبر عيباً ولا يتفق مع التربية الاجتماعية للمواطن السوداني الماشي بالبركة فكما هو الحال لكل مسؤول تقلّد منصباً خدمياً فإنه لا يكلّف إداراته عناء تعريف الناس بما يليهم وما عليهم ولهم إنما يبدأ في سنّ القوانين وتقوية إدارته بما يلزم بدايةً من تحسين البنى التحتية وحتى البنية الاقتصادية والاجتماعية لمنسوبيها، ومتروك أمر التوعية والتعريف والتثقيف لإدارة الإعلام بها التي، لا شك، ترى أن عملها يبدأ مع الاحتفالات السنوية والأعياد والمناسبات العامة وحلقتين في كل قناة وإذاعة فضائية وتهنئات العيد والزواج والمناصب، وعلى المواطن أن يتفاجأ بالقرارات والقوانين إن كان مايزال لديه عنصر المفاجأة في دمه، وأن يدفع بصمت قيمة جهله وعدم سؤاله عن الجديد في الدولة كسؤاله عن الجديد في الأسواق! { ولأن المعاملات الخدمية جميعها قد دخلت السوق بطريق العرض والطلب فإن محاولات التحقيق والتحقق من أسباب القانون والصفحات الإعلانية مدفوعة القيمة التابعة لعمل الإدارة طبعاً لن تغير شيئاً فلن يظهر على الطريق تغيراً باعتباره رد فعل للغرامات الخمسينية كأن نشاهد غداً، مثلاً، شارع أسلفت ببال طويل وصدر عريض يتحمل ضغطنا وزحفنا النهاري عليه أو ربما على أسوأ الفروض أن نسمع رجل مرور قام بإيقاف السيارات لتعبر مجموعة أطفال كواجب مدني وليس فردياً أو يقوم بتعريف السائقين بالمخالفات التي يمكن تلافيها كي لا تقع الغرامات! ولا شيء سيغير التركيبة القديمة بأن نكون مواطنين متلقين ومتجردين من الشعور بحقوقنا على الجهات الرسمية بأن نعرف ونتعرف ونتشارك ما دمنا نُدان بالواجبات التي نقوم بها برغبتنا أو بغراماتنا.