{ تنتظم البلاد حالة من الرعب والفزع والوجل، والجميع يتحدثون عن المكالمة القاتلة، ويتناقلون أنباءها ومستجدات الأحداث حولها، ويحرصون على تنبيه أكبر قدر من الأهل والأصدقاء والمعارف والتأكيد على ضرورة عدم الرد على أي رقم مجهول، لا سيما إن كان غريب الشكل، والخبر الذي يسري في المدينة سريان النار في الهشيم أن مكالمة تلفونية مجهولة وعشوائية تأتيك على جوالك وبمجرد أن تقول (آلو) المعتادة تصاب بسكتة دماغية قاتلة وتنتقل إلى رحمة مولاك في الحال!! { والعديد من الناس يصدقون هذه الرواية، ويقسمون بأغلظ الأيمان على أنهم يعرفون حالات حقيقية تعرضت لهذا الموت السريع، وأنا بين مكذبة ومصدقة تأتيني الأنباء بأن قناة الجزيرة الإخبارية أعلنت الخبر، وأن الإذاعة السودانية حذرت من هذا الخطر المحدق، وأن المستشفيات تستقبل عدداً من حالات الموت الجماعي الهوائي! وأحاول أن أتشبث بالمنطق، وأتساءل عن مصدر الخبر وهوية القاتل، ولماذا لم تعمد شركات الاتصال لتوضيح الأمر لعملائها إذا كان الأمر صحيحاً؟ علماً بأن التطور العلمي يقبل إمكانية قيام جهة ما بتحديث خدمة اتصالات تصيب الإنسان بفيروس قاتل طالما استخدام الهاتف الجوال في الأساس لا تخلو ذبذباته من الخطورة بعيدة الأمد، فأين الحقيقة؟! { والاحتمال الموضوعي أن يكون الأمر مجرد شائعة مبتدعة ككل الشائعات التي تنتشر ويتداولها الناس بين الحين والآخر وهي لا تخلو من سذاجة، مثل تلك التي انتشرت مؤخراً عن (حواء أم ضنب) المرأة الخارقة التي تأتيك في هيئة طبيعية لتأكلك ويميزها ذيل خفي، وأذكر أن أبنائي ظلوا زمناً ليس بالقصير يعودون من مدارسهم بأنباء (حواء) وأماكن وجودها وحكاياتها مع ضحاياها، فهل تُعد هذه المكالمة القاتلة على ذات النسق؟ هل هي فكرة ذكية من أحد العاملين في مجال الاتصالات لزيادة حجم مبيعات (الرصيد)؟ علماً بأن معدل المكالمات قد ازداد بصورة كبيرة لأن الجميع يتناقل الخبر ويحذر القريب والبعيد، أم أنها (حدوتة) جديدة تدخل في إطار الحرب الباردة من أجل زعزعة أمن المواطن أو دفعه للانشغال بأمور جانبية تافهة بعيداً عما نحن بصدده من تحديد مصير وطن بحاله؟ { إنني وحتى كتابة هذه ا لسطور لم أتمكن من استجلاء الحقائق، ولا زلت حائرة بين عقلي وخوفي الفطري البسيط، فالعقل يشير عليّ بألا أتوقف كثيراً عند هذا الأمر الساذج، وخوفي الفطري ينزع للانضواء تحت لواء الجماعة فالكل من حولي متوجسون ومنشغلون بالأمر ومسلمون به وفي كل صباح تأتينا حكايات وروايات جديدة، غير أننا لم نتمكن من التيقن من إحداها تماماً، فهل يعني ذلك أن الأمر برمته لا يتعدى حدود الشائعة؟ وإن كان كذلك، فعلى من يقع عبء التوضيح؟ علماً بأن شريحة كبيرة من مجتمعنا السوداني في الواقع أناس بسطاء وطيبون وعلى نياتهم ومثل هذه الأنباء تقلب حياتهم رأساً على عقب، مثل جارتي الطيبة (الحاجة زكية) التي ترفض منذ ثلاثة أيام أن ترد على هاتفها الجوال على الإطلاق حتى إذا كان المتصل أحد أبنائها بغرض الاطمئنان عليها، بل إنها تتعامل مع هاتفها على أنه قنبلة موقوتة فتلقي به بعيداً عنها وتفكر جدياً في التخلص منه، إنني أنتظر توضيحاتكم وأخباركم اليقينية، أو أنني أرجو من مصدر هذه الإشاعة الغريبة أن يتقي الله في قلوبنا الضعيفة فلم نعد نحتمل المزيد من الخوف واللا أمان. { تلويح: الأعمار بيد الله، ومن نعمه أن جعل الآجال مجهولة.