• الدولة التي ستقوم في جنوب السودان في حالة الانفصال هي بكل المقاييس دولة فاشلة، ليس تماماً كما يتحدث الأمريكيون وإنما بحسابات أخرى بدأت تظهر معالمها إلى حيز الوجود بسبب تصرفات متعجلة لقيادات بارزة في الحركة الشعبية تنقصها الحكمة والكياسة، يدفعهم إليها الاستفزاز والحقد غير المبرر لقيادات كان من الأولى أن تتجاوز الماضي وتعود من الغابة التي ما زالوا يتحدثون بلغتها بعد كل هذه السنوات من الاتفاق وتنفيذاته، فبدت تصرفاتهم غريبة تكشف عن حجم الفشل الذي سيكون هو سمة الدولة المرتقبة وما ستؤول إليه من أوضاع كارثية في ظل تقديرات تأتي كرد فعل دون أن تكون فعلاً أصيلاً. • المسابقة التي طرحتها الحركة الشعبية لاختيار النص الشعري للنشيد الوطني للدولة القادمة وما تم اختياره من النصوص، نشرت صحف الخرطوم مقتطفات منه، يكشف وبجلاء جهل قيادات الحركة بحقائق تاريخية لا تقبل المساومة أو الالتفاف عليها، فالنص يتحدث ويذكر “كوش” وهي مملكة سودانية نشأت في العام 2000 قبل الميلاد وامتدت فترتها حتى 1500 قبل الميلاد وتمتد حدودها من الشلال الأول وحتى الشلال الرابع أي شمال الخرطوم وعاصمتها كرمة وكل ذلك لا علاقة له بجنوب السودان وكذلك فإن الاسم لغة لا علاقة له بالجنوب ولهجات قبائله، فمن المعاني البارزة والمرجحة لكلمة “كوش” أنها تعني الفارس وفي تفاسير أخرى تعني الرجل الأبيض وتعني الذهب، ويضاف إلى ذلك أن قدوم بعض القبائل النيلية إلى السودان لم يكن سابقاً لقيام مملكة كوش ولم يكن قدومها من اتجاه الشمال وإنما قدمت إلى السودان عبر بوابته الغربية. • استمعت قبل فترة إلى حديث للدكتور جون قرنق لم ينشر بعد وهو يتحدث عن رؤيته للسودان الجديد الذي يتصوره مثل مملكة كوش وكل ذلك في إطار السودان الواحد الموحد وليس على النحو الذي يتخبط فيه المنظر الجديد للحركة الشعبية باقان أموم الذي يبدو أنه انفعالي أكثر مما هو منظراتي ورجل فكر، فهو يبني افتراضاته على ما يتذكره من أحاديث للدكتور جون قرنق وليس على ما يخلص إليه من علم ودراية وفكر. • النص المختار للنشيد الوطني كتب باللغة الإنجليزية وهذا يسلب الجنوب أحد أهم الركائز، وهي اللغة القومية التي تجمع بين كافة مكونات مجتمع الجنوب وهي إحدى أهم مقومات الهوية الوطنية، فاللغة الإنجليزية لا تعبر عن وجدان أهل الجنوب ولهذا فإن مثل هذه التصرفات المتعجلة وغيرها من سلوكيات في الملبس كالذي يرتديه بعض قيادات الحركة الشعبية بمن فيهم سلفاكير؛ لا تعبر عن الزي القومي لشعب جنوب السودان، فهي أزياء لمسلمي غرب أفريقيا وما يشهده الجنوب من تغريب واستلاب حضاري كله يكشف وبجلاء عن ضعف المردود الحضاري والإرث التاريخي على نحو يجعل قيادات الحركة تسقط في أول امتحان وهو امتحان الهوية فيسرقون تاريخ الشمال وحضارة الشمال ليكتبوا نصاً شعرياً مزيفاً ومسروقاً هو نشيدهم الوطني. وأمام الدولة الفاشلة المرتقبة امتحان الاسم في ظل تباين اللهجات وغياب القواسم المشتركة بين مكونات المجتمع الجنوبي مما يفتح الباب لاختلافات ثقافية تجعل من بلورة هوية وطنية موحدة متفق عليها أمراً مستحيلاً. • يجب أن تفهم قيادات الحركة أن قيام دولة ليس بالأمر السهل ولن يكون ميسوراً فقط لأنها تجد الدعم من الغرب والولايات المتحدةالأمريكية وإنما قيامها لا بد أن يسنده تاريخ وهوية وطنية وقواسم ثقافية مشتركة وإلا جابهت الدولة المرتقبة انشطارات ثقافية، ما تلبث أن تتحول إلى انشطارات سياسية وانفصالات قطرية. • لن يسمح الشمال ولن يتنازل عن تاريخه أبداً ويجب أن تعي قيادات المؤتمر الوطني أن ورود كلمة “كوش” في النشيد الوطني المقترح يعني أطماعاً مستقبلية في شمال البلاد ويجب أن نتوقع ونتحسب لإطلاق اسم “كوش” على الدولة المرتقبة لا قدر الله ويجب أن نربط اعترافنا بالدولة الجديدة بجملة مسلمات يجب ألا يتعداها الجنوب إن اختار الانفصال.