دخول القات للسودان، يعني أن العولمة في مجال المخدرات ناشطة حتى النخاع ! فالسودانيون لم يكونوا من أصحاب (التخزين)، وهي الكلمة التي يستعملها متعاطو القات، الذين يمضغونه، ثم يقومون بتخزينه على شكل كتلة بين الأضراس والخد، ليقوم الجسم بامتصاص المادة المخدرة والشعور بأثر التخدير. لكن التخزين وجد موطئ قدم له محليا، وقد تم مؤخرا، حسب الأخبار المنشورة أمس، ضبط جوالين من القات، أثناء تهريبهما عن طريق أحد البصات الواردة من القلابات إلى الخرطوم، ما يعني أن هناك سوقا لهذه المادة المخدرة في العاصمة، وأن هناك متعاطين (نشطين) للقات، حتى لو كان غالبيتهم حتى الآن، من جنسيات غير سودانية ! والقات معروف في شرق إفريقيا، وفي اليمن، حيث الاستهلاك الأكبر ربما على مستوى العالم، لكن السودانيين من متعاطي المخدرات، كانوا يكتفون بالبنقو، ويستهلكون محصوله محليا، إلى أن دارت السنوات، ليصبح البنقو في الصف الأول .. ضمن المخدرات التي يستعملها المتعاطون في مصر، والتي كانت مخدراتها محصورة سابقا في الحشيش .. والأفيون. انتقال القات للسودان، وانتقال البنقو لمصر، ووجود وارد مزعج من عقارات الهلوسة والمؤثرات العقلية لدول الخليج، يقطع الشك بأن عولمة المخدرات هي الأنشط، والأشد فتكا في وقتنا الحاضر بالعقول والسواعد المدخرة للبناء والتنمية ! المشكلة أن المخدرات لم تعد شأنا ذكوريا، فالمتعاطيات الإناث في ازدياد ملحوظ، رغم أن فتياتنا كن، وما زلن، بعيدات في غالبيتهن العظمى عن هذه المسالك، لكن هناك فئات انزلقت في دروب المخدرات، بعد أن انزلقن من قبل في دروب التدخين والشيشة .. وهي دروب كما قلنا من قبل لا تشبه فتياتنا، ولا تشبه أنوثة المرأة وطبيعة تكوينها . عولمة المخدرات، تقتضي عولمة المكافحة، فالمخدرات عابرة للقارات، ولا تعترف بالحدود، أو الجنسية، والبنقو لم يعد سودانيا، كما أن الحشيش لم يعد مصريا، والقات لم يعد اثيوبيا أو يمنيا، والهيروين والكوكايين وكل المصائب المدمرة للعقول أصبحت بلا هوية، فتعولمت، وأضحت سلعة تقتات من عقول الشباب الإنساني، من أقصى المعمورة إلى أدناها. تجفيف منابع الانتاج للمخدرات في كل دولة، هو الخطوة الأولى لمحاصرة الغزو، وهي مهمة لا تقع على عواتق الحكومات المحلية لدول الإنتاج فقط، بل تتطلب إسهاما دوليا، في المكافحة، وفي تشجيع المنتجين للتحول إلى زراعات اقتصادية مجزية المردود، وهناك تجارب دولية في بعض دول آسيا، كان لها مردودات تستحق الوقوف عندها وتقييمها، فقد تكون مفيدة جدا في خطط المكافحة .. والمحاصرة .. بعد أن أمست الهجمة تتكثف من كل الاتجاهات، مستهدفة شبابنا وشاباتنا، ومستقصدة مستقبل أمتنا، وعناصر الطاقة الفاعلة فيها.