وقفت بعض الوقت أتأمل حالة الصبر التي يقوم بها المؤتمر الوطني حيال قضية الاستفتاء مقابل الاستفزاز الذي يقوم به الشريك «الحركة الشعبية»، ونكوصها عن أهم بند على المستوى الأدبي وهو «العمل على وحدة السودان»، ويقدم المؤتمر الوطني وضعية شبيهة بالتنازل لدى بعض المقيمين من الثوريين أمثالي، فتذكرت رواية مهمة جداً بالإنجليزية اسمها Who move my cheese من الذي أخذ قطعة الجبن؟ فصول هذه الرواية الجميلة تدور حول وجود أربعة فئران، اثنان ذكيان والآخران على درجة من «الغباء»، فكان الفأران الذكيان يأتيان ويأكلان من نفس قطعة الجبن التي يأكل منها «الغبيان» ثم يذهب الذكيان وهما على درجة من «الشبع» والاكتفاء بحثاً عن قطعة أخرى ليجداها ثم يغطيانها بعيداً ويواصلان الأكل مع الغبيين، وهذان يأكلان ثم يذهبان وينامان «على العسل» وعلى أمل الذهاب غداً إلى ذات القطعة المتبقية، وعندما تنتهي القطعة المشتركة يذهب الفأران الذكيان إلى ما جمعا من قطعة أخرى ليأكلا منها ويذهبان مرة أخرى بحثاً عن ثالثة، ويأتي الآخران ويجدان أن آخر القطع قد أكلها الذكيان ويبدآن في التباكي ولسان حالهما يقول Who move my cheese من الذي أكل قطعتي وأخذها؟ وفي هذه الأثناء تقف في ذاك المربع الذي تجاوزه الآخران «الشريكان» حتى يموتا جوعاً!! هذه الرواية تقدم درساً مهماً جداً، هو أن الخيارات يجب أن تكون مفتوحة وعلينا ألا نعتمد على «مهاد واحد» ولا أن نعتمد على «طريقة واحدة» في التعاطي مع قضية مهمة كهذه، وشريكك يغطي خياراته من «الجبن» بل ويكشف عنها تماماً!! رسالتي للمؤتمر الوطني، المجتمع السوداني وبالذات الشمال السوداني لا يدعوكم لتبني انفصاله عن الجنوب كما يفعل الآخر ولكن مبدأ «حسن النية واعتماد الطريقة الواحدة»، أسميه كذلك، ولثقتي في قيادة المؤتمر الوطني وعبقريتها، فقط نرجو عدم الإفراط في حسن النوايا لأن المواطن البسيط بعد ندوة قاعة الصداقة والهتافات الانفصالية داخل الخرطوم وذهاب «سلفا» الذي كان يتوادع بكلام الوحدة وجلوسه إلى الكتلة السوداء بالكونغرس وكلامهم عن الانفصال ومباركة الحركة والضغط على «عصفور السلام المؤتمر الوطني» دليل كاف على عدم جدوى والغياب التام للقطعة المشتركة «للجبنة» وعدم تركنا كأننا زغب أي عصافير مهيضة الجناح، فالوحدة أمر يحدده الاستفتاء وعلينا عدم التجميل المخل وأقول مخلاً لأنه حتى عمليات التجميل إذا أصبحت عميقة ومتكررة تؤدي إلى حالة من التشويه في جسم الإنسان كما يحدث لبعض «الفنانين» في العالم. فيجب على المؤتمر الوطني احترام كرامة الشمال السوداني ونناديه بالندية الاستفتائية فإذا جاءت الوحدة فهذا هو الأمل وإذا أتى الاستفتاء بالانفصال فهذا خيار أهل تقرير المصير وهذا اتفاق «نيفاشا» وعلينا القبول والبحث عن خياراتنا بشكل واضح لأن الحركة حسمت خياراتها وأعدت عدتها لذلك عبر التجهيزات الدبلوماسية بحشد الرأي العام الخارجي وتهيئة القاعدة الجنوبية وتجهيزات عسكرية، فأين نحن من الخيارات الأخرى؟ وهل نطمئن إلى ذكاء المؤتمر الوطني أم نتخوف من حالة حسن النية «الفئرانية»؟