إن على الحركة الشعبية التأمين والاعتراف بأنها لم تطرح طرحاً واضحاً حول الوحدة، ولم تقدم لهذا المشروع شيئاً حتى ولو بحجم إحسان القول، وإظهار حُسن النيَّة على الأقل، ومنتهى المفيد في هذه الوجهة أن تزعم الشعبية أنها مع الوحدة على أسس جديدة، كما تزعم وتدعي وهو شعار تغلب عليه الحذلقة أكثر من الواقعية المشاهدة. الحركة الشريكة في اتفاق السلام، لم تقم بجهدٍ موازٍ لجهود شريكها حول الوحدة، وأيما مقارنة عملية أو بحجم حُسن النوايا على الأقل ستظهر أن الوطني كان في المقدمة وإن الشعبية لا تأبه كثيراً بالمسألة. كل الشواهد والآراء وتقديرات المراقبين تشير إلى أن التيار الانفصالي في الجنوب يتغلب على التيارات الأخرى، ليس بالحجة والإقناع والخيارات الحرة إنما بقهر السُلطة وسطوة الاستخبارات الشعبية، وحتى الديمقراطية واحترام خيارات الناس التي ترى الحركة أنها الأسس الجديدة للوحدة تغيب تماماً في موازين مواقف القوى المختلفة بالجنوب اليوم إذ يقمع الداعي للوحدة ويعلي من شأن الانفصالي. واخشى أن تكون رهانات (الوطني) قد قامت على تقديرات غير صحيحة أو دقيقة، إذ إن المبذول منه لصالح الوحدة خالف الوضع في الجهة الأخرى (جنوبا)، ففي الخرطوم و(الشمال) عموماً كتمت أنفاس الانفصاليين تماماً، وضيق عليهم وصودرت حتى منافذ ومنابر تعبيرهم، وصوبت الجهود كاملة للوحدة بما في ذلك الخط الإعلامي الخاص والعام. المؤتمر الوطني والحركة الشعبية وظف كل منهما المتاح لديه لصالح ما يؤمن به، فوظف الأول الطاقات من اجل الوحدة، وحجم الثاني الطاقات – للعجب – لصالح الانفصال، لتتضح حقيقة مواقف البعض، ممن يزعمون أنهم يُحمِّلُون الوطني تحديداً مسئولية انفصال السودان وانقسامه! الجنوب إن انفصل ومضى ليكوِّن دولة جديدة فإنه أمر وقع باختيار ليس من اختيار سكانه ومواطنيه، هؤلاء لم تسمع أصواتهم، الصوت الأعلى الآن للسيد ياسر سعيد عرمان، الذي عاد للظهور والصعود والثرثرة في كل الفضائيات متوعداً بالويل والثبور إن لم يقم الاستفتاء في موعده، وكذا الحال للسيد باقان أموم الذي لم يبقَ له إلا أن يطالب الأممالمتحدة والاتحاد الإفريقي مجالس القوم على مقعد البلد العضو الجديد. إن مواقف بعض المتشنجين في الحركة الشعبية من مجمل مسار عملية السلام يبدو محيراً، ففي فترة الانتخابات التي أجريت مؤخراً كان التركيز على تشويه سمعة مفوضية الانتخابات، ثم رموزها وقادتها، وعلى نفس الوتيرة يتم الآن التعامل مع مفوضية الاستفتاء، ذات التعليقات، والروايات والانتقادات ومن التشكيك في كل الأمر وإظهار العملية بأكملها وكأنها عرض لمسرح العرائس خاص بالأطفال يحضره الكبار. نقلا عن صحيفة الرائد السودانية 19/8/2010م