يرفل الثائر عبد الواحد محمد نور، رئيس فصيل «تحرير السودان»، في أفخر الشقق الباريسية من ذوات النجوم السبعة تحت ضيافة الكرم الساركوزي المدهش، وهو يرفض «مبدأ التفاوض»، حيث لم يجلس على طاولة مفاوضات منذ أن خرج من عباءة السيد مني أركو مناوي في أبوجا. ولئن كانت حركة «العدل والمساواة» تُتهم بأنها الجناح العسكري لحزب المؤتمر الشعبي، الاتهام الذي يرفضه الشعبيون دائماً، ففي المقابل فإن بعضهم يزعم بأن «حركة تحرير السودان» هي في الأصل صنيعة الحركة الشعبية لتحرير السودان وبرعاية أجنبية، وأنها تستمد فلسفتها من الفلسفة التحريرية، الانعتاق والتحرر من الثقافة العربية الإسلامية، فضلاً عن أن «فرنسا ساركوزي» من أكثر الحكومات الغربية حماسة لخدمة مشروع دولة الكيان الصهيوني، فلم تكتف باريس بفتح مطاراتها وفنادقها وإعلامها أمام الثائر عبد الواحد نور بل هي من مهدت الطريق له لإقامة مكاتب داخل دولة الكيان الصهيوني، لهذا فإن الذين يتحدثون عن مؤامرة صهيونية إسرائيلية لتقسيم السودان لا يتحدثون من فراغ، فعبد الواحد من هذه الكروت، وهو يحتفظ بعلاقة ثلاثية الأبعاد «باريس تل أبيب جوبا». غير أنه ولسوء حظ هذا التحالف الثلاثي فإن رمزية عبد الواحد الثورية بدأت تنهار أمام النازحين الذين ظلوا يستمعون للرجل من فنادقه ذوات النجوم السبعة وهو يمنيهم ويعدهم، وما يعدهم إلا غروراً، وإن أحوالهم تتقهقر إلى الخلف، فكلما أطل السيد عبد الواحد عبر شاشات التلفزة العالمية في حلقة جديدة كلما ازدادت أوداجه انتفاخاً ووجهه اتساعاً، كما لو أنه يزداد في كل مرة ثلاثة كيلوجرامات، وهم في المقابل ينقصون بالعشرات ويموتون بالتقادم لدرجة التساؤل، يا ترى كم عطراً باريسياً فاخراً يرقد الآن في غرفة الثائر عبد الواحد ذات التكييف المركزي؟ بل كم تبلغ درجة البرودة في هذه الغرفة مقارنة بدرجة الحرارة في معسكر أبو شوك؟ بل كم تبلغ نسبة «الشوك» في معسكر أبو شوك مقابل الوسادات الفخيمة التي يتكئ عليها رجل الثورة؟ يخيّل إليّ مقابل كل قارورة عطر عشرات الأمصال المنقذة للحياة حيث لا منقذ من الموت البطيء. فإن الشُّقة لجد شاهقة جداً ما بين شقق باريس الفاخرة وشوك معسكري أبو شوك وكلمة، وربما كان ذلك نمطاً جديداً في الثورات الحديثة، أن يدير الثائر الأكبر ثورته من فندق سبعة نجوم والثورة الحمقاء تضاء بسبعة أنجم في سماء دارفور، كما لو أن لسان حال الثوار ينشد ويقول: يا عابد الحرمين لو أبصرتنا ٭٭ لعلمت أنك بالعبادة تلعب من كان يخضّب خده بدموعه ٭٭ فإن نحورنا بدمائنا تتخضب وسؤال آخر باهظ الأثمان يظل يطرح بقوة الآن، من الذي يسدد فواتير هذه الإقامة الباريسية الفاخرة؟ لا ندري، ولكن الذي ندريه تماماً هو أن السيد عبد الواحد الآن همه الأكبر تسديد فواتير ورد الدين لمن يسدد له فواتير تلك الاستضافة الباريسية الباهظة، ولمن يقوم برعاية مكاتب تل أبيب والعواصم الأخرى. يفترض، والحال هذه، أن تصدر المعسكرات مسألة مستعجلة لسحب «لقب ثائر» من رجل الفنادق ذوات النجوم السبعة، فالسيد عبد الواحد يصلح ربما لكل الألقاب إلا لقب ثائر، لكن الحقيقة المؤلمة هي أن رجل التحرير نفسه يحتاج إلى أن يحرر نفسه أولاً من قبضة الممولين قبل أن يفكر في تحرير الآخرين. مخرج.. سل أم عمرو عن أسيرها ٭٭ تفك الأسارى دونه وهو موثق فلا مقتول وفي القتل راحة ٭٭ ولا ممنون عليه فيعتق