باعوضة لئيمة .. أقلقت منام صويحبكم ليل أمس، وتركت أثرها السالب على بقية يومي في ساعات اليقظة النهارية. هي أنثى .. لا أشك في ذلك .. فطنينها طنين أنثى !! ثم إنها عدوانية بشكل لا يصدق، وأجزم أنها (أنوفيليس) ناقلة للملاريا، نقلها الله إلى حتفها اليوم قبل الغد ! أقول إنها أنثى .. لا عصبية للقبيلة الذكورية، ولكن لأن ذكور الأنوفيليس لا تنقل الملاريا، ولا تمارس كل هذا اللسع، فالذكور، في كل أجناس الكائنات الحية، يقتحمون ولا يناورون، أما اللسع، ثم الهروب، ثم معاودة اللسع، فهي مهارة أنثوية لا ينافسها فيها منافس ! لا أعرف من أين يأتي البعوض هذه الأيام، فمياه الأمطار جفت في معظم الأماكن، والحرارة النهارية رغم تباشير أكتوبر ما زالت عند المعدلات الصيفية اللاهبة، وهي معدلات لا تقدر عليها أجساد الكائنات الحية الكبيرة، بدءا من الزراف والأفيال والجمال وأفراس النهر .. وانتهاءً بالضأن والغزلان والأرانب .. والدجاج ! بعوض هذه الأيام مصفّح .. هكذا تبدو الأمور، وثقيل دم أيضا، فهو لا يكترث لما يجري في الساحة، ولم يسمع قط بهموم البشر الذين يفتك بهم ويقلق منامهم. أحد الأصدقاء علق قائلا : أظن أن لا وقت للبعوض لمعرفة أن هناك استفتاء قد يجعل السودان جسمين لا جسما واحدا، كما أنه لا يكترث للرغيف الذي تقلص وزنا وبات مهددا بالتلاشي مع مر الأيام دون حس أو خبر ! وبالفعل، يبدو البعوض هانئا بانشغال الناس .. وبمكابداتهم اليومية التي تلهيهم عن حث السلطات لرش البعوض، وأظن أن عقلاء البعوض باتوا يشنون حملات توعية لرعيتهم حول سبل مكافحة المكافحة (!!) بل ويدربونهم على كيفية التعامل مع أي محاولات رش تستهدف وحدتهم، فالبعوض عند الشدائد .. جسم واحد، وليسوا ككثير من البشر .. ممن لا يهمهم الصف الواحد المتماسك او الصف المنقسم أو (المنفزر) !! الحقيقة لا أعرف إن كانت حملات المكافحة قد تمت أم لا، فالبعوض هذه الأيام في أنشط حالاته، وعلى أي حال، أفكر جديا في وصفة قالها لي أحد جيراني ذات يوم، وهي أن أحسن طريقة لمكافحة البعوض في الغرف، هي تربية بعض (الضببة)، و(أم شبتو)، لأنها متخصصة في صيد البعوض والناموس، وتشكل وسيلة فتاكة لا تفتر فاعليتها، ولا تخور قواها ! الحمد لله، فقد استطعت كتابة هذا العمود رغم سوء نومي البارحة، وسأهجع باكرا اليوم بعد رش الغرفة بالبف باف، حتى أهنأ بنوم حالم هادئ .. لا تكدره أنثى الأنوفيليس الشريرة .. ولا تفزعه لسعاتها وعدوانيتها الجارفة دون هدنة أو استكانة !