والروشتة التي تتنقل بين أيدي الصيادلة يلفون جوانبها بأيديهم الباردة حتى تهترئ من شدة اللمس أو البرد وحدها تعرف معنى صعوبة عدم العثور على الدواء المحدد الموصوف فيها في المهلة المتاحة للبحث ومن أول وهلة صيدلية. وحدها تتكبد مشقة اللف والدوران والاهتراء حتى لتكاد تبدو قديمة الوصفة وليست حديثتها الخارجة لتوها من طازج يد الطبيب الكاتب لها بالتحديد والمؤكد على ضرورة الحصول على ذات الدواء دونا عن بديله! ونحن ننقاد وراء شقاء الروشتة نحاول التخفيف عنها بالمواصلة في البحث لإثبات حرصنا الدوائي الوصفي لأننا نثق في الأطباء أكثر من الصيادلة، فما دمنا ندفع للدخول للطبيب فهو أكثر حرصا علينا من الصيدلي، مجاني الدخول ! بتفكير عجيب في معتقدنا المجتمعي أن المجاني دائما غير ذي ثقة ولا يصلح لإبداء الرأي أو العمل به! وثقتنا المعدومة هذه تدفعنا الى المرور بكل باب زجاجي لصيدلية مميزة بكل أرقامها المتعددة كدليل لنجاح تجارة الدواء ومستلزمات التجميل ومرضى السكري والأطفال، نبحث بيقين تام أننا سنعثر على الدواء الأصلي المكتوب على الروشتة الذائبة من الخجل الدوائي! لا نستمع إلى صوت البائع في الصيدلية بمحاولته إقناعنا أنها مجرد تسميات شركات لكن المحتوى واحد. نصر على الأخذ بنصيحة الطبيب والاستمرار في البحث، وحين العثور عليه في ذات صيدلية مازال صاحبها صيدلانيا لم تحوله المرابحات الاقتصادية إلى تاجر في سوق الدواء نكتشف أن الأختلاف ليس في أسماء شركات الدواء فقط لكنه يطال المحتوى والتركيبة العلاجية أيضا! ويمكن أن يحيلك الدواء البديل الى مريض بداء آخر غير الذي استهلكت فيه طاقتك وروشتتك في البحث عن دوائه الناجع! ودواء أمي الذي يحافظ على مستوى ضغط الدم في جسمها لا يصلح أن يكون له بديل أبدا، فقد شارف كسلنا البحثي عنه واكتفائنا ببديله ذات مرة أن يرديها في هوة مرض قلبي لسنا في قدرة على تحمل وهنه النفسي علينا ولا البدني عليها. لهذا تحرص أن تضاهي اللون والحروف ودرجة حرارة الدواء في العلبة قبل أن تطمئن إلى مزاعمنا أنه هو نفسه القديم.! فما طال علم الدواء والصيدلة من تجديد وحداثة جعله يتحول إلى تجارة لا تخلو من ضحايا. فكما نتابع على لافتات الصيدليات الكبيرة والصغيرة أنها تحتوي على كل شيء، من اللبان أو العلكة إلى سرير الطفل ومقاعد المساج المنزلي، لن تجد عبارة صغيرة تخبرك بوجود استشارة يمررها لك الصيدلي كنوع من الموازنة الضميرية لما منحته له من سعر دواء مرفق معه سعر الهواء المكيف والزجاج المغلف بكاتم صوت ولا شك تراخيص المحليات والنفايات والخ.. فكما تود أنت أو تقوله روشتتك يكون الصيدلاني تحت أمر جيبك الدافع لسعر مطلبك - وقد سمعنا عن صيدليات كشفتها عين الشرطة الساهرة تتاجر في أدوية وحبوب تصنف بالخطرة ولا تمنح الا بوصفة طبيب معتمدة حيث يعرفونها بانها مخدرة أو منشطة.. الخ - أضف لذلك الجملة التي يلقي بها الصيدلاني على شغف بحثك فيقع من طول صبره مغشيا عليك: (الدوا ده معدوم) ولا محالة ستلجأ إلى البديل (الإنتَ رافضه)! واتحاد الصيادلة يرفض قاطعا صوت المناقشة أن تكون مهنة الصيدلي مجرد بائع للدواء أو كما كانت في سالف العصر والأوان عطارا يمنح الناس الدواء والأمل. يرفضون أن تتقولب الصفات فيعرفون على أنهم مجرد تجار يتاجرون بالوصفات الطبية ويصنعون بأقل المواصفات الأدوية شقاءً للناس بديلا عن الشفاء. أو أن يوفقوا أوضاع الأدوية المستوردة -الغالية مع المحلية – الرخيصة، حتى وإن كانت الأخيرة تحمل مواصفات ومقاييس الجودة الدوائية، وذلك لصالح روشتات المواطنين المهترئة كما أجسادهم.! يأبون أن يصلوا رحمهم العلمي مع الأطباء في ما يتعلق بمسائل الأدوية، كتسمية دواء بعينه قد لا يكون متوفرا بالسوق المحلية لدواع استيرادية بحتة. أما الإمدادات الطبية فلا يمكن الوصول إليها حالياً لأنها منشغلة عن أمر الدواء بالجانب الاستقطاعي والضريبي والوظيفي الخ.. دونا عمّا يتساءلون الصيادلة أو المواطنون! والنتيجة الحتمية هي انعدام أدوية بعينها تعتبر مهمة للناس وعلاجهم أو المحافظة على نسبة المرض منخفضة فيهم أو وقايتهم المحتملة منه مثل أمراض السرطان والقلب وارتفاع السكر وذات الرئة وأمراض الدم والعيون وحديثي الولادة في العموم لارتفاع أسعار استيرادها وعدم صناعتها محليا. وبالمقابل وجود خيارات كثيرة ومتاحة من أدوية بعينها محلية أو واردة، قد لا تمثل ثقلا علاجيا لعبء المرض المتكفلة بتطبيبه، كما هو الحال في أدوية نزلات البرد والكحة والحمى والمضادات الحيوية وبلا شك مسكنات الصداع والألم المتوفرة بكامل روشتات صرفها بدون بديل!