قضايا السلام والوحدة قضايا شائكة ذلك أن خيوط غزلها كانت صنيعة استعمارية خطط لها الاستعمار تخطيطاً محكماً وكأنه يزرع ألغاماً في حقول التاريخ، ما أن تمضي مسيرة بلد أو دولة إلا وتتفجر، هذا ما يمكن أن نقوله في قضايا السلام والوحدة في السياق العام والخوض فيها يحتاج الى زاد بقوة اليقين والى قدرة وحنكة بقدرة الإنسان الواثق، والصبر عليها يحتاج الى رجل من ذلك الطراز الفريد، ربما توافرت فيه كل هذه المطلوبات لكن أوثق ما توافر فيه أنه (ود بلد وطني وغيور) ذلك هو الأستاذ علي عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية ومهندس وثيقة العصر (نيفاشا). ثلاثة محاور تبدو هي مسار الحركة والفعل في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ السودان؛ فقد وجد الرجل نفسه معنياً بالدرجة الأولى في معالجة هذه القضايا الشائكة بين الشمال والجنوب دون أن يكون صاحب مسؤولية في حدوث هذه الأزمات التاريخية على أصعدة الحرب والتنمية والوحدة، مضى في الخطوة الأولى في اتجاه إنهاء الحرب فكانت نيفاشا وثيقة العصر، والحديث حولها يجمله في أنها قد استطاعت أن توفق بين متناقضات الواقع في الالتزام بقيم الأمة ومورثاتها الثقافية والحضارية ومعالجتها لقضايا الدين والدولة وحسمها لمعادلة قسمة الثروة والسلطة، ثم إن التنمية في الخطوة الثانية هي في الأصل سياسة الحكومة على مدار العقدين الماضيين، لكنها في إطار تلك القضايا الشائكة قد أخذت وضعية خاصة في أفق هذا الرجل الذي تعامل معها بوعي وإدراك فكانت تلك الخطوات الحاسمة في تلبية رغبات ومطلوبات السلام والتنمية في جنوب البلاد. إذن فقد تطلب السلام أن تكون هناك خطوات مسؤولة تُنفذ على الأرض في هذا الجزء من البلاد الذي أنهكته الحرب طويلة الأمد. ثم كان أمر الوحدة هو مجال فعله ومسعاه فكان التأكيد عليها باعتباره الواقع الذي يعيشه أهل السودان الآن وكان التعبير عليها بمفردة الوحدة الجاذبة في سياق الاستجابة لمطلوبات السلام على صعيديه الاستفتاء وتقرير المصير. إذن هي المحاور الثلاثة التي نسج خيوطها هذا الرجل في مقابل ذلك النسيج الاستعماري البغيض، فالسلام هو وجهة الإنسان نحو الحياة الآمنة المستقرة نصّت عليه العقائد وقامت عليه الموروثات. فالفصل بين الشمال والجنوب تماماً هو حركة في الاتجاه المعاكس لا تتفق مع اتجاهات الطبيعة، وكما قال الأستاذ علي عثمان في مؤتمره الصحفي الاثنين الماضي إن الانفصال هو إبحار ضد تيار التاريخ، إذن فالوحدة تقوم على معادلة طبيعية تماماً مثل اتجاه مجرى النيل من الجنوب الى الشمال، لكن الشيء المهم أن السعي في إطار هذه المحاور يستوجب استنهاض قوى المجتمع بكلياته والدولة بكل أجهزتها ولا شك أن هذا ما أشار إليه وعناه نائب رئيس الجمهورية الأستاذ علي عثمان عندما نادى بضرورة الحراك السياسي والاجتماعي لمجابهة التحديات القادمة المتمثلة في الاستفتاء وما بعده واستدامة السلام، فهو أكد على أنه لابد من تجنيد حملة وطنية قومية جامعة تشترك فيها الفصائل والقوى السياسية، مؤكداً في هذه الدعوة على ضرورة أن تسمو الوطنية فوق الحسابات السياسية. النائب قال إن اتفاقية السلام كانت منذ البداية محفوفة بالشكوك والقلق على قدرة الأطراف تجاه إنفاذها، لكن تنفيذ الاتفاقية قد مضى بدرجات كبيرة تفوق ما يتوقعه الناس، فهذه القدرة والقول للنائب على تحقيق هذا المعدل العالي من النجاح هي التي ستقودنا الى بر الأمان في المرحلة المقبلة، غير أن هناك توجساً من أن تقود نتائج الاستفتاء الى الانفصال ولكن هذا افتراض. طه قال قاطعاً العهد كلنا سنعمل من أجل الوحدة، ونعلم أن هناك شحن عاطفي ومحاولة للإحاطة بعنق الحقائق، ولكن بقدوم شهر يناير ستظل قناعتنا الوطنية هي أنه أياً ما يمكن أن يقع من خيارات لأهل السودان فهو اختيار سيجد منّا القبول والاعتراف، وبالتالي لابد من التأكيد على أن المرحلة المقبلة هي تحتاج الى أن يكون هناك حراك وطني عام بعيداً عن أجواء التوتر وتحقير الذات. إذن، والحديث للنائب، لابد من مناخ وطني يمكن البلاد من العبور بنجاح ويعزز استدامة السلام وهذا لن يتأتى إلا بسلوك سياسي مسؤول من كل القوى السياسية شمالاً وجنوباً، فهذه المعاني والمضامين هي التي ذهبوا بها لنيويورك وهذه المعاني تؤكد وتركز أيضاً على ضرورة أن يخرج السودان من امتحان الاستفتاء بعلاقات دولية جيدة. المعاني أيضاً أكدت على أنه من مصلحة الجميع أن يجري الاستفتاء وفقاً للمواصفات المتفق عليها في الاتفاقية ذلك بأن يكون الاستفتاء نزيهاً وحراً وأن ضمان هذه المواصفات هو في مصلحة الجنوب أولاً وفي مصلحة السودان كله ولأن الدعوة للكلمة الجامعة والحراك الوطني هو مقصد المرحلة وغاياتها السامية، يقول طه لا أظن أننا في سبيل الوطن نتحرك في إطار ضمانات بل علينا جميعاً كقوى سياسية أن نتجشم المصاعب والمخاطر، لذلك هي دعوة لكل وطني غيور شمالاً وجنوباً، ومضى في القول: «ليس هناك من يملك حديثا عن أن الانفصال هو إرادة مواطني الجنوب»، كما أننا لا نريد لقرار مواطني جنوب السودان أن يصادر وأن يُكتب نيابة عنهم مسبقاً، ونؤكد أن الانفصال قرار يسبح ضد التيار وإن تحقق لن يخدم مصلحة المواطن الجنوبي.