استوقفني التحقيق المميّز الذي أجراه الزميل سيف جامع عن «العطش» الذي تعاني منه الجزيرة أبا رغم إحاطة المياه بها من كل جانب، (حكاية جزيرة تحتضر عطشاً) هكذا جاء الخط الخاص بالتحقيق. فالجزيرة أبا يبدو أن حظها من المياه قليل رغم النيل الأبيض «الهادئ» الذي يغمرها من كل جانب. فمشكلة المياه بها قديمة قدم الإنسان، أقول هذا وفي خاطري طُرفة يعود تاريخها إلى مطلع السبعينيات إبان عهد الرئيس الراحل نميري حيث اعتاد الرئيس نميري أن يتجوّل في ولايات السودان ومدنه وقراه خاصة تلك التي تطل على النيل، على باخرة نيلية. وقد قالت الطرفة - والعهدة على الراوي- بأن إحدى نساء تلك المنطقة بولاية النيل الأبيض خرجت مع مواطني المنطقة لاستقبال الرئيس الذي جاء زائراً «بالباخرة النيلية» ودخلت النيل وأرجلها كانت منغمسة في المياه، وعندما اقتربت من الرئيس نميري «يرحمه الله» قالت له «الموية ياريس» فردّ عليها بطرفة «طيب الغاطسة فيها دي شنو؟؟» وضحك الحضور والمستقبلون للرئيس. حينها واصل الفنان الذي يصاحب الوفد في ترديده لأنشودة «واصل كفاحك» واصل كفاحك خليك حريص إنت القائد وإنت الرئيس.. فولاية النيل الأبيض بصورة عامة تعاني ضعف الإمداد المائي رغم النيل الخالد وقد شهدت بعض المدن التاريخية بها الماء في عهد الإنقاذ لأول مرة وقد دشّن الرئيس البشير مطلع التسعينيات شبكة مياه «الفشاشوية» في احتفال كبير شهدته المنطقة. فالماء هو عصب الحياة وقد خُلق منه كل شيء حي وما أن ينعدم تنعدم الحياة، فهل يُعقل مثلاً أن نستجلب المياه عن طريق الكارو ونحن في القرن ال21 ونحن نتحدث عن التنمية والتطور!، فالتنمية يجب أن تكون عن طريق توفير الخدمات الأساسية من مياه وصحة وتعليم وكهرباء. فالمياه تشكِّل الضلع الأساسي في المربع الذي يتساوى فيه الطول والعرض فرغم التساوي إلا أن المياه تشكِّل أهمية كبرى. فانعدام هذه الخدمات يؤدي بلا شك إلى النزوح والهجرة بحثاً عن الماء والكلأ، لنعيد إلى الأذهان تلك الصورة التي رُسمت لنا في كتاب الجغرافيا الصف السادس عن رحلة البقارة والبحث عن المياه للمواشي الخاصة بهم. وتراها الفولة اتملت وليها تاني البقارة عادوا الآن الجزيرة أبا حتى هذه «الفولة» جفت مياهها والذي أخرج المواطنين عنها فإنهم حتماً لا يعودون كما عاد البقارة للفولة، لنتحدث بعد ذلك عن ضرورة الهجرة العكسية. فالهجرة والنزوح للمدن تجئ بعد أن تفشل في تقديم الخدمات لهم. «فالجزيرة أبا» بإرثها وتاريخها المعروف تستغيث الآن بعد أن تهالكت آليات محطة مياهها وانتهى عمرها الافتراضي. إذن.. من ينقذها بعد أن تجاهلها المسؤولون رغم توجيهات نائب رئيس الجمهورية على عثمان محمد طه؟ فحتى الآليات التي تم تركيبها بالمحطة لم تكن بالمواصفات المطلوبة، الأمر الذي أدى إلى إيقافها بعد أن اتضح ذلك. وكما قال «التحقيق» إن هنالك مشكلة فنية في «الخزانات» و«الرضاخات» حيث تدفقت المياه وغطت المساحة التي تقوم عليها المحطة ليؤكد مشرف المحطة بأن المدينة توجد بها معاناة كبيرة في الحصول على المياه، وبالمقابل لم تكن هنالك همة وسرعة في بدء التشغيل. أين حكومة الولاية يا ترى؟ وأين الوعود التي زيّنت برامجها الانتخابية؟ أم أنها كانت سُلّماً للوصول إلى ما تريد؟ فإذا كان هذا الحال هو حال تلك المدينة التاريخية المعروفة، فما هو حال بقية القرى الممتدة على طول النيل الأبيض؟ ولماذا لا نحاسب الشركة التي أوقفت التنفيذ ولم تلتزم بإنهاء العمل في الزمن الذي تم تحديده؟!. فلماذا لا نحاسب الذين يتسببوا في إيقاف التنمية ليكونوا عظة وعبرة للآخرين، فلنبدأ اعتباراً من اليوم في المحاسبة ولنبدأ بهذه الشركة التي «حرمت» الناس من المياه ثم نعرّج إلى محاسبة الشركة التي بدأت العمل في كبري الدبّاسين والذي توقف هو الآخر منذ سنوات، وهنالك نماذج أخرى كثيرة. وأخيراً لماذا لا يزور والي النيل الأبيض تلك المحطة ليقف بنفسه على المشاكل التي تعاني منها المنطقة «الجزيرة أبا»؟، والي الولاية لم يزر المحطة في حين أن هنالك اهتماماً كبيراً جداً من قِبل نائب رئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه فجزاه الله خير الجزاء.